الرواة | المعصومين | متن الحديث | |
---|---|---|---|
" فقالوا: يا محمد زعمت أنه ما في قلوبنا شئ من مواساة الفقراء، ومعاونة الضعفاء والنفقة في إبطال الباطل، وإحقاق الحق، وأن الاحجار ألين من قلوبنا، وأطوع لله منا، وهذه الجبال بحضرتنا، فهلم بنا إلى بعضها، فاستشهده على تصديقك وتكذيبنا فان نطق بتصديقك فأنت المحق، يلزمنا اتباعك، وإن نطق بتكذيبك أو صمت فلم يرد جوابك، فاعلم بانك المبطل في دعواك، المعاند لهواك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: نعم هلموا بنا إلى أيها شئتم أستشهده، ليشهد لي عليكم فخرجوا إلى أوعر جبل رأوه، فقالوا: يا محمد هذا الجبل فاستشهده. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للجبل: إني أسألك بجاه محمد وآله الطيبين الذين بذكر أسمائهم خفف الله العرش على كواهل ثمانية من الملائكة بعد أن لم يقدروا على تحريكه وهم خلق كثير لا يعرف عددهم غير الله عزوجل. وبحق محمد وآله الطيبين الذين بذكر أسمائهم تاب الله على آدم، وغفر خطيئته وأعاده إلى مرتبته. وبحق محمد وآله الطيبين الذين بذكر أسمائهم وسؤال الله بهم رفع إدريس في الجنة مكانا عليا، لما شهدت لمحمد بما أودعك الله بتصديقه على هؤلاء اليهود في ذكر قساوة قلوبهم، وتكذيبهم وجحدهم لقول محمد رسول الله صلى الله عليه وآله. فتحرك الجبل وتزلزل، وفاض منه الماء ونادى: يا محمد أشهد أنك رسول الله رب العالمين، وسيد الخلائق أجمعين. وأشهد أن قلوب هؤلاء اليهود كما وصفت أقسى من الحجارة، لا يخرج منها خير كما قد يخرج من الحجارة الماء سيلا أو تفجيرا. وأشهد أن هولاء كاذبون عليك فيما به يقرفونك من الفرية على رب العالمين ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وأسألك أيها الجبل، أمرك الله بطاعتي فيما ألتمسه منك بجاه محمد وآله الطيبين؟ الذين بهم نجى الله تعالى نوحا عليه السلام من الكرب العظيم، وبرد الله النار على إبراهيم عليه السلام وجعلها عليه سلاما ومكنه في جوف النار على سرير وفراش وثير، لم ير ذلك الطاغية مثله لاحد من ملوك الارض أجمعين وأنبت حواليه من الاشجار الخضرة النضرة النزهة، وغمر ما حوله من أنواع المنثور بما لا يوجد إلا في فصول أربعة من جميع السنة. قال الجبل: بلى، أشهد لك يا محمد بذلك، وأشهد أنك لو اقترحت على ربك أن يجعل رجال الدنيا قردة وخنازير لفعل، أو يجعلهم ملائكة لفعل، وأن يقلب النيران جليدا، والجليد نيرانا لفعل، أو يهبط السماء إلى الارض، أو يرفع الارض إلى السماء لفعل، أو يصير أطراف المشارق والمغارب والوهاد كلها صرة كصرة الكيس لفعل وأنه قد جعل الارض والسماء طوعك، والجبال والبحار تنصرف بأمرك، وسائر ما خلق الله من الرياح والصواعق وجوارح الانسان وأعضاء الحيوان لك مطيعة، وما أمرتها به من شئ ائتمرت. فقال اليهود: يا محمد أعلينا تلبس وتشبه؟ ! قد أجلست مردة من أصحابك خلف صخور هذا الجبل، فهم ينطقون بهذا الكلام، ونحن لا ندري أنسمع من الرجال أم من الجبل !؟ لا يغتر بمثل هذا إلا ضعفاؤك الذين تبحبح في عقولهم، فان كنت صادقا فتنح عن موضعك هذا إلى ذلك القرار، وامر هذا الجبل أن ينقلع من أصله، فيسير إليك إلى هناك، فاذا حضرك - ونحن نشاهده -. فأمره أن ينقطع نصفين من ارتفاع سمكه، ثم ترتفع السفلى من قطعتيه فوق العليا وتنخفض العليا تحت السفلى، فاذا أصل الجبل قلته وقلته أصله، لنعلم أنه من الله لا يتفق بمواطأة، ولا بمعاونة مموهين متمردين. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله - وأشار إلى حجر فيه قدر خمسة أرطال -: يا أيها الحجر تدحرج. فتدحرج، ثم قال لمخاطبه: خذه وقربه من اذنك، فسيعيد عليك ما سمعت فان هذا جزء من ذلك الجبل. فأخذه الرجل، فأدناه إلى اذنه، فنطق به الحجر بمثل ما نطق به الجبل أولا من تصديق رسول الله صلى الله عليه وآله فيما ذكره عن قلوب اليهود، وفيما أخبر به من أن نفقاتهم في دفع أمر محمد صلى الله عليه وآله باطل، ووبال عليهم. فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: أسمعت هذا؟ أخلف هذا الحجر أحد يكلمك ويوهمك أنه يكلمك؟ قال: لا، فاتني بما اقترحت في الجبل. فتباعد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى فضاء واسع، ثم نادى الجبل: يا أيها الجبل بحق محمد وآله الطيبين الذين بجاههم(ومسألة عباد الله) بهم أرسل الله على قوم عاد ريحا صرصرا عاتية، تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل خاوية، وأمر جبرئيل أن يصيح صيحة هائلة في قوم صالح عليه السلام حتى صاروا كهشيم المحتظر، لما انقلعت من مكانك باذن الله، وجئت إلى حضرتي هذه - ووضع يده على الارض بين يديه. قال: فتزلزل الجبل وسار كالقارح الهملاج حتى صار بين يديه، و دنا من إصبعه أصله فلزق بها، ووقف ونادى: ها أنا سامع لك مطيع يا رسول(رب العالمين) وإن رغمت انوف هؤلاء المعاندين مرني بأمرك يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن هؤلاء المعاندين اقترحوا علي أن آمرك أن تنقلع من أصلك، فتصير نصفين، ثم ينحط أعلاك، ويرتفع أسفلك، فتصير ذروتك أصلك وأصلك ذروتك. فقال الجبل: أفتأمرني بذلك يا رسول الله رب العالمين؟ قال: بلى. فانقطع الجبل نصفين وانحط أعلاه إلى الارض، وارتفع أسلفه فوق أعلاه فصار فرعه أصله، وأصله فرعه. ثم نادى الجبل: معاشر اليهود هذا الذي ترون دون معجزات موسى الذي تزعمون أنكم به مؤمنون !؟ فنظر اليهود بعضهم إلى بعض فقال بعضهم: ما عن هذا محيص. وقال آخرون منهم: هذا رجل مبخوت يؤتى له، والمبخوت يتأتى له العجائب فلا يغرنكم ما تشاهدون منه. فناداهم الجبل: يا أعداء الله قد أبطلتم بما تقولون نبوة موسى عليه السلام هلا قلتم لموسى: إن قلب العصا ثعبانا، وانفلاق البحر طرقا، ووقوف الجبل كالظلة فوقكم إنك يؤتى لك يأتيك جدك بالعجائب، فلا يغرنا ما نشاهده منك. فألقمتهم الجبال - بمقالتها - الصخور، ولزمتهم حجة رب العالمين قوله عزوجل: "" أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون، واذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا واذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون. أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون "": 77 . " | Details | ||
" قال الامام عليه السلام: قال الله عزوجل:(ثم قست قلوبكم) عست وجفت ويبست من الخير والرحمة قلوبكم معاشر اليهود(من بعد ذلك) من بعد ما بينت من الآيات الباهرات في زمان موسى عليه السلام، ومن الآيات المعجزات التي شاهدتموها من محمد. (فهي كالحجارة) اليابسة لا ترشح برطوبة، ولا ينتفض منها ما ينتفع به، أي أنكم لا حق الله تعالى تؤدون، ولا من أموالكم ولا من مواشيها تتصدقون، ولا بالمعروف تتكرمون وتجودون، ولا الضيف تقرؤن، ولا مكروبا تغيثون، ولا بشئ من الانسانية تعاشرون وتعاملون. (أو أشد قسوة) إنما هي في قساوة الاحجار(أو أشد قسوة) أبهم على السامعين ولم يبين لهم، كما يقول القائل: أكلت خبزا أو لحما، وهو لا يريد به أني لا أدري ما أكلت، بل يريد به أن يبهم على السامع حتى لا يعلم ماذا أكل، وإن كان يعلم أنه قد أكل. وليس معناه: بل أشد قسوة، لان هذا استدراك غلط، وهو عزوجل يرتفع عن أن يغلط في خبر ثم يستدرك على نفسه الغلط، لانه العالم بما كان وبما يكون وبما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون، وإنما يستدرك الغلط على نفسه المخلوق المنقوص. ولا يريد به أيضا: فهي كالحجارة أو أشد أي وأشد قسوة، لان هذا تكذيب الاول بالثاني، لانه قال:(فهي كالحجارة) في الشدة لا أشد منها ولا ألين، فاذا قال بعد ذلك:(أو أشد) فقد رجع عن قوله الاول: أنها ليست بأشد، وهذا مثل أن يقول: لا يجئ من قلوبكم خير لا قليل ولا كثير. فأبهم عزوجل في الاول حيث قال:(أو أشد). وبين في الثاني أن قلوبهم أشد قسوة من الحجارة لا بقوله:(أو أشد قسوة) ولكن بقوله تعالى:(وإن من الحجارة لما يتفجر منه الانهار) أي فهي في القساوة بحيث لا يجئ منها الخير يا يهود وفي الحجارة ما يتفجر منه الانهار فيجئ بالخير والغياث لبني آدم. (وإن منها) من الحجارة(لما يشقق فيخرج منه الماء) وهو ما يقطر منه الماء فهو خير منها دون الانهار التي يتفجر من بعضها، وقلوبهم لا يتفجر منها الخيرات ولا يشقق فيخرج منها قليل من الخيرات، وإن لم يكن كثيرا. ثم قال الله تعالى:(وإن منها) يعني من الحجارة(لما يهبط من خشية الله) إذا أقسم عليها باسم الله وبأسامي أوليائه: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم صلى الله عليهم، وليس في قلوبكم شئ من هذه الخيرات. (وما الله بغافل عما تعملون) بل عالم به، يجازيكم عنه بما هو به عادل عليكم وليس بظالم لكم، يشدد حسابكم، ويؤلم عقابكم. وهذا الذى قد وصف الله تعالى به قلوبهم ههنا نحو ما قال في سورة النساء:(أم لهم نصيب من الملك فاذا لا يؤتون الناس نفيرا). وما وصف به الاحجار ههنا نحو ما وصف في قوله تعالى:(لو أنزلنا هذا القران على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله) وهذا التقريع من الله تعالى لليهود والنواصب، واليهود جمعوا الامرين واقترفوا الخطيئتين فغلظ على اليهود ما وبخهم به رسول الله صلى الله عليه وآله. فقال جماعة من رؤسائهم، وذوي الالسن والبيان منهم: يا محمد إنك تهجونا وتدعي على قلوبنا ما الله يعلم منها خلافه، إن فيها خيرا كثيرا: نصوم ونتصدق ونواسي الفقراء. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنما الخير ما اريد به وجه الله تعالى، وعمل على ما أمر الله تعالى به. فأما ما اريد به الرياء والسمعة أو معاندة رسول الله، وإظهار الغنى له والتمالك والتشرف عليه فليس بخير، بل هو الشر الخالص، ووبال على صاحبه، يعذبه الله به أشد العذاب. فقالوا له: يا محمد أنت تقول هذا، ونحن نقول: بل ما ننفقه إلا لابطال أمرك ودفع رياستك ولتفريق أصحابك عنك وهو الجهاد الاعظم، نؤمل به من الله الثواب الاجل الاجسم، وأقل أحوالنا أنا تساوينا في الدعاوى، فأي فضل لك علينا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا إخوة اليهود إن الدعاوي يتساوى فيها المحقون والمبطلون ولكن حجج الله ودلائله تفرق بينهم، فتكشف عن تمويه المبطلين، وتبين عن حقائق المحقين، ورسول الله محمد لا يغتنم جهلكم ولا يكلفكم التسليم له بغير حجة ولكن يقيم عليكم حجة الله تعالى التي لا يمكنكم دفاعها، ولا تطيقون الامتناع من موجبها ولو ذهب محمد يريكم آية من عنده لشككتم، وقلتم: إنه متكلف مصنوع محتال فيه، معمول أو متواطأ عليه، فاذا اقترحتم أنتم فأراكم ما تقترحون لم يكن لكم أن تقولوا معمول أو متواطأ عليه أو متأتي بحيلة ومقدمات، فما الذي تقترحون؟ فهذا رب العالمين قد وعدني أن يظهر لكم ما تقترحون ليقطع معاذير الكافرين منكم، ويزيد في بصائر المؤمنين منكم. قالوا: قد أنصفتنا يا محمد، فان وفيت بما وعدت من نفسك من الانصاف، وإلا فأنت أول راجع من دعواك للنبوة، وداخل في غمار الامة، ومسلم لحكم التوراة لعجزك عما نقترحه عليك، وظهور الباطل في دعواك فيما ترومه من جهتك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الصدق ينبئ عنكم لا الوعيد، اقترحوا ما تقترحون ليقطع معاذيركم فيما تسألون. " | Details | ||
" قال الامام: قال الله عزوجل ليهود المدينة: واذكروا(إذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) تضربون ببعضها هذا المقتول بين أظهركم ليقوم حيا سويا باذن الله عزوجل، ويخبركم بقاتله. وذلك حين القي القتيل بين أظهرهم، فألزم موسى عليه السلام أهل القبيلة بأمر الله تعالى أن يحلف خمسون من أماثلهم بالله القوي الشديد إليه موسى و بنى إسرائيل، مفضل محمد وآله الطيبين على البرايا أجمعين إنا ما قتلناه، ولا علمنا له قاتلا، فان حلفوا بذلك غرموا دية المقتول، وإن نكلوا نصوا على القاتل أو أقر القاتل فيقاد منه فان لم يفعلوا حبسوا في محبس ضنك إلى أن يحلفوا أو يقروا أو يشهدوا على القاتل. فقالوا: يا نبي الله أما وقت أيماننا أموالنا و لا أموالنا أيماننا؟ قال: لا، هكذا حكم الله. وكان السبب: أن إمرأة حسناء ذات جمال وخلق كامل، وفضل بارع، ونسب شريف وستر ثخين كثر خطابها، وكان لها بنو أعمام ثلاثة، فرضيت بأفضلهم علما وأثخنهم سترا، وأرادت التزويج به، فاشتد حسد ابني عمه الآخرين له غيضا، وغبطاه عليها لايثارها إياه فعمدا إلى ابن عمهما المرضي، فأخذاه إلى دعوتهما، ثم قتلاه وحملاه إلى محلة تشتمل على أكثر قبيلة في بني إسرائيل، فألقياه بين أظهرهم ليلا. فلما أصبحوا وجدوا القتيل هناك، فعرف حاله، فجاء ابنا عمه القاتلان له، فمزقا ثيابهما على أنفسهما، وحثيا التراب على رؤوسهما، واستعديا عليهم، فأحضرهم موسى عليه السلام وسألهم، فأنكروا أن يكونوا قتلوه، أو علموا قاتله. فقال: فحكم الله عزوجل على من فعل هذه الحادثه ما عرفتموه، فالتزموه. فقالوا: يا موسى أي نفع في أيماننا لنا إذا لم تدرأ عنا الغرامة الثقيلة؟ أم أي نفع في غرامتنا لنا إذا لم تدرأ عنا الايمان؟ فقال موسى عليه السلام: كل النفع في طاعة الله والايتمار لامره، والانتهاء عما نهى عنه. فقالوا: يا نبي الله غرم ثقيل ولا جناية لنا، وأيمان غليظة ولا حق في رقابنا لو أن الله عرفنا قاتله بعينه، وكفانا مؤنته، فادع لنا ربك يبين لنا هذا القاتل لتنزل به ما يستحقه من العقاب، وينكشف أمره لذوي الالباب. فقال موسى عليه السلام: إن الله عزوجل قد بين ما أحكم به في هذا، فليس لي أن أقترح عليه غير ما حكم، ولا أعترض عليه فيما أمر. ألا ترون أنه لما حرم العمل في يوم السبت، وحرم لحم الجمل لم يكن لنا أن نقترح عليه أن يغير ماحكم به علينا من ذلك، بل علينا أن نسلم له حكمه، ونلتزم ما ألزمنا، وهم بأن يحكم عليهم بالذي كان يحكم به على غيرهم في مثل حادثهم فأوحى الله عزوجل إليه: يا موسى أجبهم إلى ما اقترحوا، وسلني أن ابين لهم القاتل ليقتل، ويسلم غيره من التهمة والغرامة، فاني إنما اريد باجابتهم إلى ما اقترحوا توسعة الرزق على رجل من خيار امتك، دينه الصلاة على محمد وآله الطيبين، والتفضيل لمحمد صلى الله عليه وآله وعلي بعده على سائر البرايا، اغنية في الدنيا في هذه القضية، ليكون بعض ثوابه عن تعظيمه لمحمد وآله. فقال موسى: يا رب بين لنا قاتله. فأوحى الله تعالى إليه: قل لبني إسرائيل إن الله يبين لكم ذلك بأن يأمركم أن تذبحوا بقرة، فتضربوا ببعضها المقتول فيحيى فتسلمون لرب العالمين ذلك، وإلا فكفوا عن المسألة ; والتزموا ظاهر حكمي. فذلك ما حكى الله عزوجل:(وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم - أي سيأمركم - أن تذبحوا بقرة) إن أردتم الوقوف على القاتل، وتضربوا المقتول ببعضها ليحيى ويخبر بالقاتل(قالوا - يا موسى - أتتخذنا هزوا) و سخرية؟ تزعم أن الله يأمرنا أن نذبح بقرة، ونأخذ قطعة من ميت، ونضرب بها ميتا، فيحيى أحد الميتين بملاقات بعض الميت الآخر له، فكيف يكون هذا؟(قال - موسى - أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين) أنسب إلى الله تعالى مالم يقل لي، وأن أكون من الجاهلين، اعارض أمر الله بقياسي على ما شاهدت، دافعا لقول الله عزوجل وأمره. ثم قال موسى عليه السلام: أو ليس ماء الرجل نطفة ميتة، وماء المرأة كذلك، ميتان يلتقيان فيحدث الله تعالى من التقاء الميتين بشرا حيا سويا؟ أو ليس بذوركم التي تزرعونها في أرضيكم تتفسخ وتتعفن وهي ميتة، ثم يخرج الله منها هذه السنابل الحسنة البهيجة وهذه الاشجار الباسقة المونقة؟ فلما بهرهم موسى عليه السلام قالوا له: يا موسى(ادع لنا ربك يبين لنا ما هي) أي ما صفتها لنقف عليها. فسأل موسى ربه عزوجل، فقال:(إنها بقرة لا فارض) كبيرة(ولا بكر) صغيرة لم تغبط(عوان) وسط(بين ذلك) بين الفارض والبكر(فافعلوا ما تؤمرون) إذا امرتم به. (قالوا - يا موسى - ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها) أي لون هذه البقرة التي تريد أن تأمرنا بذبحها. قال موسى - عن الله بعد السؤال والجواب -(إنها بقرة صفراء فاقع) حسن الصفرة ليس بناقص يضرب إلى البياض، ولا بمشبع يضرب إلى السواد(لونها) هكذا فاقع(تسر - البقرة - الناظرين) إليها لبهجتها وحسنها وبريقها. (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي) ما صفتها؟ يزيد في صفتها. (قال - عن الله تعالى - إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الارض) لم تذلل لاثارة الارض ولم ترض بها(ولا تسقي الحرث) ولا هي مما تجر الدلاء، ولا تدير النواعير قد أعفيت من ذلك أجمع(مسلمة) من العيوب كلها، لا عيب فيها(لاشية فيها) لا لون فيها من غيرها. فلما سمعوا هذه الصفات قالوا: يا موسى أ فقد أمرنا ربنا بذبح بقرة هذه صفتها؟ قال: بلى. ولم يقل موسى في الابتداء(إن الله قد أمركم) لانه لو قال: إن الله أمركم لكانوا إذا قالوا: ادع لنا ربك يبين لنا ماهي وما لونها وما هي كان لا يحتاج أن يسأله - ذلك - عزوجل، ولكن كان يجيبهم هو بأن يقول: أمركم ببقرة، فأي شئ وقع عليه اسم بقرة فقد خرجتم من أمره إذا ذبحتموها. قال: فلما استقر الامر عليهم، طلبوا هذه البقرة فلم يجدوها إلا عند شاب من بني إسرائيل أراه الله عزوجل في منامه محمدا وعليا وطيبي ذريتهما، فقالا له: إنك كنت لنا وليا محبا ومفضلا، ونحن نريد أن نسوق إليك بعض جزائك في الدنيا، فاذا راموا شراء بقرتك فلا تبعها إلا بأمر امك، فان الله عزوجل يلقنها ما يغنيك به وعقبك. ففرح الغلام، وجاءه القوم يطلبون بقرته، فقالوا: بكم تبيع بقرتك هذه؟ قال: بدينارين، والخيار لامي. قالوا: قد رضينا بدينار. فسألها، فقالت: بأربعة. فأخبرهم فقالوا: نعطيك دينارين. فأخبر امه، فقالت: بثمانية فما زالوا يطلبون على النصف، مما تقول امه، ويرجع إلى امه، فتضعف الثمن حتى بلغ ثمنها ملء مسك ثور أكبر ما يكون ملؤه دنانير، فأوجب لهم البيع. ثم ذبحوها، وأخذوا قطعة وهي عجز الذنب الذي منه خلق ابن آدم، وعليه يركب إذا اعيد خلقا جديدا، فضربوه بها، وقالوا: اللهم بجاه محمد وآله الطيبين لما أحييت هذا الميت، وأنطقته ليخبرنا عن قاتله. فقام سالما سويا وقال: يا نبي الله قتلني هذان ابنا عمي، حسداني على بنت عمي فقتلاني، وألقياني في محلة هؤلاء ليأخذا ديتي منهم. فأخذ موسى عليه السلام الرجلين فقتلهما، وكان قبل أن يقوم الميت ضرب بقطعة من البقرة فلم يحي، فقالوا: يا نبي الله أين ما وعدتنا عن الله عزوجل؟ فقال موسى عليه السلام: قد صدقت، وذلك إلى الله عزوجل. فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى إني لا اخلف وعدي، ولكن ليقدموا للفتى ثمن بقرته ملء مسكها دنانير ثم احيي هذا. فجمعوا أموالهم، فوسع الله جلد الثور حتى وزن ما ملئ به جلده فبلغ خمسة آلاف ألف دينار. فقال بعض بني إسرائيل لموسى عليه السلام - وذلك بحضرة المقتول المنشور المضروب ببعض البقرة -: لا ندري أيهما أعجب: إحياء الله هذا وإنطاقه بما نطق أو اغناؤه لهذا الفتى بهذا المال العظيم ! فأوحى الله إليه: يا موسى قل لبني إسرائيل: من أحب منكم أن اطيب في الدنيا عيشه، واعظم في جناني محله، وأجعل لمحمد وآله الطيبين فيها منادمته، فليفعل كما فعل هذا الفتى، إنه كان قد سمع من موسى بن عمران عليه السلام ذكر محمد صلى الله عليه وآله وعلي وآلهما الطيبين، فكان عليهم مصليا، ولهم على جميع الخلائق من الجن والانس والملائكة مفضلا، فلذلك صرفت إليه هذا المال العظيم ليتنعم بالطيبات ويتكرم بالهبات والصلاة، ويتحبب بمعروفه إلى ذوي المودات، ويكبت بنفقاته ذوي العداوات. قال الفتى: يا نبي الله كيف أحفظ هذه الاموال؟ أم كيف أحذر من عداوة من يعاديني فيها، وحسد من يحسدني لاجلها؟ قال: قل عليها من الصلاة على محمد وآله الطيبين ما كنت تقوله قبل أن تنالها، فان الذي رزقكها بذلك القول مع صحة الاعتقاد يحفظها عليك أيضا(بهذا القول مع صحة الاعتقاد). فقالها الفتى فما رامها حاسد له ليفسدها، أو لص ليسرقها، أو غاصب ليغصبها، إلا دفعه الله عزوجل عنها بلطف من ألطافه حتى يمتنع من ظلمه اختيارا أو منعه منه بآفة أو داهية حتى يكفه عنه، فيكف أضطرارا. قال عليه السلام: فلما قال موسى عليه السلام للفتى ذلك وصار الله عزوجل له - لمقالته - حافظا، قال هذا المنشور: اللهم إني أسألك بما سألك به هذا الفتى من الصلاة على محمد وآله الطيبين والتوسل بهم أن تبقيني في الدنيا متمتعا بابنة عمي وتجزي عني أعدائي وحسادي، وترزقني فيها خيرا كثيرا طيبا. فأوحى الله إليه: يا موسى إنه كان لهذا الفتى المنشور بعد القتل ستون سنة، وقد وهبت له بمسألته وتوسله بمحمد وآله الطيبين سبعين سنة تمام مائة وثلاثين سنة صحيحة حواسه، ثابت فيها جنانه، قوية فيها شهواته، يتمتع بحلال هذه الدنيا ويعيش ولا يفارقها ولا تفارقه، فاذا حان حينه حان حينها وماتا جميعا معا فصارا إلى جناني، وكانا زوجين فيها ناعمين. ولو سألني - يا موسى - هذا الشقي القاتل بمثل ما توسل به هذا الفتى على صحة اعتقاده أن أعصمه من الحسد، وأقنعه بما رزقته - وذلك هو الملك العظيم - لفعلت. ولو سألني بذلك مع التوبة من صنعه أن لا أفضحه لما فضحته، ولصرفت هؤلاء عن اقتراح إبانة القاتل، ولاغنيت هذا الفتى من غير هذا الوجه بقدر هذا المال أوجده. ولو سألني بعد ما افتضح، وتاب إلى، وتوسل بمثل وسيلة هذا الفتى أن انسى الناس فعله - بعدما ألطف لاوليائه فيعفونه عن القصاص - لفعلت، فكان لا يعيره بفعله أحد ولا يذكره فيهم ذاكر، ولكن ذلك فضل اوتيه من أشاء، وأنا ذو الفضل العظيم وأعدل بالمنع على من أشاء، وأنا العزيز الحكيم. فلما ذبحوها قال الله تعالى:(فذبحوها وما كادوا يفعلون) فأرادوا أن لايفعلوا ذلك من عظم ثمن البقرة، ولكن اللجاج حملهم على ذلك، واتهامهم لموسى عليه السلام حدأهم عليه. قال: فضجوا إلى موسى عليه السلام وقالوا: فتقرت القبيلة ودفعت إلى التكفف وانسلخنا بلجاجنا عن قليلنا وكثيرنا فادع الله لنا بسعة الرزق. فقال موسى عليه السلام: ويحكم ما أعمى قلوبكم؟ أما سمعتم دعاء الفتى صاحب البقرة وما أورثه الله تعالى من الغنى؟ أو ما سمعتم دعاء الفتى المقتول المنشور، وما أثمر له من العمر الطويل والسعادة والتنعم والتمتع بحواسه وسائر بدنه وعقله؟ لم لا تدعون الله تعالى بمثل دعائهما، وتتوسلون إلى الله بمثل توسلهما ليسد فاقتكم، ويجبر كسركم، ويسد خلتكم؟ فقالوا: اللهم إليك التجأنا، وعلى فضلك اعتمدنا، فأزل فقرنا وسد خلتنا بجاه محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم. فأوحى الله إليه: ياموسى قل لهم: ليذهب رؤساؤهم إلى خربة بني فلان، ويكشفوا في موضع كذا - لموضع عينه - وجه أرضها قليلا، ثم يستخرجوا ماهناك، فانه عشرة آلاف ألف دينار، ليردوا على كل من دفع في ثمن هذه البقرة ما دفع، لتعود أحوالهم إلى ما كانت عليه ثم ليتقاسموا بعد ذلك مايفضل وهو خمسة آلاف ألف دينار على قدر ما دفع كل واحد منهم في هذه المحنة لتتضاعف أموالهم جزاء على توسلهم بمحمد وآله الطيبين، واعتقادهم لتفضيلهم. فذلك ما قال الله عزوجل:(وإذ قتلتم نفسا فادارءتم فيها) اختلفتم فيها وتدارأتم، ألقى بعضكم الذنب في قتل المقتول على بعض، ودرأه عن نفسه وذويه(والله مخرج) مظهر(ما كنتم تكتمون) ما كان من خبر القاتل، وماكنتم تكتمون من إرادة تكذيب موسى عليه السلام باقتراحكم عليه ما قدرتم أن ربه لا يجيبه إليه. (فقلنا اضربوه ببعضها) ببعض البقرة(كذلك يحيي الله الموتى) في الدنيا والاخرة كما أحيى الميت بملاقاة ميت آخر له. أما في الدنيا فيلاقي ماء الرجل ماء المرأة فيحيي الله الذي كان في الاصلاب والارحام حيا. وأما في الاخرة فان الله تعالى ينزل بين نفختي الصور - بعد ما ينفخ النفخة الاولى من دوين السماء الدنيا - من البحر المسجور الذي قال الله تعالى فيه(والبحر المسجور) وهي مني كمني الرجال، فيمطر ذلك على الارض فيلقى الماء المني مع الاموات البالية فينبتون من الارض ويحيون. ثم قال الله عزوجل:(ويريكم آياته) سائر آياته سوى هذه الدلالات على توحيده ونبوة موسى عليه السلام نبيه، وفضل محمد صلى الله عليه وآله على الخلائق سيد إمائه وعبيده، وتبيينه فضله وفضل آله الطيبين على سائر خلق الله أجمعين.(لعلكم تعقلون) تعتبرون و تتفكرون أن الذي يفعل هذه العجائب لا يأمر الخلق إلا بالحكمة، ولا يختار محمدا وآله إلا لانهم أفضل ذوي الالباب قوله عزوجل: "" ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة أو أشد قسوة وان من الحجارة لما يتفجر منه الانهار وان منها لما يشقق فيخرج منه الماء وان منها لما يهبط من خشية الله وماالله بغافل عما تعملون: "" 74 . " | Details | ||
" وقال الباقر عليه السلام: فلما حدث علي بن الحسين عليهما السلام بهذا الحديث، قال له بعض من في مجلسه: يا ابن رسول الله كيف يعاقب الله ويوبخ هؤلاء الاخلاف على قبائح أتى بها أسلافهم؟ وهو يقول عزوجل:(ولا تزر وازرة وزر اخرى) فقال زين العابدين عليه السلام: إن القرآن نزل بلغة العرب، فهو يخاطب فيه أهل هذا اللسان بلغتهم، يقول الرجل التميمي - قد أغار قومه على بلد وقتلوا من فيه -: أغرتم على بلد كذا وكذا وقتلتم كذا، ويقول العربي أيضا: نحن فعلنا ببني فلان، ونحن سبينا آل فلان ونحن خربنا بلد كذا، لا يريد أنهم باشروا ذلك، ولكن يريد هؤلاء بالعذل وأولئك بالافتخار أن قومهم فعلوا كذا. وقول الله تعالى في هذه الآيات إنما هو توبيخ لاسلافهم، وتوبيخ العذل على هؤلاء الموجودين، لان ذلك هو اللغة التي بها أنزل القرآن، فلان هؤلاء الاخلاف أيضا راضون بما فعل أسلافهم، مصوبون ذلك لهم، فجاز أن يقال لهم: أنتم فعلتم، أي إذ رضيتم بقبيح فعلهم. قوله عزوجل: "" واذ قال موسى لقومه ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين. قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هى قال انه يقول انها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون. قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال انه يقول انها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين. قال ادع لنا ربك يبين لنا ما هى ان البقر تشابه علينا وانا ان شاء الله لمهتدون. قال انه يقول انها بقرة لا ذلول تثير الارض ولا تسقى الحرث مسلمة لاشية فيها قالوا الان جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون. واذ قتلتم نفسا فادارءتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون "" 73 " | Details | ||
" ثم قال على بن الحسين عليهما السلام: أما إن هؤلاء الذين اعتدوا في السبت لو كانوا حين هموا بقبيح أفعالهم سألوا ربهم بجاه محمد وآله الطيبين أن يعصمهم من ذلك لعصمهم، وكذلك الناهون لهم لو سألوا الله عزوجل أن يعصمهم بجاه محمد وآله الطيبين لعصمهم، ولكن الله تعالى لم يلهمهم ذلك، ولم يوفقهم له فجرت معلومات الله تعالى فيهم على ماكان سطره في اللوح المحفوظ. " | Details |