الكتاب | الباب | الرواة | المعصومين | متن الحديث | |
---|---|---|---|---|---|
كتاب الروضة | علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني ، عمن ذكره : عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى : (وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم) فقال : «هو رسول الله صلى الله عليه وآله». | Details | |||
كتاب الروضة | أحمد بن محمد بن أحمد الكوفي ، عن علي بن الحسن التيمي ، عن علي بن أسباط ، عن علي بن جعفر ، قال : حدثني معتب أو غيره ، قال : بعث عبد الله بن الحسن إلى أبي عبد الله عليه السلام : يقول لك أبو محمد : أنا أشجع منك ، وأنا أسخى منك ، وأنا أعلم منك. فقال لرسوله : «أما الشجاعة ، فو الله ما كان لك موقف يعرف فيه جبنك من شجاعتك ؛ وأما السخاء ، فهو الذي يأخذ الشيء من جهته ، فيضعه في حقه ؛ وأما العلم ، فقد أعتق أبوك علي بن أبي طالب عليه السلام ألف مملوك ، فسم لنا خمسة منهم وأنت عالم». فعاد إليه فأعلمه ، ثم عاد إليه ، فقال له : يقول لك : أنت رجل صحفي . فقال له أبو عبد الله عليه السلام : «قل له : إي والله ، صحف إبراهيم وموسى وعيسى ورثتها عن آبائي عليهمالسلام». | Details | |||
كتاب الروضة | محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ؛ وأبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار جميعا ، عن علي بن حديد ، عن جميل ، عن زرارة : عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سأله حمران ، فقال : جعلني الله فداك ، لو حدثتنا متى يكون هذا الأمر فسررنا به؟ فقال : «يا حمران ، إن لك أصدقاء وإخوانا ومعارف ، إن رجلا كان فيما مضى من العلماء ، وكان له ابن لم يكن يرغب في علم أبيه ، ولا يسأله عن شيء ، وكان له جار يأتيه ويسأله ويأخذ عنه ، فحضر الرجل الموت ، فدعا ابنه ، فقال : يا بني ، إنك قد كنت تزهد فيما عندي ، وتقل رغبتك فيه ، ولم تكن تسألني عن شيء ، ولي جار قد كان يأتيني ويسألني ويأخذ مني ويحفظ عني ، فإن احتجت إلى شيء فأته ، وعرفه جاره ، فهلك الرجل ، وبقي ابنه. فرأى ملك ذلك الزمان رؤيا ، فسأل عن الرجل ، فقيل له : قد هلك ، فقال الملك : هل ترك ولدا؟ فقيل له : نعم ، ترك ابنا ، فقال : ائتوني به ، فبعث إليه ليأتي الملك ، فقال الغلام : والله ، ما أدري لما يدعوني الملك وما عندي علم ، ولئن سألني عن شيء لأفتضحن ، فذكر ما كان أوصاه أبوه به ، فأتى الرجل الذي كان يأخذ العلم من أبيه ، فقال له : إن الملك قد بعث إلي يسألني ، ولست أدري فيم بعث إلي ، وقد كان أبي أمرني أن آتيك إن احتجت إلى شيء. فقال الرجل : ولكني أدري فيما بعث إليك ، فإن أخبرتك ، فما أخرج الله لك من شيء فهو بيني وبينك ، فقال : نعم ، فاستحلفه واستوثق منه أن يفي له ، فأوثق له الغلام. فقال : إنه يريد أن يسألك عن رؤيا رآها أي زمان هذا؟ فقل له : هذا زمان الذئب. فأتاه الغلام ، فقال له الملك : هل تدري لم أرسلت إليك؟ فقال : أرسلت إلي تريد أن تسألني عن رؤيا رأيتها أي زمان هذا؟ فقال له الملك : صدقت ، فأخبرني أي زمان هذا؟ فقال له : زمان الذئب ، فأمر له بجائزة ، فقبضها الغلام ، وانصرف إلى منزله ، وأبى أن يفي لصاحبه ، وقال : لعلي لا أنفد هذا المال ، ولا آكله حتى أهلك ، ولعلي لا أحتاج ، ولا أسأل عن مثل هذا الذي سئلت عنه ، فمكث ما شاء الله. ثم إن الملك رأى رؤيا ، فبعث إليه يدعوه ، فندم على ما صنع ، وقال : والله ما عندي علم آتيه به ، وما أدري كيف أصنع بصاحبي ، وقد غدرت به ولم أف له ، ثم قال : لآتينه على كل حال ، ولأعتذرن إليه ، ولأحلفن له ، فلعله يخبرني. فأتاه ، فقال له : إني قد صنعت الذي صنعت ، ولم أف لك بما كان بيني وبينك ، وتفرق ما كان في يدي وقد احتجت إليك ، فأنشدك الله أن لاتخذلني وأنا أوثق لك أن لايخرج لي شيء إلا كان بيني وبينك ، وقد بعث إلي الملك ، ولست أدري عما يسألني. فقال : إنه يريد أن يسألك عن رؤيا رآها أي زمان هذا؟ فقل له : إن هذا زمان الكبش. فأتى الملك ، فدخل عليه ، فقال : لما بعثت إليك ، فقال : إنك رأيت رؤيا ، وإنك تريد أن تسألني : أي زمان هذا؟ فقال له : صدقت ، فأخبرني أي زمان هذا؟ فقال : هذا زمان الكبش ، فأمر له بصلة ، فقبضها وانصرف إلى منزله ، وتدبر رأيه في أن يفي لصاحبه أو لايفي له ، فهم مرة أن يفعل ، ومرة أن لايفعل ، ثم قال : لعلي أن لا أحتاج إليه بعد هذه المرة أبدا ، وأجمع رأيه على الغدر وترك الوفاء ، فمكث ما شاء الله. ثم إن الملك رأى رؤيا ، فبعث إليه ، فندم على ما صنع فيما بينه وبين صاحبه ، وقال بعد غدر مرتين : كيف أصنع وليس عندي علم؟ ثم أجمع رأيه على إتيان الرجل ، فأتاه فناشده الله تبارك وتعالى ، وسأله أن يعلمه ، وأخبره أن هذه المرة يفي له ، وأوثق له ، وقال : لاتدعني على هذه الحال ، فإني لا أعود إلى الغدر ، وسأفي لك ، فاستوثق منه. فقال : إنه يدعوك يسألك عن رؤيا رآها أي زمان هذا؟ فإذا سألك ، فأخبره أنه زمان الميزان». قال : «فأتى الملك ، فدخل عليه ، فقال له : لم بعثت إليك؟ فقال : إنك رأيت رؤيا ، وتريد أن تسألني : أي زمان هذا؟ فقال : صدقت ، فأخبرني أي زمان هذا ؟ قال : هذا زمان الميزان ، فأمر له بصلة ، فقبضها ، وانطلق بها إلى الرجل ، فوضعها بين يديه ، وقال : قد جئتك بما خرج لي ، فقاسمنيه ، فقال له العالم : إن الزمان الأول كان زمان الذئب ، وإنك كنت من الذئاب ، وإن الزمان الثاني كان زمان الكبش ، يهم ولا يفعل ، وكذلك كنت أنت تهم ولا تفي ، وكان هذا زمان الميزان ، وكنت فيه على الوفاء ، فاقبض مالك ، لاحاجة لي فيه ، ورده عليه». | Details | |||
كتاب الروضة | علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن علي جميعا ، عن إسماعيل بن مهران ؛ وأحمد بن محمد بن أحمد ، عن علي بن الحسن التيمي ؛ وعلي بن الحسين ، عن أحمد بن محمد بن خالد جميعا ، عن إسماعيل بن مهران ، عن المنذر بن جيفر ، عن الحكم بن ظهير ، عن عبد الله بن جرير العبدي ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : أتى أمير المؤمنين عليه السلام عبد الله بن عمر وولد أبي بكر ، وسعد بن أبي وقاص يطلبون منه التفضيل لهم ، فصعد المنبر ومال الناس إليه ، فقال : «الحمد لله ولي الحمد ، ومنتهى الكرم ، لاتدركه الصفات ، ولا يحد باللغات ، ولا يعرف بالغايات ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، و أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله نبي الهدى ، وموضع التقوى ، ورسول الرب الأعلى ، جاء بالحق من عند الحق ، لينذر بالقرآن المبين ، والبرهان المستنير ، فصدع بالكتاب المبين ، ومضى على ما مضت عليه الرسل الأولون. أما بعد ، أيها الناس فلا يقولن رجال قد كانت الدنيا غمرتهم ، فاتخذوا العقار ، وفجروا الأنهار ، وركبوا أفره الدواب ، ولبسوا ألين الثياب ، فصار ذلك عليهم عارا وشنارا إن لم يغفر لهم الغفار ، إذا منعتهم ما كانوا فيه يخوضون ، وصيرتهم إلى ما يستوجبون ، فيفقدون ذلك فيسألون ويقولون : ظلمنا ابن أبي طالب ، وحرمنا ومنعنا حقوقنا ، فالله عليهم المستعان ؛ من استقبل قبلتنا ، وأكل ذبيحتنا ، وآمن بنبينا ، وشهد شهادتنا ، ودخل في ديننا ، أجرينا عليه حكم القرآن وحدود الإسلام. ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى ، ألا وإن للمتقين عند الله تعالى أفضل الثواب ، وأحسن الجزاء والمآب ، لم يجعل الله ـ تبارك وتعالى ـ الدنيا للمتقين ثوابا ، وما عند الله خير للأبرار ، انظروا أهل دين الله فيما أصبتم في كتاب الله ، وتركتم عند رسول الله صلى الله عليه وآله ، وجاهدتم به في ذات الله ، أبحسب ، أم بنسب ، أم بعمل ، أم بطاعة ، أم زهادة ، وفيما أصبحتم فيه راغبين ، فسارعوا إلى منازلكم ـ رحمكم الله ـ التي أمرتم بعمارتها ، العامرة التي لاتخرب ، الباقية التي لاتنفد ، التي دعاكم إليها ، وحضكم عليها ، ورغبكم فيها ، وجعل الثواب عنده عنها ، فاستتموا نعم الله ـ عز ذكره ـ بالتسليم لقضائه ، والشكر على نعمائه ، فمن لم يرض بهذا فليس منا ولا إلينا ، وإن الحاكم يحكم بحكم الله ، ولا خشية عليه من ذلك ، أولئك هم المفلحون». وفي نسخة : «ولا وحشة ، وأولئك لاخوف عليهم ولا هم يحزنون». وقال : «وقد عاتبتكم بدرتي التي أعاتب بها أهلي فلم تبالوا ، وضربتكم بسوطي الذي أقيم به حدود ربي فلم ترعووا ، أتريدون أن أضربكم بسيفي؟ أما إني أعلم الذي تريدون ، ويقيم أودكم ، ولكن لا أشتري صلاحكم بفساد نفسي ، بل يسلط الله عليكم قوما ، فينتقم لي منكم ، فلا دنيا استمتعتم بها ، ولا آخرة صرتم إليها ، فبعدا وسحقا لأصحاب السعير ». | Details | |||
كتاب الروضة | علي بن الحسين المؤدب ، عن أحمد بن محمد بن خالد ؛ وأحمد بن محمد ، عن علي بن الحسن التيمي جميعا ، عن إسماعيل بن مهران ، قال : حدثني عبد الله بن الحارث ، عن جابر : عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «خطب أمير المؤمنين عليه السلام الناس بصفين ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على محمد النبي صلى الله عليه وآله ، ثم قال : أما بعد ، فقد جعل الله تعالى لي عليكم حقا بولاية أمركم ومنزلتي التي أنزلني الله ـ عز ذكره ـ بها منكم ، ولكم علي من الحق مثل الذي لي عليكم ، والحق أجمل الأشياء في التواصف ، وأوسعها في التناصف ، لايجري لأحد إلا جرى عليه ، ولا يجري عليه إلا جرى له ، ولو كان لأحد أن يجري ذلك له ، ولايجري عليه ، لكان ذلك لله ـ عزوجل ـ خالصا دون خلقه ؛ لقدرته على عباده ، ولعدله في كل ما جرت عليه ضروب قضائه ، ولكن جعل حقه على العباد أن يطيعوه ، وجعل كفارتهم عليه بحسن الثواب ، تفضلا منه ، وتطولا بكرمه ، وتوسعا بما هو من المزيد له أهلا . ثم جعل من حقوقه حقوقا فرضها لبعض الناس على بعض ، فجعلها تتكافى في وجوهها ، ويوجب بعضها بعضا ، ولا يستوجب بعضها إلا ببعض ، فأعظم ما افترض الله ـ تبارك وتعالى ـ من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية ، وحق الرعية على الوالي ، فريضة فرضها الله ـ عزوجل ـ لكل على كل ، فجعلها نظام ألفتهم ، وعزا لدينهم ، وقواما لسير الحق فيهم ، فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة ، ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية. فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه ، وأدى إليها الوالي كذلك ، عز الحق بينهم ، فقامت مناهج الدين ، واعتدلت معالم العدل ، وجرت على أذلالها السنن ، فصلح بذلك الزمان ، وطاب به العيش ، وطمع في بقاء الدولة ، ويئست مطامع الأعداء. وإذا غلبت الرعية واليهم ، وعلا الوالي الرعية ، اختلفت هنالك الكلمة ، وظهرت مطامع الجور ، وكثر الإدغال في الدين ، وتركت معالم السنن ، فعمل بالهوى ، وعطلت الآثار ، وكثرت علل النفوس ، ولا يستوحش لجسيم حد عطل ، ولا لعظيم باطل أثل ، فهنالك تذل الأبرار ، وتعز الأشرار ، وتخرب البلاد ، وتعظم تبعات الله ـ عزوجل ـ عند العباد. فهلم أيها الناس إلى التعاون على طاعة الله ـ عزوجل ـ والقيام بعدله ، والوفاء بعهده ، والإنصاف له في جميع حقه ، فإنه ليس العباد إلى شيء أحوج منهم إلى التناصح في ذلك ، وحسن التعاون عليه ، وليس أحد ـ وإن اشتد على رضا الله حرصه ، وطال في العمل اجتهاده ـ ببالغ حقيقة ما أعطى الله من الحق أهله ، ولكن من واجب حقوق الله ـ عزوجل ـ على العباد النصيحة له بمبلغ جهدهم ، والتعاون على إقامة الحق فيهم . ثم ليس امرؤ ـ وإن عظمت في الحق منزلته ، وجسمت في الحق فضيلته ـ بمستغن عن أن يعان على ما حمله الله ـ عزوجل ـ من حقه ، ولا لامرى مع ذلك خسأت به الأمور واقتحمته العيون بدون ما أن يعين على ذلك ويعان عليه ، وأهل الفضيلة في الحال وأهل النعم العظام أكثر في ذلك حاجة ، وكل في الحاجة إلى الله ـ عزوجل ـ شرع سواء . فأجابه رجل من عسكره لايدرى من هو ، ويقال : إنه لم ير في عسكره قبل ذلك اليوم ولا بعده ، فقام وأحسن الثناء على الله ـ عزوجل ـ بما أبلاهم ، وأعطاهم من واجب حقه عليهم ، والإقرار بكل ما ذكر من تصرف الحالات به و بهم. ثم قال : أنت أميرنا ، ونحن رعيتك ، بك أخرجنا الله ـ عزوجل ـ من الذل ، وبإعزازك أطلق عباده من الغل ، فاختر علينا وأمض اختيارك ، وائتمر فأمض ائتمارك ، فإنك القائل المصدق ، والحاكم الموفق ، والملك المخول ، لانستحل في شيء معصيتك ، ولا نقيس علما بعلمك ، يعظم عندنا في ذلك خطرك ، ويجل عنه في أنفسنا فضلك. فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : إن من حق من عظم جلال الله في نفسه ، وجل موضعه من قلبه ، أن يصغر عنده ـ لعظم ذلك ـ كل ما سواه ، وإن أحق من كان كذلك لمن عظمت نعمة الله عليه ، ولطف إحسانه إليه ، فإنه لم تعظم نعمة الله على أحد إلا زاد حق الله عليه عظما ، وإن من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يظن بهم حب الفخر ، ويوضع أمرهم على الكبر ، وقد كرهت أن يكون جال في ظنكم أني أحب الإطراء واستماع الثناء ، ولست بحمد الله كذلك. ولو كنت أحب أن يقال ذلك لتركته انحطاطا لله سبحانه عن تناول ما هو أحق به من العظمة والكبرياء ، وربما استحلى الناس الثناء بعد البلاء ، فلا تثنوا علي بجميل ثناء ؛ لإخراجي نفسي إلى الله وإليكم من البقية في حقوق لم أفرغ من أدائها ، وفرائض لابد من إمضائها ، فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة ، ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة ، ولا تخالطوني بالمصانعة ، ولا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي ، ولا التماس إعظام لنفسي لما لا يصلح لي ؛ فإنه من استثقل الحق أن يقال له ، أو العدل أن يعرض عليه ، كان العمل بهما أثقل عليه ، فلاتكفوا عني مقالة بحق ، أو مشورة بعدل ، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ ، ولا آمن ذلك من فعلي ، إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني ، فإنما أنا وأنتم عبيد مملوكون لرب لارب غيره ، يملك منا ما لانملك من أنفسنا ، وأخرجنا مما كنا فيه إلى ما صلحنا عليه ، فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى ، وأعطانا البصيرة بعد العمى . فأجابه الرجل الذي أجابه من قبل ، فقال : أنت أهل ما قلت ، والله والله فوق ما قلته ، فبلاؤه عندنا ما لايكفر ، وقد حملك الله ـ تبارك وتعالى ـ رعايتنا ، وولاك سياسة أمورنا ، فأصبحت علمنا الذي نهتدي به ، وإمامنا الذي نقتدي به ، وأمرك كله رشد ، وقولك كله أدب ، قد قرت بك في الحياة أعيننا ، وامتلأت من سرور بك قلوبنا ، وتحيرت من صفة ما فيك من بارع الفضل عقولنا ، ولسنا نقول لك : أيها الإمام الصالح تزكية لك ، ولا نجاوز القصد في الثناء عليك ، ولن يكن في أنفسنا طعن على يقينك ، أو غش في دينك ، فنتخوف أن تكون أحدثت بنعمة الله ـ تبارك وتعالى ـ تجبرا ، أو دخلك كبر ، ولكنا نقول لك ما قلنا تقربا إلى الله ـ عزوجل ـ بتوقيرك ، وتوسعا بتفضيلك ، وشكرا بإعظام أمرك ، فانظر لنفسك ولنا ، وآثر أمر الله على نفسك وعلينا ، فنحن طوع فيما أمرتنا ، ننقاد من الأمور مع ذلك فيما ينفعنا. فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : وأنا أستشهدكم عند الله على نفسي ؛ لعلمكم فيما وليت به من أموركم ، وعما قليل يجمعني وإياكم الموقف بين يديه ، والسؤال عما كنا فيه ، ثم يشهد بعضنا على بعض ، فلا تشهدوا اليوم بخلاف ما أنتم شاهدون غدا ، فإن الله ـ عزوجل ـ لايخفى عليه خافية ، ولا يجوز عنده إلا مناصحة الصدور في جميع الأمور. فأجابه الرجل ، ويقال : لم ير الرجل بعد كلامه هذا لأمير المؤمنين عليه السلام ، فأجابه وقد عال الذي في صدره ، فقال والبكاء يقطع منطقه ، وغصص الشجا تكسر صوته إعظاما لخطر مرزئته ، ووحشة من كون فجيعته. فحمد الله وأثنى عليه ، ثم شكا إليه هول ما أشفى عليه من الخطر العظيم ، والذل الطويل في فساد زمانه ، وانقلاب حده ، وانقطاع ما كان من دولته ، ثم نصب المسألة إلى الله ـ عزوجل ـ بالامتنان عليه ، والمدافعة عنه بالتفجع ، وحسن الثناء ، فقال : يا رباني العباد ، ويا سكن البلاد ، أين يقع قولنا من فضلك؟ وأين يبلغ وصفنا من فعلك؟ وأنى نبلغ حقيقة حسن ثنائك ، أو نحصي جميل بلائك؟ فكيف وبك جرت نعم الله علينا ، وعلى يدك اتصلت أسباب الخير إلينا؟ ألم تكن لذل الذليل ملاذا ، وللعصاة الكفار إخوانا ؟ فبمن إلا بأهل بيتك وبك أخرجنا الله ـ عزوجل ـ من فظاعة تلك الخطرات؟ أو بمن فرج عنا غمرات الكربات ؟ و بمن إلا بكم أظهر الله معالم ديننا ، واستصلح ما كان فسد من دنيانا حتى استبان بعد الجور ذكرنا ، وقرت من رخاء العيش أعيننا ؛ لما وليتنا بالإحسان جهدك ، ووفيت لنا بجميع وعدك ، وقمت لنا على جميع عهدك ، فكنت شاهد من غاب منا ، وخلف أهل البيت لنا ، وكنت عز ضعفائنا ، وثمال فقرائنا ، وعماد عظمائنا ، يجمعنا في الأمور عدلك ، ويتسع لنا في الحق تأنيك ، فكنت لنا أنسا إذا رأيناك ، وسكنا إذا ذكرناك ، فأي الخيرات لم تفعل؟ وأي الصالحات لم تعمل؟ ولو لا أن الأمر الذي نخاف عليك منه يبلغ تحريكه جهدنا ، وتقوى لمدافعته طاقتنا ، أو يجوز الفداء عنك منه بأنفسنا ، وبمن نفديه بالنفوس من أبنائنا ، لقدمنا أنفسنا وأبناءنا قبلك ، ولأخطرناها وقل خطرها دونك ، ولقمنا بجهدنا في محاولة من حاولك ، وفي مدافعة من ناواك ، ولكنه سلطان لايحاول ، وعز لايزاول ، ورب لايغالب ، فإن يمنن علينا بعافيتك ، ويترحم علينا ببقائك ، ويتحنن علينا بتفريج هذا من حالك إلى سلامة منك لنا ، وبقاء منك بين أظهرنا ، نحدث لله ـ عزوجل ـ بذلك شكرا نعظمه ، وذكرا نديمه ، ونقسم أنصاف أموالنا صدقات ، وأنصاف رقيقنا عتقاء ، ونحدث له تواضعا في أنفسنا ، ونخشع في جميع أمورنا ، وإن يمض بك إلى الجنان ، ويجري عليك حتم سبيله ، فغير متهم فيك قضاؤه ، ولا مدفوع عنك بلاؤه ، ولا مختلفة مع ذلك قلوبنا بأن اختياره لك ما عنده على ما كنت فيه ، ولكنا نبكي من غير إثم لعز هذا السلطان أن يعود ذليلا ، وللدين والدنيا أكيلا ، فلا نرى لك خلفا نشكو إليه ، ولا نظيرا نأمله ولا نقيمه ». خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام | Details |