Index

Search by: Hadeeth   Bab

الكتاب الباب الرواة المعصومين متن الحديث
كتاب الروضة محمد بن علي بن معمر ، عن محمد بن علي بن عكابة التميمي ، عن الحسين بن النضر الفهري ، عن أبي عمرو الأوزاعي ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر بن يزيد ، قال : دخلت على أبي جعفر عليه‌ السلام ، فقلت : يا ابن رسول الله ، قد أرمضني اختلاف الشيعة في مذاهبها. فقال : «يا جابر ، ألم أقفك على معنى اختلافهم من أين اختلفوا ، ومن أي جهة تفرقوا؟». قلت : بلى يا ابن رسول الله. قال : «فلا تختلف إذا اختلفوا ؛ يا جابر ، إن الجاحد لصاحب الزمان كالجاحد لرسول الله صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله في أيامه ؛ يا جابر ، اسمع ، وع». قلت : إذا شئت . قال : «اسمع ، وع ، وبلغ حيث انتهت بك راحلتك : إن أمير المؤمنين عليه‌ السلام خطب الناس بالمدينة بعد سبعة أيام من وفاة رسول الله صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله ، وذلك حين فرغ من جمع القرآن وتأليفه ، فقال : الحمد لله الذي منع الأوهام أن تنال إلا وجوده ، وحجب العقول أن تتخيل ذاته ، لامتناعها من الشبه والتشاكل ؛ بل هو الذي لايتفاوت في ذاته ، ولا يتبعض بتجزئة العدد في كماله ، فارق الأشياء لاعلى اختلاف الأماكن ، ويكون فيها لاعلى وجه الممازجة ، وعلمها لابأداة ، لايكون العلم إلا بها ، وليس بينه وبين معلومه علم غيره به كان عالما بمعلومه ، إن قيل : «كان» فعلى تأويل أزلية الوجود ، وإن قيل : «لم يزل» فعلى تأويل نفي العدم ، فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه ، واتخذ إلها غيره علوا كبيرا. نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه ، وأوجب قبوله على نفسه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، شهادتان ترفعان القول وتضاعفان العمل ، خف ميزان ترفعان منه ، وثقل ميزان توضعان فيه ، وبهما الفوز بالجنة ، والنجاة من النار ، والجواز على الصراط ، وبالشهادة تدخلون الجنة ، وبالصلاة تنالون الرحمة ، أكثروا من الصلاة على نبيكم ؛ (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) ، صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم تسليما . أيها الناس ، إنه لاشرف أعلى من الإسلام ، ولا كرم أعز من التقوى ، ولا معقل أحرز من الورع ، ولا شفيع أنجح من التوبة ، ولا لباس أجمل من العافية ، ولا وقاية أمنع من السلامة ، ولا مال أذهب بالفاقة من الرضا بالقناعة ، ولا كنز أغنى من القنوع ، ومن اقتصر على بلغة الكفاف ، فقد انتظم الراحة ، وتبوأ خفض الدعة ، والرغبة مفتاح التعب ، والاحتكار مطية النصب ، والحسد آفة الدين ، والحرص داع إلى التقحم في الذنوب ، وهو داعي الحرمان ، والبغي سائق إلى الحين ، والشره جامع لمساوي العيوب ، رب طمع خائب ، وأمل كاذب ، ورجاء يؤدي إلى الحرمان ، وتجارة تؤول إلى الخسران ، ألا ومن تورط في الأمور غير ناظر في العواقب ، فقد تعرض لمفضحات النوائب ، وبئست القلادة قلادة الذنب للمؤمن. أيها الناس ، إنه لاكنز أنفع من العلم ، ولا عز أرفع من الحلم ، ولا حسب أبلغ من الأدب ، ولا نصب أوضع من الغضب ، ولا جمال أزين من العقل ، ولا سوأة أسوأ من الكذب ، ولا حافظ أحفظ من الصمت ، ولا غائب أقرب من الموت. أيها الناس ، من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره ، ومن رضي برزق الله لم يأسف على ما في يد غيره ، ومن سل سيف البغي قتل به ، ومن حفر لأخيه بئرا وقع فيها ، ومن هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته ، ومن نسي زلله استعظم زلل غيره ، ومن أعجب برأيه ضل ، ومن استغنى بعقله زل ، ومن تكبر على الناس ذل ، ومن سفه على الناس شتم ، ومن خالط الأنذال حقر ، ومن حمل ما لا يطيق عجز. أيها الناس ، إنه لامال أعود من العقل ، ولا فقر أشد من الجهل ، ولا واعظ أبلغ من النصح ، ولا عقل كالتدبير ، ولا عبادة كالتفكر ، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة ، ولا وحشة أشد من العجب ، ولا ورع كالكف عن المحارم ، ولا حلم كالصبر والصمت. أيها الناس ، في الإنسان عشر خصال يظهرها لسانه : شاهد يخبر عن الضمير ، وحاكم يفصل بين الخطاب ، وناطق يرد به الجواب ، وشافع يدرك به الحاجة ، وواصف يعرف به الأشياء ، وأمير يأمر بالحسن ، وواعظ ينهى عن القبيح ، ومعز تسكن به الأحزان ، وحاضر تجلى به الضغائن ، ومونق تلتذ به الأسماع. أيها الناس ، إنه لاخير في الصمت عن الحكم كما أنه لاخير في القول بالجهل. واعلموا أيها الناس ، أنه من لم يملك لسانه يندم ، ومن لايعلم يجهل ، ومن لا يتحلم لايحلم ، ومن لايرتدع لايعقل ، ومن لايعقل يهن ، ومن يهن لايوقر ، ومن لا يوقر يتوبخ ، ومن يكتسب مالا من غير حقه يصرفه في غير أجره ، ومن لايدع وهو محمود يدع وهو مذموم ، ومن لم يعط قاعدا منع قائما ، ومن يطلب العز بغير حق يذل ، ومن يغلب بالجور يغلب ، ومن عاند الحق لزمه الوهن ، ومن تفقه وقر ، ومن تكبر حقر ، ومن لايحسن لايحمد . أيها الناس ، إن المنية قبل الدنية ، والتجلد قبل التبلد ، والحساب قبل العقاب ، والقبر خير من الفقر ، وغض البصر خير من كثير من النظر ، والدهر يوم لك ويوم عليك ، فإذا كان لك فلا تبطر ، وإذا كان عليك فاصبر ، فبكليهما تمتحن». وفي نسخة : «وكلاهما سيختبر ». «أيها الناس ، أعجب ما في الإنسان قلبه ، وله مواد من الحكمة ، وأضداد من خلافها ، فإن سنح له الرجاء أذله الطمع ، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص ، وإن ملكه اليأس قتله الأسف ، وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ ، وإن أسعد بالرضى نسي التحفظ ، وإن ناله الخوف شغله الحذر ، وإن اتسع له الأمن استلبته العزة ـ وفي نسخة : أخذته العزة ـ وإن جددت له نعمة أخذته العزة ، وإن أفاد مالا أطغاه الغنى ، وإن عضته فاقة شغله البلاء ـ في نسخة : جهده البكاء ـ وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع ، وإن أجهده الجوع قعد به الضعف ، وإن أفرط في الشبع كظته البطنة ، فكل تقصير به مضر ، وكل إفراط له مفسد. أيها الناس ، إنه من قل ذل ، ومن جاد ساد ، ومن كثر ماله رأس ، ومن كثر حلمه نبل ، ومن أفكر في ذات الله تزندق ، ومن أكثر من شيء عرف به ، ومن كثر مزاحه استخف به ، ومن كثر ضحكه ذهبت هيبته ، فسد حسب من ليس له أدب ، إن أفضل الفعال صيانة العرض بالمال ، ليس من جالس الجاهل بذي معقول ، من جالس الجاهل فليستعد لقيل وقال ، لن ينجو من الموت غني بماله ، ولا فقير لإقلاله. أيها الناس ، لو أن الموت يشترى ، لاشتراه من أهل الدنيا الكريم الأبلج ، واللئيم الملهوج . أيها الناس ، إن للقلوب شواهد تجري الأنفس عن مدرجة أهل التفريط ، وفطنة الفهم للمواعظ ما يدعو النفس إلى الحذر من الخطر ، وللقلوب خواطر للهوى ، والعقول تزجر وتنهى ، وفي التجارب علم مستأنف ، والاعتبار يقود إلى الرشاد ، وكفاك أدبا لنفسك ما تكرهه لغيرك ، وعليك لأخيك المؤمن مثل الذي لك عليه. لقد خاطر من استغنى برأيه ، والتدبر قبل العمل ، فإنه يؤمنك من الندم ، ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطإ ، ومن أمسك عن الفضول عدلت رأيه العقول ، ومن حصر شهوته فقد صان قدره ، ومن أمسك لسانه أمنه قومه ونال حاجته ، وفي تقلب الأحوال علم جواهر الرجال ، والأيام توضح لك السرائر الكامنة ، وليس في البرق الخاطف مستمتع لمن يخوض في الظلمة ، ومن عرف بالحكمة لحظته العيون بالوقار والهيبة ، وأشرف الغنى ترك المنى. والصبر جنة من الفاقة ، والحرص علامة الفقر ، والبخل جلباب المسكنة ، والمودة قرابة مستفادة ، ووصول معدم خير من جاف مكثر ، والموعظة كهف لمن وعاها ، ومن أطلق طرفه كثر أسفه ، وقد أوجب الدهر شكره على من نال سؤله ، وقل ما ينصفك اللسان في نشر قبيح أو إحسان . ومن ضاق خلقه مله أهله ، ومن نال استطال ، وقل ما تصدقك الأمنية ، والتواضع يكسوك المهابة ، وفي سعة الأخلاق كنوز الأرزاق ، كم من عاكف على ذنبه في آخر أيام عمره ، ومن كساه الحياء ثوبه خفي على الناس عيبه ، وانح القصد من القول ؛ فإن من تحرى القصد خفت عليه المؤن ، وفي خلاف النفس رشدك ، من عرف الأيام لم يغفل عن الاستعداد. ألا وإن مع كل جرعة شرقا ، وإن في كل أكلة غصصا ، لاتنال نعمة إلا بزوال أخرى ، ولكل ذي رمق قوت ، ولكل حبة آكل ، وأنت قوت الموت. اعلموا أيها الناس ، أنه من مشى على وجه الأرض ، فإنه يصير إلى بطنها ، والليل والنهار يتنازعان ـ وفي نسخة أخرى : يتسارعان ـ في هدم الأعمار. يا أيها الناس ، كفر النعمة لؤم ، وصحبة الجاهل شؤم ، إن من الكرم لين الكلام ، ومن العبادة إظهار اللسان وإفشاء السلام ، إياك والخديعة ؛ فإنها من خلق اللئيم ، ليس كل طالب يصيب ، ولا كل غائب يؤوب ، لاترغب فيمن زهد فيك ، رب بعيد هو أقرب من قريب ، سل عن الرفيق قبل الطريق ، وعن الجار قبل الدار ، ألا ومن أسرع في المسير أدركه المقيل ، استر عورة أخيك كما تعلمها فيك ، اغتفر زلة صديقك ليوم يركبك عدوك ، من غضب على من لايقدر على ضره طال حزنه وعذب نفسه ، من خاف ربه كف ظلمه ـ وفي نسخة : من خاف ربه كفي عذابه ـ ومن لم يزغ في كلامه أظهر فخره ، ومن لم يعرف الخير من الشر فهو بمنزلة البهيمة ، إن من الفساد إضاعة الزاد ، ما أصغر المصيبة مع عظم الفاقة غدا. هيهات هيهات ، وما تناكرتم إلا لما فيكم من المعاصي والذنوب ، فما أقرب الراحة من التعب ، والبؤس من النعيم ، وما شر بشر بعده الجنة ، وما خير بخير بعده النار ، وكل نعيم دون الجنة محقور ، وكل بلاء دون النار عافية ، وعند تصحيح الضمائر تبدو الكبائر. تصفية العمل أشد من العمل ، وتخليص النية من الفساد أشد على العاملين من طول الجهاد ، هيهات ، لو لا التقى لكنت أدهى العرب. أيها الناس ، إن الله ـ عزوجل ـ وعد نبيه محمدا صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله الوسيلة ، ووعده الحق ، ولن يخلف الله وعده ، ألا وإن الوسيلة أعلى درج الجنة ، وذروة ذوائب الزلفة ، ونهاية غاية الأمنية ، لها ألف مرقاة ما بين المرقاة إلى المرقاة حضر الفرس الجواد مائة عام ، وهو ما بين مرقاة درة إلى مرقاة جوهرة ، إلى مرقاة زبرجدة ، إلى مرقاة لؤلؤة ، إلى مرقاة ياقوتة ، إلى مرقاة زمردة ، إلى مرقاة مرجانة ، إلى مرقاة كافور ، إلى مرقاة عنبر ، إلى مرقاة يلنجوج ، إلى مرقاة ذهب ، إلى مرقاة فضة ، إلى مرقاة غمام ، إلى مرقاة هواء ، إلى مرقاة نور ، قد أنافت على كل الجنان ، ورسول الله صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله يومئذ قاعد عليها مرتد بريطتين : ريطة من رحمة الله ، وريطة من نور الله ، عليه تاج النبوة وإكليل الرسالة قد أشرق بنوره الموقف ، وأنا يومئذ على الدرجة الرفيعة وهي دون درجته ، وعلي ريطتان : ريطة من أرجوان النور ، وريطة من كافور ، والرسل والأنبياء قد وقفوا على المراقي ، وأعلام الأزمنة وحجج الدهور عن أيماننا ، قد تجللتهم حلل النور والكرامة ، لايرانا ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا بهت بأنوارنا ، وعجب من ضيائنا وجلالتنا ، وعن يمين الوسيلة عن يمين الرسول صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله غمامة بسطة البصر ، يأتي منها النداء : يا أهل الموقف ، طوبى لمن أحب الوصي ، وآمن بالنبي الأمي العربي ، ومن كفر فالنار موعده ؛ وعن يسار الوسيلة عن يسار الرسول صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله ظلة يأتي منها النداء : يا أهل الموقف ، طوبى لمن أحب الوصي ، وآمن بالنبي الأمي ، والذي له الملك الأعلى ، لافاز أحد ولا نال الروح والجنة إلا من لقي خالقه بالإخلاص لهما والاقتداء بنجومهما ، فأيقنوا يا أهل ولاية الله ببياض وجوهكم وشرف مقعدكم وكرم مآبكم ، وبفوزكم اليوم على سرر متقابلين ، ويا أهل الانحراف والصدود عن الله ـ عز ذكره ـ ورسوله وصراطه وأعلام الأزمنة ، أيقنوا بسواد وجوهكم وغضب ربكم جزاء بما كنتم تعملون. وما من رسول سلف ولا نبي مضى إلا وقد كان مخبرا أمته بالمرسل الوارد من بعده ، ومبشرا برسول الله صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله ، وموصيا قومه باتباعه ، ومحليه عند قومه ؛ ليعرفوه بصفته ، وليتبعوه على شريعته ، ولئلا يضلوا فيه من بعده ، فيكون من هلك أو ضل بعد وقوع الإعذار والإنذار عن بينة وتعيين حجة ، فكانت الأمم في رجاء من الرسل ، وورود من الأنبياء ، ولئن أصيبت بفقد نبي بعد نبي على عظم مصائبهم وفجائعها بهم ، فقد كانت على سعة من الأمل. ولا مصيبة عظمت ولا رزية جلت كالمصيبة برسول الله صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله ؛ لأن الله حسم به الإنذار والإعذار ، وقطع به الاحتجاج والعذر بينه وبين خلقه ، وجعله بابه الذي بينه وبين عباده ، ومهيمنه الذي لايقبل إلا به ، ولا قربة إليه إلا بطاعته ، وقال في محكم كتابه : (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا) فقرن طاعته بطاعته ، ومعصيته بمعصيته ، فكان ذلك دليلا على ما فوض إليه ، وشاهدا له على من اتبعه وعصاه ، وبين ذلك في غير موضع من الكتاب العظيم ، فقال تبارك وتعالى في التحريض على اتباعه ، والترغيب في تصديقه ، والقبول لدعوته : (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) . فاتباعه صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله محبة الله ، ورضاه غفران الذنوب وكمال الفوز ووجوب الجنة ، وفي التولي عنه والإعراض محادة الله ، وغضبه وسخطه والبعد منه مسكن النار ؛ وذلك قوله : (ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده) يعني الجحود به والعصيان له. فإن الله ـ تبارك اسمه ـ امتحن بي عباده ، وقتل بيدي أضداده ، وأفنى بسيفي جحاده ، وجعلني زلفة للمؤمنين ، وحياض موت على الجبارين ، وسيفه على المجرمين ، وشد بي أزر رسوله ، وأكرمني بنصره ، وشرفني بعلمه ، وحباني بأحكامه ، واختصني بوصيته ، واصطفاني بخلافته في أمته ، فقال ـ وقد حشده المهاجرون والأنصار ، وانغصت بهم المحافل ـ : «أيها الناس ، إن عليا مني كهارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي» فعقل المؤمنون عن الله نطق الرسول إذ عرفوني أني لست بأخيه لأبيه وأمه كما كان هارون أخا موسى لأبيه وأمه ، ولا كنت نبيا فاقتضى نبوة ، ولكن كان ذلك منه استخلافا لي كما استخلف موسى هارون عليهما‌السلام حيث يقول : (اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) . وقوله صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله حين تكلمت طائفة ، فقالت : نحن موالي رسول الله صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله فخرج رسول الله صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله إلى حجة الوداع ، ثم صار إلى غدير خم ، فأمر فأصلح له شبه المنبر ، ثم علاه ، وأخذ بعضدي حتى رئي بياض إبطيه رافعا صوته ، قائلا في محفله : «من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه» وكانت على ولايتي ولاية الله ، وعلى عداوتي عداوة الله ، وأنزل الله ـ عزوجل ـ في ذلك اليوم (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) فكانت ولايتي كمال الدين ورضا الرب جل ذكره. وأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ اختصاصا لي ، وتكرما نحلنيه ، وإعظاما وتفضيلا من رسول الله صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله منحنيه ، وهو قوله تعالى : (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين) . في مناقب لو ذكرتها لعظم بها الارتفاع ، وطال لها الاستماع ، ولئن تقمصها دوني الأشقيان ، ونازعاني فيما ليس لهما بحق ، وركباها ضلالة ، واعتقداها جهالة ، فلبئس ما عليه وردا ، ولبئس ما لأنفسهما مهدا ، يتلاعنان في دورهما ، ويتبرأ كل واحد منهما من صاحبه ، يقول لقرينه إذا التقيا : يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ، فيجيبه الأشقى على رثوثة : يا ليتني لم أتخذك خليلا ، لقد أضللتني عن الذكر بعد إذ جاءني ، وكان الشيطان للإنسان خذولا. فأنا الذكر الذي عنه ضل ، والسبيل الذي عنه مال ، والإيمان الذي به كفر ، والقرآن الذي إياه هجر ، والدين الذي به كذب ، والصراط الذي عنه نكب ، ولئن رتعا في الحطام المنصرم والغرور المنقطع ـ وكانا منه على شفا حفرة من النار لهما على شر ورود في أخيب وفود وألعن مورود ـ يتصارخان باللعنة ، ويتناعقان بالحسرة ، ما لهما من راحة ، ولا عن عذابهما من مندوحة . إن القوم لم يزالوا عباد أصنام ، وسدنة أوثان ، يقيمون لها المناسك ، وينصبون لها العتائر ، ويتخذون لها القربان ، ويجعلون لها البحيرة والوصيلة والسائبة والحام ، ويستقسمون بالأزلام عامهين عن الله ـ عز ذكره ـ حائرين عن الرشاد ، مهطعين إلى البعاد ، قد استحوذ عليهم الشيطان ، وغمرتهم سوداء الجاهلية ، ورضعوا جهالة ، وانتظموها ضلالة . فأخرجنا الله إليهم رحمة ، وأطلعنا عليهم رأفة ، وأسفر بنا عن الحجب نورا لمن اقتبسه ، وفضلا لمن اتبعه ، وتأييدا لمن صدقه ، فتبوؤوا العز بعد الذلة ، والكثرة بعد القلة ، وهابتهم القلوب والأبصار ، وأذعنت لهم الجبابرة وطوائفها ، وصاروا أهل نعمة مذكورة ، وكرامة ميسورة ، وأمن بعد خوف ، وجمع بعد كوف ، وأضاءت بنا مفاخر معد بن عدنان ، وأولجناهم باب الهدى ، وأدخلناهم دار السلام ، وأشملناهم ثوب الإيمان ، وفلجوا بنا في العالمين ، وأبدت لهم أيام الرسول آثار الصالحين : من حام مجاهد ، ومصل قانت ، ومعتكف زاهد ، يظهرون الأمانة ، ويأتون المثابة حتى إذا دعا الله ـ عزوجل ـ نبيه صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله ورفعه إليه. لم يك ذلك بعده إلا كلمحة من خفقة ، أو وميض من برقة إلى أن رجعوا على الأعقاب ، وانتكصوا على الأدبار ، وطلبوا بالأوتار ، وأظهروا الكتائب ، وردموا الباب ، وفلوا الدار ، وغيروا آثار رسول الله صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله ، ورغبوا عن أحكامه ، وبعدوا من أنواره ، واستبدلوا بمستخلفه بديلا اتخذوه وكانوا ظالمين ، وزعموا أن من اختاروا من آل أبي قحافة أولى بمقام رسول الله صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله ممن اختاره الرسول ـ عليه وآله السلام ـ لمقامه ، وأن مهاجر آل أبي قحافة خير من المهاجري الأنصاري الرباني ناموس هاشم بن عبد مناف. ألا وإن أول شهادة زور وقعت في الإسلام شهادتهم أن صاحبهم مستخلف رسول الله صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله ، فلما كان من أمر سعد بن عبادة ما كان ، رجعوا عن ذلك ، وقالوا : إن رسول الله صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله مضى ولم يستخلف ، فكان رسول الله صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله الطيب المبارك أول مشهود عليه بالزور في الإسلام ، وعن قليل يجدون غب ما يعملون ، وسيجد التالون غب ما أسسه الأولون. ولئن كانوا في مندوحة من المهل ، وشفاء من الأجل ، وسعة من المنقلب ، واستدراج من الغرور ، وسكون من الحال ، وإدراك من الأمل ، فقد أمهل الله ـ عزوجل ـ شداد بن عاد وثمود بن عبود وبلعم بن باعور ، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة ، وأمدهم بالأموال والأعمار ، وأتتهم الأرض ببركاتها ليذكروا آلاء الله ، وليعرفوا الإهابة له والإنابة إليه ، ولينتهوا عن الاستكبار ، فلما بلغوا المدة واستتموا الأكلة ، أخذهم الله ـ عزوجل ـ واصطلمهم ، فمنهم من حصب ، ومنهم من أخذته الصيحة ، ومنهم من أحرقته الظلة ، ومنهم من أودته الرجفة ، ومنهم من أردته الخسفة ، (وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) . ألا وإن لكل أجل كتابا ، فإذا بلغ الكتاب أجله لو كشف لك عما هوى إليه الظالمون ، وآل إليه الأخسرون ، لهربت إلى الله ـ عزوجل ـ مما هم عليه مقيمون ، وإليه صائرون. ألا وإني فيكم أيها الناس كهارون في آل فرعون ، وكباب حطة في بني إسرائيل ، وكسفينة نوح في قوم نوح ، وإني النبأ العظيم والصديق الأكبر ، وعن قليل ستعلمون ما توعدون ، وهل هي إلا كلعقة الآكل ، ومذقة الشارب ، وخفقة الوسنان ، ثم تلزمهم المعرات جزاء في الدنيا ، ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب ، وما الله بغافل عما يعملون . فما جزاء من تنكب محجته ، وأنكر حجته ، وخالف هداته ، وحاد عن نوره ، واقتحم في ظلمه ، واستبدل بالماء السراب ، وبالنعيم العذاب ، وبالفوز الشقاء ، وبالسراء الضراء ، وبالسعة الضنك إلا جزاء اقترافه وسوء خلافه ، فليوقنوا بالوعد على حقيقته ، وليستيقنوا بما يوعدون يوم تأتي الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج (إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير يوم تشقق الأرض عنهم سراعا) إلى آخر السورة». خطبة الطالوتية Details      
كتاب الروضة أحمد بن محمد بن أحمد الكوفي وهو العاصمي ، عن عبد الواحد بن الصواف ، عن محمد بن إسماعيل الهمداني : عن أبي الحسن موسى عليه‌ السلام ، قال : «كان أمير المؤمنين عليه‌ السلام يوصي أصحابه ويقول : أوصيكم بتقوى الله ؛ فإنها غبطة الطالب الراجي ، وثقة الهارب اللاجي ، واستشعروا التقوى شعارا باطنا ، واذكروا الله ذكرا خالصا تحيوا به أفضل الحياة ، وتسلكوا به طريق النجاة ، انظروا في الدنيا نظر الزاهد المفارق لها ؛ فإنها تزيل الثاوي الساكن ، وتفجع المترف الآمن ، لايرجى منها ما تولى فأدبر ، ولا يدرى ما هو آت منها فينتظر ، وصل البلاء منها بالرخاء ، والبقاء منها إلى فناء ، فسرورها مشوب بالحزن ، والبقاء فيها إلى الضعف والوهن ، فهي كروضة اعتم مرعاها ، وأعجبت من يراها ، عذب شربها ، طيب تربها ، تمج عروقها الثرى ، وتنطف فروعها الندى ، حتى إذا بلغ العشب إبانه واستوى بنانه ، هاجت ريح تحت الورق ، وتفرق ما اتسق ، فأصبحت كما قال الله : (هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا) ؛ انظروا في الدنيا في كثرة ما يعجبكم وقلة ما ينفعكم». خطبة لأمير المؤمنين عليه‌ السلام وهي خطبة الوسيلة Details      
كتاب الروضة محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ؛ وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن أبي حمزة ، قال : ما سمعت بأحد من الناس كان أزهد من علي بن الحسين عليهما‌السلام إلا ما بلغني عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، قال أبو حمزة : كان علي بن الحسين عليهما‌السلام إذا تكلم في الزهد ووعظ أبكى من بحضرته ، قال أبو حمزة : وقرأت صحيفة فيها كلام زهد من كلام علي بن الحسين عليهما‌السلام ، وكتبت ما فيها ، ثم أتيت علي بن الحسين عليهما‌السلام ، فعرضت ما فيها عليه ، فعرفه وصححه ، وكان ما فيها : «بسم الله الرحمن الرحيم ، كفانا الله وإياكم كيد الظالمين ، وبغي الحاسدين ، وبطش الجبارين ؛ أيها المؤمنون ، لا يفتننكم الطواغيت وأتباعهم من أهل الرغبة في هذه الدنيا ، المائلون إليها ، المفتتنون بها ، المقبلون عليها وعلى حطامها الهامد ، وهشيمها البائد غدا ، واحذروا ما حذركم الله منها ، وازهدوا فيما زهدكم الله فيه منها ، ولا تركنوا إلى ما في هذه الدنيا ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان ، والله إن لكم مما فيها عليها دليلا وتنبيها من تصريف أيامها وتغير انقلابها ومثلاتها وتلاعبها بأهلها ، إنها لترفع الخميل ، وتضع الشريف ، وتورد أقواما إلى النار غدا ، ففي هذا معتبر ومختبر وزاجر لمنتبه ، إن الأمور الواردة عليكم في كل يوم وليلة ـ من مظلمات الفتن ، وحوادث البدع ، وسنن الجور ، وبوائق الزمان ، وهيبة السلطان ، ووسوسة الشيطان ـ لتثبط القلوب عن تنبهها ، وتذهلها عن موجود الهدى ومعرفة أهل الحق إلا قليلا ممن عصم الله ، فليس يعرف تصرف أيامها ، وتقلب حالاتها وعاقبة ضرر فتنتها إلا من عصم الله ، ونهج سبيل الرشد ، وسلك طريق القصد ، ثم استعان على ذلك بالزهد ، فكرر الفكر ، واتعظ بالصبر ، فازدجر وزهد في عاجل بهجة الدنيا ، وتجافى عن لذاتها ، ورغب في دائم نعيم الآخرة ، وسعى لها سعيها ، وراقب الموت ، وشنأ الحياة مع القوم الظالمين ، نظر إلى ما في الدنيا بعين نيرة حديدة النظر ، وأبصر حوادث الفتن وضلال البدع وجور الملوك الظلمة. فقد لعمري استدبرتم الأمور الماضية في الأيام الخالية من الفتن المتراكمة والانهماك فيما تستدلون به على تجنب الغواة وأهل البدع والبغي والفساد في الأرض بغير الحق ، فاستعينوا بالله ، وارجعوا إلى طاعة الله وطاعة من هو أولى بالطاعة ممن اتبع ، فأطيع. فالحذر الحذر من قبل الندامة والحسرة والقدوم على الله والوقوف بين يديه ، وتالله ما صدر قوم قط عن معصية الله إلا إلى عذابه ، وما آثر قوم قط الدنيا على الآخرة إلا ساء منقلبهم وساء مصيرهم ، وما العلم بالله والعمل إلا إلفان مؤتلفان ، فمن عرف الله خافه ، وحثه الخوف على العمل بطاعة الله ، وإن أرباب العلم وأتباعهم الذين عرفوا الله ، فعملوا له ورغبوا إليه ، وقد قال الله : (إنما يخشى الله من عباده العلماء) فلا تلتمسوا شيئا مما في هذه الدنيا بمعصية الله ، واشتغلوا في هذه الدنيا بطاعة الله ، واغتنموا أيامها ، واسعوا لما فيه نجاتكم غدا من عذاب الله ؛ فإن ذلك أقل للتبعة ، وأدنى من العذر ، وأرجى للنجاة ، وقدموا أمر الله وطاعة من أوجب الله طاعته بين يدي الأمور كلها ، ولا تقدموا الأمور الواردة عليكم من طاعة الطواغيت من زهرة الدنيا بين يدي الله وطاعته وطاعة أولي الأمر منكم واعلموا أنكم عبيد الله ونحن معكم ، يحكم علينا وعليكم سيد حاكم غدا وهو موقفكم ومسائلكم ، فأعدوا الجواب قبل الوقوف والمساءلة والعرض على رب العالمين ، يومئذ لاتكلم نفس إلا بإذنه. واعلموا أن الله لايصدق يومئذ كاذبا ، ولا يكذب صادقا ، ولا يرد عذر مستحق ، ولا يعذر غير معذور ، له الحجة على خلقه بالرسل والأوصياء بعد الرسل. فاتقوا الله عباد الله ، واستقبلوا من إصلاح أنفسكم وطاعة الله وطاعة من تولونه فيها ، لعل نادما قد ندم فيما فرط بالأمس في جنب الله ، وضيع من حقوق الله ، واستغفروا الله ، وتوبوا إليه ، فإنه يقبل التوبة ، ويعفو عن السيئة ، ويعلم ما تفعلون. وإياكم وصحبة العاصين ، ومعونة الظالمين ، ومجاورة الفاسقين ، احذروا فتنتهم ، وتباعدوا من ساحتهم. واعلموا أنه من خالف أولياء الله ، ودان بغير دين الله ، واستبد بأمره دون أمر ولي الله ، كان في نار تلتهب ، تأكل أبدانا قد غابت عنها أرواحها ، وغلبت عليها شقوتها ، فهم موتى لايجدون حر النار ، ولو كانوا أحياء لوجدوا مضض حر النار ، واعتبروا يا أولي الأبصار ، واحمدوا الله على ما هداكم. واعلموا أنكم لاتخرجون من قدرة الله إلى غير قدرته ، وسيرى الله عملكم ثم إليه تحشرون ؛ فانتفعوا بالعظة ، وتأدبوا بآداب الصالحين». Details      
كتاب الروضة Details      
كتاب الأيمان والنذور والكفارات باب النوادر ‌ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه ذكره ، قال : لما سم المتوكل نذر إن عوفي أن يتصدق بمال كثير ، فلما عوفي سأل الفقهاء عن حد المال الكثير ، فاختلفوا عليه ، فقال بعضهم : مائة ألف ، وقال بعضهم : عشرة آلاف ، فقالوا فيه أقاويل مختلفة ، فاشتبه عليه الأمر.فقال رجل من ندمائه ـ يقال له : صفعان ـ : ألاتبعث إلى هذا الأسود ، فتسأل عنه؟فقال له المتوكل : من تعني ويحك؟فقال له : ابن الرضا.فقال له : وهو يحسن من هذا شيئا ؟فقال : إن أخرجك من هذا فلي عليك كذا وكذا ، وإلا فاضربني مائة مقرعة.فقال المتوكل : قد رضيت ، يا جعفر بن محمود صر إليه ، وسله عن حد المال الكثير.فصار جعفر بن محمود إلى أبي الحسن علي بن محمد عليهما‌السلام ، فسأله عن حد المال الكثير؟فقال له : « الكثير ثمانون ».فقال له جعفر : يا سيدي ، إنه يسألني عن العلة فيه.فقال أبو الحسن عليه‌ السلام : « إن الله ـ عز وجل ـ يقول : ( لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ) فعددنا تلك المواطن ، فكانت ثمانين ». Details