Details

كتاب الكافي


اسم الكتاب : كتاب الروضة

اسم الباب :

عن المعصومين عليهم السلام :

من طريق الراوة :



الحديث الشريف :
محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ؛ وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن أبي حمزة ، قال : ما سمعت بأحد من الناس كان أزهد من علي بن الحسين عليهما‌السلام إلا ما بلغني عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، قال أبو حمزة : كان علي بن الحسين عليهما‌السلام إذا تكلم في الزهد ووعظ أبكى من بحضرته ، قال أبو حمزة : وقرأت صحيفة فيها كلام زهد من كلام علي بن الحسين عليهما‌السلام ، وكتبت ما فيها ، ثم أتيت علي بن الحسين عليهما‌السلام ، فعرضت ما فيها عليه ، فعرفه وصححه ، وكان ما فيها : «بسم الله الرحمن الرحيم ، كفانا الله وإياكم كيد الظالمين ، وبغي الحاسدين ، وبطش الجبارين ؛ أيها المؤمنون ، لا يفتننكم الطواغيت وأتباعهم من أهل الرغبة في هذه الدنيا ، المائلون إليها ، المفتتنون بها ، المقبلون عليها وعلى حطامها الهامد ، وهشيمها البائد غدا ، واحذروا ما حذركم الله منها ، وازهدوا فيما زهدكم الله فيه منها ، ولا تركنوا إلى ما في هذه الدنيا ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان ، والله إن لكم مما فيها عليها دليلا وتنبيها من تصريف أيامها وتغير انقلابها ومثلاتها وتلاعبها بأهلها ، إنها لترفع الخميل ، وتضع الشريف ، وتورد أقواما إلى النار غدا ، ففي هذا معتبر ومختبر وزاجر لمنتبه ، إن الأمور الواردة عليكم في كل يوم وليلة ـ من مظلمات الفتن ، وحوادث البدع ، وسنن الجور ، وبوائق الزمان ، وهيبة السلطان ، ووسوسة الشيطان ـ لتثبط القلوب عن تنبهها ، وتذهلها عن موجود الهدى ومعرفة أهل الحق إلا قليلا ممن عصم الله ، فليس يعرف تصرف أيامها ، وتقلب حالاتها وعاقبة ضرر فتنتها إلا من عصم الله ، ونهج سبيل الرشد ، وسلك طريق القصد ، ثم استعان على ذلك بالزهد ، فكرر الفكر ، واتعظ بالصبر ، فازدجر وزهد في عاجل بهجة الدنيا ، وتجافى عن لذاتها ، ورغب في دائم نعيم الآخرة ، وسعى لها سعيها ، وراقب الموت ، وشنأ الحياة مع القوم الظالمين ، نظر إلى ما في الدنيا بعين نيرة حديدة النظر ، وأبصر حوادث الفتن وضلال البدع وجور الملوك الظلمة. فقد لعمري استدبرتم الأمور الماضية في الأيام الخالية من الفتن المتراكمة والانهماك فيما تستدلون به على تجنب الغواة وأهل البدع والبغي والفساد في الأرض بغير الحق ، فاستعينوا بالله ، وارجعوا إلى طاعة الله وطاعة من هو أولى بالطاعة ممن اتبع ، فأطيع. فالحذر الحذر من قبل الندامة والحسرة والقدوم على الله والوقوف بين يديه ، وتالله ما صدر قوم قط عن معصية الله إلا إلى عذابه ، وما آثر قوم قط الدنيا على الآخرة إلا ساء منقلبهم وساء مصيرهم ، وما العلم بالله والعمل إلا إلفان مؤتلفان ، فمن عرف الله خافه ، وحثه الخوف على العمل بطاعة الله ، وإن أرباب العلم وأتباعهم الذين عرفوا الله ، فعملوا له ورغبوا إليه ، وقد قال الله : (إنما يخشى الله من عباده العلماء) فلا تلتمسوا شيئا مما في هذه الدنيا بمعصية الله ، واشتغلوا في هذه الدنيا بطاعة الله ، واغتنموا أيامها ، واسعوا لما فيه نجاتكم غدا من عذاب الله ؛ فإن ذلك أقل للتبعة ، وأدنى من العذر ، وأرجى للنجاة ، وقدموا أمر الله وطاعة من أوجب الله طاعته بين يدي الأمور كلها ، ولا تقدموا الأمور الواردة عليكم من طاعة الطواغيت من زهرة الدنيا بين يدي الله وطاعته وطاعة أولي الأمر منكم واعلموا أنكم عبيد الله ونحن معكم ، يحكم علينا وعليكم سيد حاكم غدا وهو موقفكم ومسائلكم ، فأعدوا الجواب قبل الوقوف والمساءلة والعرض على رب العالمين ، يومئذ لاتكلم نفس إلا بإذنه. واعلموا أن الله لايصدق يومئذ كاذبا ، ولا يكذب صادقا ، ولا يرد عذر مستحق ، ولا يعذر غير معذور ، له الحجة على خلقه بالرسل والأوصياء بعد الرسل. فاتقوا الله عباد الله ، واستقبلوا من إصلاح أنفسكم وطاعة الله وطاعة من تولونه فيها ، لعل نادما قد ندم فيما فرط بالأمس في جنب الله ، وضيع من حقوق الله ، واستغفروا الله ، وتوبوا إليه ، فإنه يقبل التوبة ، ويعفو عن السيئة ، ويعلم ما تفعلون. وإياكم وصحبة العاصين ، ومعونة الظالمين ، ومجاورة الفاسقين ، احذروا فتنتهم ، وتباعدوا من ساحتهم. واعلموا أنه من خالف أولياء الله ، ودان بغير دين الله ، واستبد بأمره دون أمر ولي الله ، كان في نار تلتهب ، تأكل أبدانا قد غابت عنها أرواحها ، وغلبت عليها شقوتها ، فهم موتى لايجدون حر النار ، ولو كانوا أحياء لوجدوا مضض حر النار ، واعتبروا يا أولي الأبصار ، واحمدوا الله على ما هداكم. واعلموا أنكم لاتخرجون من قدرة الله إلى غير قدرته ، وسيرى الله عملكم ثم إليه تحشرون ؛ فانتفعوا بالعظة ، وتأدبوا بآداب الصالحين».


   Back to List