الرواة | المعصومين | متن الحديث | |
---|---|---|---|
" قال الامام عليه السلام: قال الله عزوجل هذا لقوم من هؤلاء اليهود كتبوا صفة زعموا أنها صفة النبي صلى الله عليه وآله وهو خلاف صفته، وقالوا للمستضعفين منهم: هذه صفة النبي المبعوث في آخر الزمان: إنه طويل، عظيم البدن والبطن، أصهب الشعر، ومحمد صلى الله عليه وآله بخلافه، وهو يجئ بعد هذا الزمان بخمسمائة سنة. وإنما أرادوا بذلك لتبقى لهم على ضعفائهم رياستهم، وتدوم لهم منهم إصابتهم ويكفوا أنفسهم مؤنة خدمة رسول الله صلى الله عليه وآله وخدمة علي عليه السلام وأهل خاصته. فقال الله تعالى:(فويل لهم مما كتبت أيديهم) من هذه الصفات المحرفات المخالفات لصفة محمد صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام، الشدة لهم من العذاب في أسوأ بقاع جهنم(وويل لهم) الشدة(لهم من) العذاب ثانية مضافة إلى الاولى(مما يكسبون) من الاموال التي يأخذونها إذا أثبتوا عوامهم على الكفر بمحمد رسول الله، والجحد لوصيه: أخيه علي ولي الله عليهما السلام قوله عزوجل: "" وقالوا لن تمسنا النار الا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله مالا تعلمون بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النارهم فيها خالدون والذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون "": 82. " | Details | ||
" ثم قال: قيل لامير المؤمنين عليه السلام: من خير خلق الله بعد أئمة الهدى ومصابيح الدجى؟ قال: العلماء إذا صلحوا. قيل: فمن شر خلق الله بعد إبليس وفرعون ونمرود، وبعد المتسمين بأسمائكم والمتلقبين بألقابكم، والآخذين لامكنتكم، والمتأمرين في ممالككم؟ قال: العلماء إذا فسدوا، هم المظهرون للاباطيل، الكاتمون للحقائق، وفيهم قال الله عزوجل:(اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا) الآية ثم قال الله عزوجل: "" فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا "" الآية. " | Details | ||
" قال الامام عليه السلام: ثم قال الله عزوجل: يا محمد ومن هؤلاء اليهود(اميون) لا يقرؤون الكتاب ولا يكتبون، كالامي منسوب إلى امه أي هو كما خرج من بطن امه لايقرأ ولا يكتب(لا يعلمون الكتاب) المنزل من السماء ولا المكذب به، ولا يميزون بينهما(إلا أماني) أي إلا أن يقرأ عليهم ويقال لهم: إن هذا كتاب الله وكلامه، لايعرفون إن قرئ من الكتاب خلاف مافيه(وإن هم إلا يظنون)، أي مايقول لهم رؤساؤهم من تكذيب محمد صلى الله عليه وآله في نبوته، وإمامة علي عليه السلام سيد عترته، وهم يقلدونهم مع أنه محرم عليهم تقليدهم. قال: فقال رجل للصادق عليه السلام: فاذا كان هؤلاء العوام من اليهود لا يعرفون الكتاب إلا بما يسمعونه من علمائهم لا سبيل لهم إلى غيره، فكيف ذمهم بتقليدهم والقبول من علمائهم؟ وهل عوام اليهود إلا كعوامنا يقلدون علماءهم؟ فان لم يجز لاولئك القبول من علمائهم، لم يجز لهؤلاء القبول من علمائهم. فقال عليه السلام: بين عوامنا وعلمائنا وبين عوام اليهود وعلمائهم فرق من جهة وتسوية من جهة، أما من حيث أنهم استووا، فان الله قد ذم عوامنا بتقليدهم علماءهم كما قد ذم عوامهم.وأما من حيث أنهم افترقوا فلا. قال: بين لي ذلك يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله! قال عليه السلام: إن عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصراح، وبأكل الحرام وبالرشاء، وبتغيير الاحكام عن واجبها بالشفاعات والعنايات والمصانعات. وعرفوهم بالتعصب الشديد الذي يفارقون به أديانهم، وأنهم إذا تعصبوا أزالوا حقوق من تعصبوا عليه، وأعطوا ما لا يستحقه من تعصبوا له من أموال غيرهم وظلموهم من أجلهم. وعرفوهم بأنهم يقارفون المحرمات، واضطروا بمعارف قلوبهم إلى أن من فعل ما يفعلونه فهو فاسق، لا يجوز أن يصدق على الله، ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله، فلذلك ذمهم الله لما قلدوا من قد عرفوا، ومن قد علموا أنه لا يجوز قبول خبره، ولا تصديقه في حكايته، ولا العمل بما يؤديه إليهم عمن لم يشاهدوه، ووجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول الله صلى الله عليه وآله إذ كانت دلائله أوضح من أن تخفى، وأشهر من أن لاتظهر لهم. وكذلك عوام امتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر، والعصبية الشديدة والتكالب على حطام الدنيا وحرامها، وإهلاك من يتعصبون عليه إن كان لاصلاح أمره مستحقا، وبالترفق بالبر والاحسان على من تعصبوا له، وإن كان للاذلال والاهانة مستحقا. فمن قلد من عوامنا من مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله تعالى بالتقليد لفسقة فقهائهم. فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا لهواه، مطيعا لامر مولاه فللعوام أن يقلدوه. وذلك لايكون إلا في بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم، فان من ركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة فقهاء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا، ولا كرامة لهم، وإنما كثر التخليط فيما يتحمل عنا أهل البيت لذلك، لان الفسقة يتحملون عنا، فهم يحرفونه بأسره لجهلهم، ويضعون الاشياء على غير مواضعها و وجوهها لقلة معرفتهم وآخرين يتعمدون الكذب علينا ليجروا من عرض الدنيا ما هو زادهم إلى نار جهنم. ومنهم قوم نصاب لايقدرون على القدح فينا، يتعلمون بعض علومنا الصحيحة فيتوجهون به عند شيعتنا، وينتقصون بنا عند نصابنا ثم يضيفون إليه أضعافه وأضعاف أضعافه من الاكاذيب علينا التي نحن براء منها، فيتقبله المسلمون المستسلمون من شيعتنا على أنه من علومنا فضلوا وأضلوهم. وهم أضر على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد على الحسين بن علي عليهما السلام وأصحابه فانهم يسلبونهم الارواح والاموال، وللمسلوبين عند الله أفضل الاحوال لما لحقهم من أعدائهم. وهؤلاء علماء السوء الناصبون المشبهون بأنهم لنا موالون، ولاعدائنا معادون يدخلون الشك والشبهة على ضعفاء شيعتنا، فيضلونهم ويمنعونهم عن قصد الحق المصيب. لا جرم أن من علم الله من قلبه - من هؤلاء العوام - أنه لا يريد إلا صيانة دينه وتعظيم وليه، لم يتركه في يد هذا الملبس الكافر. ولكنه يقيض له مؤمنا يقف به على الصواب، ثم يوفقه الله تعالى للقبول منه فيجمع له بذلك خير الدنيا والآخرة، ويجمع على من أضله لعن الدنيا وعذاب الآخرة. ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: شرار علماء أمتنا المضلون عنا، القاطعون للطرق إلينا، المسمون أضدادنا بأسمائنا، الملقبون أضدادنا بألقابنا، يصلون عليهم وهم للعن مستحقون، ويلعنوننا ونحن بكرامات الله مغمورون، وبصلوات الله وصلوات ملائكته المقربين علينا - عن صلواتهم علينا - مستغنونس " | Details | ||
" ومحمد هو الذي لما جاءه رسول أبى جهل يتهدده ويقول: يا محمد إن الخبوط التي في رأسك هي التي ضيقت عليك مكة، ورمت بك إلى يثرب، وإنها لا تزال بك حتى تنفرك وتحثك على ما يفسدك ويتلفك إلى أن تفسدها على أهلها، وتصليهم حر نار تعديك طورك، وما أرى ذلك إلا وسيؤول إلى أن تثور عليك قريش ثورة رجل واحد لقصد آثارك، ودفع ضررك وبلائك، فتلقاهم بسفهائك المغترين بك، ويساعدك على ذلك من هو كافر بك مبغض لك، فيلجئه إلى مساعدتك ومظافرتك خوفه لان يهلك بهلاكك، و تعطب عياله بعطبك، ويفتقر هو ومن يليه بفقرك، وبفقر متبعيك، إذ يعتقدون أن أعداءك إذا قهروك ودخلوا ديارهم عنوة لم يفرقوا بين من والاك وعاداك واصطلموهم باصطلامهم لك، وأتوا على عيالاتهم وأموالهم بالسبي والنهب، كما يأتون على أموالك وعيالك، وقد أعذر من أنذر وبالغ من أوضح. اديت هذه الرسالة إلى محمد صلى الله عليه وآله وهو بظاهر المدينة بحضرة كافة أصحابه وعامة الكفار به من يهود بني إسرائيل، وهكذا أمر الرسول، ليجنبوا المؤمنين ويغروا بالوثوب عليه سائر من هناك من الكافرين. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للرسول: قد أطريت مقالتك؟ واستكملت رسالتك؟ قال: بلى. قال صلى الله عليه وآله فاسمع الجواب: إن أبا جهل بالمكاره والعطب يهددني، ورب العالمين بالنصر والظفر يعدني، وخبر الله أصدق، والقبول من الله أحق، لن يضر محمدا من خذله، أو يغضب عليه بعد أن ينصره الله عزوجل، ويتفضل بجوده وكرمه عليه. قل له: يا أباجهل إنك راسلتني بما ألقاه في خلدك الشيطان، وأنا اجيبك بما ألقاه في خاطري الرحمن: إن الحرب بيننا وبينك كائنة إلى تسعة وعشرين يوما وإن الله سيقتلك فيها بأضعف أصحابي، وستلقى أنت وعتبة وشيبة والوليد، وفلان وفلان - وذكر عددا من قريش - في "" قليب بدر "" مقتلين أقتل منكم سبعين، وآسر منكم سبعين، أحملهم على الفداء العظيم الثقيل. ثم نادى جماعة من بحضرته من المؤمنين واليهود والنصارى وسائر الاخلاط: ألا تحبون أن اريكم مصرع كل واحد من هؤلاء؟ قالوا: بلى. قال: هلموا إلى بدر فان هناك الملتقى والمحشر، وهناك البلاء الاكبر، لاضع قدمي على مواضع مصارعهم، ثم ستجدونها لاتزيد ولاتنقص، ولا تتغير ولاتتقدم، ولا تتأخر لحظة، ولا قليلا ولا كثيرا. فلم يخف ذلك على أحد منهم، ولم يحبه إلا علي بن أبي طالب وحده، وقال: نعم، بسم الله. فقال الباقون: نحن نحتاج إلى مركوب وآلات ونفقات، فلا يمكننا الخروج إلى هناك وهو مسيرة أيام. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لسائر اليهود: فأنتم ماذا تقولون؟ قالوا: نحن نريد أن نستقر في بيوتنا، ولا حاجة لنا في مشاهدة ما أنت في أدعائه محيل. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا نصب عليكم في المسير إلى هناك، اخطوا خطوة واحدة فان الله يطوى الارض لكم ويوصلكم في الخطوة الثانية إلى هناك. فقال المؤمنون: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله، فلنتشرف بهذه الآية. وقال الكافرون والمنافقون: سوف نمتحن هذا الكذب لينقطع عذر محمد، وتصير دعواه حجة عليه، وفاضحة له في كذبه. قال: فخطا القوم خطوة، ثم الثانية، فاذاهم عند بئر بدر فعجبوا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: اجعلوا البئر العلامة، واذرعوا من عندها كذا ذرعا. فذرعوا، فلما انتهوا إلى آخرها قال: هذا مصرع أبي حهل، يجرحه فلان الانصاري ويجهز عليه عبدالله بن مسعود أضعف أصحابي. ثم قال: اذرعوا من البئر من جانب آخر ثم جانب آخر، ثم جانب آخر كذا وكذا ذراعا وذراعا، وذكر أعداد الاذرع مختلفة. فلما انتهى كل عدد إلى آخره قال رسول الله صلى الله عليه وآله: هذا مصرع عتبة، وذلك مصرع شيبة، وذاك مصرع الوليد، وسيقتل فلان وفلان - إلى أن(سمى تمام) سبعين منهم بأسمائهم - وسيؤسر فلان وفلان إلى أن ذكر سبعين منهم بأسمائهم وأسماء آبائهم وصفاتهم، ونسب المنسوبين إلى الآباء منهم، ونسب الموالي منهم إلى مواليهم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أوقفتم على ما أخبرتكم به؟ قالوا: بلى. قال(إن ذلك لحق) كائن بعد ثمانية وعشرين يوما من اليوم في اليوم التاسع والعشرين وعدا من الله مفعولا، وقضاء حتما لازما. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا معشر المسلمين واليهود اكتبوا بما سمعتم. فقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وآله قد سمعنا، ووعينا ولا ننسى. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الكتابة أفضل و أذكر لكم. فقالوا يارسول الله صلى الله عليه وآله وأين الدواة والكتف؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك للملائكة، ثم قال: ياملائكة ربي اكتبوا ما سمعتم من هذه القصة في أكتاف، واجعلوا في كم كل واحد منهم كتفا من ذلك. ثم قال: معاشر المسلمين تأملوا أكمامكم وما فيها وأخرجوه واقرؤوه. فتأملوها فاذا في كم كل واحد منهم صحيفة، قرأها، وإذا فيها ذكر ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله في ذلك سواء، لا يزيد ولا ينقص ولا يتقدم ولا يتأخر. فقال: أعيدوها في أكمامكم، تكن حجة عليكم، وشرفا للمؤمنين منكم، وحجة على الكافرين. فكانت معهم. فلما كان يوم بدر جرت الامور كلها ببدر، ووجدوها كما قال صلى الله عليه وآله، لا يزيد ولا ينقص قابلوا بها ما في كتبهم فوجدوها كما كتبته الملائكة لا تزيد ولا تنقص ولا تتقدم ولا تتأخر، فقبل المسلمون ظاهرهم، ووكلوا باطنهم إلى خالقهم. فلما أفضى بعض هؤلاء اليهود إلى بعض قالوا: أي شئ صنعتم؟ أخبرتموهم بما فتح الله عليكم من الدلالات على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وآله، وإمامة أخيه علي عليه السلام(ليحاجوكم به عند ربكم) بأنكم كنتم قد علمتم هذا وشاهدتموه فلم تؤمنوا به ولم تطيعوه. وقدروا بجهلهم أنهم إن لم يخبروهم بتلك الآيات لم يكن له عليهم حجة في غيرها ثم قال عزوجل:(أفلا تعقلون) أن هذا الذي تخبرونهم به مما فتح الله عليكم من دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وآله حجة عليكم عند ربكم؟ ! قال الله عزوجل:(أولا يعلمون)؟ يعني أولا يعلم هؤلاء القائلون لاخوانهم: "" أتحدثونهم بما فتح الله عليكم "":(أن الله يعلم ما يسرون) من عداوة محمد صلى الله عليه وآله ويضمرونه من أن إظهارهم الايمان به أمكن لهم من اصطلامه وإبارة أصحابه(وما يعلنون) من الايمان ظاهرا ليؤنسوهم، ويقفوا به على أسرارهم فيذيعوها بحضرة من يضرهم. وأن الله لما علم ذلك دبر لمحمد تمام أمره، وبلوغ غاية ما أراده الله ببعثه وأنه يتم أمره، وأن نفاقهم وكيادهم لا يضره قوله عزوجل: "" ومنهم اميون لايعلمون الكتاب الا أمانى وان هم الا يظنون فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون "": 78-79 " | Details | ||
" قال الامام عليه السلام: فلما بهر رسول الله صلى الله عليه وآله هؤلاء اليهود بمعجزته، وقطع معاذيرهم بواضح دلالته، لم يمكنهم مراجعته في حجته، ولا إدخال التلبيس عليه في معجزته فقالوا: يا محمد قد آمنا بأنك الرسول الهادي المهدي، وأن عليا أخاك هو الوصي والولي. وكانوا إذا خلوا باليهود الآخرين يقولون لهم: إن إظهارنا له الايمان به أمكن لنا من مكروهه، وأعون لنا على اصطلامه واصطلام أصحابه، لانهم عند اعتقادهم أننا معهم يقفوننا على أسرارهم، ولا يكتموننا شيئا، فنطلع عليهم أعداءهم، فيقصدون أذاهم بمعاونتنا ومظاهرتنا في أوقات اشتغالهم واضطرابهم، وفي أحوال تعذر المدافعة والامتناع من الاعداء عليهم. وكانوا مع ذلك ينكرون على سائر اليهود إخبار الناس عما كانوا يشاهدونه من آياته، ويعاينونه من معجزاته، فأظهر الله تعالى محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله على سوء اعتقادهم، وقبح أخلاقهم و دخلاتهم وعلى إنكارهم على من اعترف بما شاهده من آيات محمد وواضح بيناته، وباهر معجزاته. فقال عزوجل: يا محمد(أفتطمعون) أنت وأصحابك من علي وآله الطيبين(أن يؤمنوا لكم) هؤلاء اليهود الذين هم بحجج الله قد بهرتموهم، وبآيات الله ودلائله الواضحة قد قهرتموهم، أن يؤمنوا لكم، ويصدقوكم بقلوبهم، ويبدوا في الخلوات لشياطينهم شريف أحوالكم. (وقد كان فريق منهم) يعني من هؤلاء اليهود من بني إسرائيل(يسمعون كلام الله) في أصل جبل طور سيناء، وأوامره ونواهيه(ثم يحرفونه) عما سمعوه إذا أدوه إلى من وراءهم من سائر بني إسرائيل(من بعد ما عقلوه) وعلموا أنهم فيما يقولونه كاذبون(وهم يعلمون) أنهم في قيلهم كاذبون. وذلك أنهم لما صاروا مع موسى إلى الجبل، فسمعوا كلام الله، ووقفوا على أوامره، ونواهيه، رجعوا فأدوه إلى من بعدهم فشق عليهم، فأما المؤمنون منهم فثبتوا على إيمانهم وصدقوا في نياتهم. وأما أسلاف هؤلاء اليهود الذين نافقوا رسول الله صلى الله عليه وآله في هذه القضية فانهم قالوا لبني إسرائيل: إن الله تعالى قال لنا هذا، وأمرنا بما ذكرناه لكم ونهانا، وأتبع ذلك بأنكم إن صعب عليكم ما أمرتكم به فلا عليكم أن لا تفعلوه، وإن صعب عليكم ما عنه نهيتكم فلا عليكم أن ترتكبوه وتواقعوه. هذا وهم يعلمون أنهم بقولهم هذا كاذبون. ثم أظهر الله تعالى(على نفاقهم الآخر) مع جهلهم. فقال عزوجل:(وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا) كانوا إذا لقوا سلمان والمقداد وأباذر وعمارا قالوا آمنا كايمانكم، إيمانا بنبوة محمد صلى الله عليه وآله، مقرونا بالايمان بامامة أخيه علي بن أبي طالب عليه السلام، وبأنه أخوه الهادي، ووزيره الموالي وخليفته على امته ومنجز عدته، والوافي بذمته والناهض بأعباء سياسته، وقيم الخلق، والذائد لهم عن سخط الرحمن الموجب لهم - إن أطاعوه - رضى الرحمن. وأن خلفاءه من بعده هم النجوم الزاهرة، والاقمار المنيرة، والشموس المضيئة الباهرة، وأن أولياهم أولياء الله، وأن أعداءهم أعداء الله. ويقول بعضهم: نشهد أن محمدا صاحب المعجزات، ومقيم الدلالات الواضحات. هو الذى لما تواطأت قريش على قتله، وطلبوه فقدا لروحه أيبس الله تعالى أيديهم فلم تعمل، وأرجلهم فلم تنهض، حتى رجعوا عنه خائبين مغلوبين، ولو شاء محمد وحده قتلهم أجمعين. وهو الذى لما جاءته قريش، وأشخصته إلى هبل ليحكم عليه بصدقهم وكذبه خر هبل لوجهه، وشهد له بنبوته، وشهد لاخيه علي بامامته، ولاوليائه من بعده بوراثته والقيام بسياسته وإمامته. وهو الذى لما ألجأته قريش إلى الشعب ووكلو ببابه من يمنع من إيصال قوت ومن خروج أحد عنه، خوفا أن يطلب لهم قوتا، غذى هناك كافرهم ومؤمنهم أفضل من المن والسلوى، وكل ما اشتهى كل واحد منهم من أنواع الاطعمات الطيبات، ومن أصناف الحلاوات، وكساهم أحسن الكسوات، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله بين أظهرهم إذا رآهم وقد ضاق لضيق فجهم صدورهم. قال بيده هكذا بيمناه إلى الجبال، وهكذا بيسراه إلى الجبال، وقال لها: اندقعي. فتندفع، وتتأخر حتى يصيروا بذلك في صحراء لا يرى طرفاها، ثم يقول بيده هكذا، ويقول: أطلعي يا أيتها المودعات لمحمد وأنصاره ما أودعكموها الله من الاشجار والثمار والانهار وأنواع الزهر والنبات، فتطلع من الاشجار الباسقة، والرياحين المونقة، والخضروات النزهة ما تتمتع به القلوب والابصار وتنجلي به الهموم والغموم والافكار، ويعلمون أنه ليس لاحد من ملوك الارض مثل صحرائهم على ما تشتمل عليهم من عجائب أشجارها، وتهدل أثمارها، واطراد أنهارها، وغضارة رياحينها، وحسن نباتها. " | Details |