عن المعصومين عليهم السلام :
من طريق الراوة :
الحديث الشريف :
" قال الامام عليه السلام: فلما بهر رسول الله صلى الله عليه وآله هؤلاء اليهود بمعجزته، وقطع معاذيرهم بواضح دلالته، لم يمكنهم مراجعته في حجته، ولا إدخال التلبيس عليه في معجزته فقالوا: يا محمد قد آمنا بأنك الرسول الهادي المهدي، وأن عليا أخاك هو الوصي والولي. وكانوا إذا خلوا باليهود الآخرين يقولون لهم: إن إظهارنا له الايمان به أمكن لنا من مكروهه، وأعون لنا على اصطلامه واصطلام أصحابه، لانهم عند اعتقادهم أننا معهم يقفوننا على أسرارهم، ولا يكتموننا شيئا، فنطلع عليهم أعداءهم، فيقصدون أذاهم بمعاونتنا ومظاهرتنا في أوقات اشتغالهم واضطرابهم، وفي أحوال تعذر المدافعة والامتناع من الاعداء عليهم. وكانوا مع ذلك ينكرون على سائر اليهود إخبار الناس عما كانوا يشاهدونه من آياته، ويعاينونه من معجزاته، فأظهر الله تعالى محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله على سوء اعتقادهم، وقبح أخلاقهم و دخلاتهم وعلى إنكارهم على من اعترف بما شاهده من آيات محمد وواضح بيناته، وباهر معجزاته. فقال عزوجل: يا محمد(أفتطمعون) أنت وأصحابك من علي وآله الطيبين(أن يؤمنوا لكم) هؤلاء اليهود الذين هم بحجج الله قد بهرتموهم، وبآيات الله ودلائله الواضحة قد قهرتموهم، أن يؤمنوا لكم، ويصدقوكم بقلوبهم، ويبدوا في الخلوات لشياطينهم شريف أحوالكم. (وقد كان فريق منهم) يعني من هؤلاء اليهود من بني إسرائيل(يسمعون كلام الله) في أصل جبل طور سيناء، وأوامره ونواهيه(ثم يحرفونه) عما سمعوه إذا أدوه إلى من وراءهم من سائر بني إسرائيل(من بعد ما عقلوه) وعلموا أنهم فيما يقولونه كاذبون(وهم يعلمون) أنهم في قيلهم كاذبون. وذلك أنهم لما صاروا مع موسى إلى الجبل، فسمعوا كلام الله، ووقفوا على أوامره، ونواهيه، رجعوا فأدوه إلى من بعدهم فشق عليهم، فأما المؤمنون منهم فثبتوا على إيمانهم وصدقوا في نياتهم. وأما أسلاف هؤلاء اليهود الذين نافقوا رسول الله صلى الله عليه وآله في هذه القضية فانهم قالوا لبني إسرائيل: إن الله تعالى قال لنا هذا، وأمرنا بما ذكرناه لكم ونهانا، وأتبع ذلك بأنكم إن صعب عليكم ما أمرتكم به فلا عليكم أن لا تفعلوه، وإن صعب عليكم ما عنه نهيتكم فلا عليكم أن ترتكبوه وتواقعوه. هذا وهم يعلمون أنهم بقولهم هذا كاذبون. ثم أظهر الله تعالى(على نفاقهم الآخر) مع جهلهم. فقال عزوجل:(وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا) كانوا إذا لقوا سلمان والمقداد وأباذر وعمارا قالوا آمنا كايمانكم، إيمانا بنبوة محمد صلى الله عليه وآله، مقرونا بالايمان بامامة أخيه علي بن أبي طالب عليه السلام، وبأنه أخوه الهادي، ووزيره الموالي وخليفته على امته ومنجز عدته، والوافي بذمته والناهض بأعباء سياسته، وقيم الخلق، والذائد لهم عن سخط الرحمن الموجب لهم - إن أطاعوه - رضى الرحمن. وأن خلفاءه من بعده هم النجوم الزاهرة، والاقمار المنيرة، والشموس المضيئة الباهرة، وأن أولياهم أولياء الله، وأن أعداءهم أعداء الله. ويقول بعضهم: نشهد أن محمدا صاحب المعجزات، ومقيم الدلالات الواضحات. هو الذى لما تواطأت قريش على قتله، وطلبوه فقدا لروحه أيبس الله تعالى أيديهم فلم تعمل، وأرجلهم فلم تنهض، حتى رجعوا عنه خائبين مغلوبين، ولو شاء محمد وحده قتلهم أجمعين. وهو الذى لما جاءته قريش، وأشخصته إلى هبل ليحكم عليه بصدقهم وكذبه خر هبل لوجهه، وشهد له بنبوته، وشهد لاخيه علي بامامته، ولاوليائه من بعده بوراثته والقيام بسياسته وإمامته. وهو الذى لما ألجأته قريش إلى الشعب ووكلو ببابه من يمنع من إيصال قوت ومن خروج أحد عنه، خوفا أن يطلب لهم قوتا، غذى هناك كافرهم ومؤمنهم أفضل من المن والسلوى، وكل ما اشتهى كل واحد منهم من أنواع الاطعمات الطيبات، ومن أصناف الحلاوات، وكساهم أحسن الكسوات، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله بين أظهرهم إذا رآهم وقد ضاق لضيق فجهم صدورهم. قال بيده هكذا بيمناه إلى الجبال، وهكذا بيسراه إلى الجبال، وقال لها: اندقعي. فتندفع، وتتأخر حتى يصيروا بذلك في صحراء لا يرى طرفاها، ثم يقول بيده هكذا، ويقول: أطلعي يا أيتها المودعات لمحمد وأنصاره ما أودعكموها الله من الاشجار والثمار والانهار وأنواع الزهر والنبات، فتطلع من الاشجار الباسقة، والرياحين المونقة، والخضروات النزهة ما تتمتع به القلوب والابصار وتنجلي به الهموم والغموم والافكار، ويعلمون أنه ليس لاحد من ملوك الارض مثل صحرائهم على ما تشتمل عليهم من عجائب أشجارها، وتهدل أثمارها، واطراد أنهارها، وغضارة رياحينها، وحسن نباتها. "