الكتاب | الباب | الرواة | المعصومين | متن الحديث | |
---|---|---|---|---|---|
كتاب الحجة | باب كراهية التوقيت | علي بن محمد ومحمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ؛ ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى جميعا ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثمالي ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : « يا ثابت ، إن الله - تبارك وتعالى - قد كان وقت هذا الأمر في السبعين ، فلما أن قتل الحسين - صلوات الله عليه - اشتد غضب الله تعالى على أهل الأرض ، فأخره إلى أربعين ومائة ، فحدثناكم فأذعتم الحديث فكشفتم قناع الستر ، ولم يجعل الله له بعد ذلك وقتا عندنا ، و ( يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) ».قال أبو حمزة : فحدثت بذلك أبا عبد الله عليه السلام ، فقال : « قد كان كذلك ». | Details | ||
كتاب الحجة | باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة | وبهذا الإسناد ، عن عبد الله بن إبراهيم الجعفري ، قال : كتب يحيى بن عبد الله بن الحسن إلى موسى بن جعفر عليهماالسلام : أما بعد ، فإني أوصي نفسي بتقوى الله ، وبها أوصيك ؛ فإنها وصية الله في الأولين ، و وصيته في الآخرين ، خبرني من ورد علي من أعوان الله على دينه ونشر طاعته بما كان من تحننك مع خذلانك ، و قد شاورت في الدعوة للرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله وقداحتجبتها واحتجبها أبوك من قبلك ، وقديما ادعيتم ما ليس لكم ، وبسطتم آمالكم إلى ما لم يعطكم الله ، فاستهويتم و أضللتم ، وأنا محذرك ما حذرك الله من نفسه. فكتب إليه أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : « من موسى بن عبد الله جعفر وعلي مشتركين في التذلل لله وطاعته ، إلى يحيى بن عبد الله بن حسن : أما بعد ، فإني أحذرك الله ونفسي ، وأعلمك أليم عذابه وشديد عقابه وتكامل نقماته ، وأوصيك ونفسي بتقوى الله ؛ فإنها زين الكلام وتثبيت النعم ، أتاني كتابك تذكر فيه أني مدع وأبي من قبل ، وما سمعت ذلك مني و ( ستكتب شهادتهم ويسألون ) ولم يدع حرص الدنيا ومطالبها لأهلها مطلبا لآخرتهم حتى يفسد عليهم مطلب آخرتهم في دنياهم ، وذكرت أني ثبطت الناس عنك لرغبتي فيما في يديك ، وما منعني من مدخلك الذي أنت فيه - لو كنت راغبا - ضعف عن سنة ، ولا قلة بصيرة بحجة ، ولكن الله - تبارك وتعالى - خلق الناس أمشاجا وغرائب وغرائز ، فأخبرني عن حرفين أسألك عنهما : ما العترف في بدنك؟ وما الصهلج في الإنسان؟ ثم اكتب إلي بخبر ذلك ، وأنا متقدم إليك ، أحذرك معصية الخليفة ، وأحثك على بره وطاعته ، وأن تطلب لنفسك أمانا قبل أن تأخذك الأظفار ، ويلزمك الخناق من كل مكان ؛ فتروح إلى النفس من كل مكان ولاتجده حتى يمن الله عليك بمنه وفضله و رقة الخليفة - أبقاه الله - فيؤمنك ويرحمك ، ويحفظ فيك أرحام رسول الله صلى الله عليه وآله ( والسلام على من اتبع الهدى . إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى ) ». قال الجعفري : فبلغني أن كتاب موسى بن جعفر عليه السلام وقع في يدي هارون ، فلما قرأه ، قال : الناس يحملوني على موسى بن جعفر ، و هو بريء مما يرمى به. تم الجزء الثاني ، من كتاب الكافي ، ويتلوه - بمشيئة الله وعونه - الجزء الثالث ، وهو باب كراهية التوقيت. والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله أجمعين. بسم الله الرحمن الرحيم | Details | ||
كتاب الحجة | باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة | وبهذا الإسناد ، عن عبد الله بن جعفر بن إبراهيم الجعفري ، قال : حدثنا عبد الله بن المفضل : مولى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، قال : لما خرج الحسين بن علي المقتول بفخ ، واحتوى علي المدينة ، دعا موسى بن جعفر عليه السلام إلى البيعة ، فأتاه ، فقال له : « يا ابن عم ، لاتكلفني ما كلف ابن عمك عمك أبا عبد الله ، فيخرج مني ما لا أريد ، كما خرج من أبي عبد الله ما لم يكن يريد ». فقال له الحسين : إنما عرضت عليك أمرا ، فإن أردته دخلت فيه ، وإن كرهته لم أحملك عليه ، والله المستعان. ثم ودعه ، فقال له أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام حين ودعه : « يا ابن عم ، إنك مقتول ، فأجد الضراب ؛ فإن القوم فساق يظهرون إيمانا ، ويسرون شركا ، و ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) أحتسبكم عند الله من عصبة ». ثم خرج الحسين ، وكان من أمره ما كان ، قتلوا كلهم كما قال عليه السلام. | Details | ||
كتاب الحجة | باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة | بعض أصحابنا ، عن محمد بن حسان ، عن موسى بن زنجويه ، عن عبد الله بن الحكم الأرمني ، عن عبد الله بن إبراهيم بن محمد الجعفري ، قال : أتينا خديجة - بنت عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام - نعزيها بابن بنتها ، فوجدنا عندها موسى بن عبد الله بن الحسن ، فإذا هي في ناحية قريبا من النساء ، فعزيناهم ، ثم أقبلنا عليه ، فإذا هو يقول لابنة أبي يشكر الراثية : قولي ، فقالت : |||اعدد رسول الله واعدد بعده ... أسد الإله وثالثا عباسا|||واعدد علي الخير واعدد جعفرا ... واعدد عقيلا بعده الرواسا ||| فقال : أحسنت وأطربتني ، زيديني ، فاندفعت تقول : |||ومنا إمام المتقين محمد ... وحمزة منا والمهذب جعفر ||| ومنا علي صهره وابن عمه ... وفارسه ذاك الإمام المطهر |||| فأقمنا عندها حتى كاد الليل أن يجيء. ثم قالت خديجة : سمعت عمي محمد بن علي - صلوات الله عليه - وهو يقول : « إنما تحتاج المرأة في المأتم إلى النوح لتسيل دمعتها ، ولاينبغي لها أن تقول هجرا ، فإذا جاء الليل ، فلا تؤذي الملائكة بالنوح ». ثم خرجنا ، فغدونا إليها غدوة ، فتذاكرنا عندها اختزال منزلها من دار أبي عبد الله جعفر بن محمد ، فقال : هذه دار تسمى . دار السرقة ، فقالت : هذا ما اصطفى مهدينا - تعني محمد بن عبد الله بن الحسن تمازحه بذلك - فقال موسى بن عبد الله : والله ، لأخبرنكم بالعجب : رأيت أبي - رحمه الله - لما أخذ في أمر محمد بن عبد الله ، وأجمع على لقاء أصحابه ، فقال : لا أجد هذا الأمر يستقيم إلا أن ألقى أبا عبد الله جعفر بن محمد ، فانطلق - وهو متك علي - فانطلقت معه حتى أتينا أبا عبد الله عليه السلام ، فلقيناه خارجا يريد المسجد ، فاستوقفه أبي وكلمه ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : « ليس هذا موضع ذلك ، نلتقي إن شاء الله » فرجع أبي مسرورا. ثم أقام حتى إذا كان الغد أو بعده بيوم ، انطلقنا حتى أتيناه ، فدخل عليه أبي وأنا معه ، فابتدأ الكلام ، ثم قال له فيما يقول : قد علمت - جعلت فداك - أن السن لي عليك ، وأن في قومك من هو أسن منك ، ولكن الله - عز وجل - قد قدم لك فضلا ليس هو لأحد من قومك ، وقد جئتك معتمدا لما أعلم من برك ، وأعلم - فديتك - أنك إذا أجبتني لم يتخلف عني أحد من أصحابك ، ولم يختلف علي اثنان من قريش ولاغيرهم. فقال له أبو عبد الله عليه السلام : « إنك تجد غيري أطوع لك مني ، ولاحاجة لك في ؛ فو الله ، إنك لتعلم أني أريد البادية أو أهم بها ، فأثقل عنها ، وأريد الحج فما أدركه إلا بعد كد وتعب ومشقة على نفسي ؛ فاطلب غيري ، وسله ذلك ، ولاتعلمهم أنك جئتني ». فقال له : إن الناس مادون أعناقهم إليك ، وإن أجبتني لم يتخلف عني أحد ، ولك أن لاتكلف قتالا ولامكروها. قال : وهجم علينا ناس فدخلوا ، وقطعوا كلامنا ، فقال أبي : جعلت فداك ، ما تقول؟ فقال : « نلتقي إن شاء الله ». فقال : أليس على ما أحب؟ فقال : « على ما تحب - إن شاء الله - من إصلاحك ». ثم انصرف حتى جاء البيت ، فبعث رسولا إلى محمد في جبل بجهينة - يقال له : الأشقر - على ليلتين من المدينة ، فبشره ، وأعلمه أنه قد ظفر له بوجه حاجته وما طلب. ثم عاد بعد ثلاثة أيام ، فوقفنا بالباب - ولم نكن نحجب إذا جئنا - فأبطأ الرسول ، ثم أذن لنا ، فدخلنا عليه ، فجلست في ناحية الحجرة ، ودنا أبي إليه ، فقبل رأسه ، ثم قال : جعلت فداك ، قد عدت إليك راجيا ، مؤملا ، قد انبسط رجائي وأملي ، ورجوت الدرك لحاجتي. فقال له أبو عبد الله عليه السلام : « يا ابن عم ، إني أعيذك بالله من التعرض لهذا الأمر الذي أمسيت فيه ، وإني لخائف عليك أن يكسبك شرا ». فجرى الكلام بينهما حتى أفضى إلى ما لم يكن يريد ، وكان من قوله : بأي شيء كان الحسين أحق بها من الحسن؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام : « رحم الله الحسن ورحم الحسين عليهماالسلام ، وكيف ذكرت هذا؟! » قال : لأن الحسين عليه السلام كان ينبغي له - إذا عدل - أن يجعلها في الأسن من ولد الحسن عليه السلام. فقال أبو عبد الله عليه السلام : « إن الله - تبارك وتعالى - لما أن أوحى إلى محمد صلى الله عليه وآله ، أوحى إليه بما شاء ، ولم يؤامر أحدا من خلقه ، وأمر محمد صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام بما شاء ، ففعل ما أمر به ، ولسنا نقول فيه إلا ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله من تبجيله وتصديقه ، فلو كان أمر الحسين عليه السلام أن يصيرها في الأسن ، أو ينقلها في ولدهما - يعني الوصية - لفعل ذلك الحسين عليه السلام ، وما هو بالمتهم عندنا في الذخيرة لنفسه ، ولقد ولى وترك ذلك ، ولكنه مضى لما أمر به ، وهو جدك وعمك ؛ فإن قلت خيرا ،فما أولاك به ، وإن قلت هجرا ، فيغفر الله لك ، أطعني يا ابن عم ، واسمع كلامي ، فو الله - الذي لا إله إلا هو - لا آلوك نصحا وحرصا ، فكيف ولا أراك تفعل ، وما لأمر الله من مرد ». فسر أبي عند ذلك ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : « والله ، إنك لتعلم أنه الأحول الأكشف ، الأخضر المقتول بسدة أشجع عند بطن مسيلها ». فقال أبي : ليس هو ذلك ، والله ، ليحاربن باليوم يوما ، وبالساعة ساعة ، وبالسنة سنة ، وليقومن بثأر بني أبي طالب جميعا.فقال له أبو عبد الله عليه السلام : « يغفر الله لك ، ما أخوفني أن يكون هذا البيت يلحق صاحبنا : ||||[ . ] ... منتك نفسك في الخلاء ضلالا |||| لا والله ، لايملك أكثر من حيطان المدينة ، ولايبلغ عمله الطائف إذا أحفل - يعني إذا أجهد نفسه - وما للأمر من بد أن يقع ، فاتق الله ، وارحم نفسك وبني أبيك ؛ فو الله ، إني لأراه أشأم سلحة أخرجتها أصلاب الرجال إلى أرحام النساء ؛ والله ، إنه المقتول بسدة أشجع بين دورها ؛ والله ، لكأني به صريعا ، مسلوبا بزته ، بين رجليه لبنة ، ولاينفع هذا الغلام ما يسمع - قال موسى بن عبد الله : يعنيني - وليخرجن معه فيهزم ويقتل صاحبه ، ثم يمضي ، فيخرج معه راية أخرى ، فيقتل كبشها ، ويتفرق جيشها ، فإن أطاعني ، فليطلب الأمان عند ذلك من بني العباس حتى يأتيه الله بالفرج. ولقد علمت بأن هذا الأمر لايتم ، وإنك لتعلم ونعلم أن ابنك الأحول الأخضر الأكشف المقتول بسدة أشجع بين دورها عند بطن مسيلها ». فقام أبي وهو يقول : بل يغني الله عنك ؛ ولتعودن ، أو ليقي الله بك وبغيرك ، وما أردت بهذا إلا امتناع غيرك ، وأن تكون ذريعتهم إلى ذلك فقال أبو عبد الله عليه السلام : « الله يعلم ما أريد إلا نصحك ورشدك ، وما علي إلا الجهد ». فقام أبي يجر ثوبه مغضبا ، فلحقه أبو عبد الله عليه السلام ، فقال له : « أخبرك أني سمعت عمك - وهو خالك - يذكر أنك وبني أبيك ستقتلون ، فإن أطعتني ورأيت أن تدفع بالتي هي أحسن ، فافعل ؛ فو الله - الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة ، الرحمن الرحيم ، الكبير المتعال على خلقه - لوددت أني فديتك بولدي ، وبأحبهم إلي ، وبأحب أهل بيتي إلي ، وما يعدلك عندي شيء ، فلا ترى أني غششتك ». فخرج أبي من عنده مغضبا أسفا . قال : فما أقمنا بعد ذلك إلا قليلا - عشرين ليلة أو نحوها - حتى قدمت رسل أبي جعفر ، فأخذوا أبي وعمومتي : سليمان بن حسن ، وحسن بن حسن ، وإبراهيم بن حسن ، وداود بن حسن ، وعلي بن حسن ، وسليمان بن داود بن حسن ، وعلي بن إبراهيم بن حسن ، وحسن بن جعفر بن حسن ، وطباطبا إبراهيم بن إسماعيل بن حسن ، وعبد الله بن داود. قال : فصفدوا في الحديد ، ثم حملوا في محامل أعراء لاوطاء فيها ، وو قفوا بالمصلى لكي يشتمهم الناس. قال : فكف الناس عنهم ، ورقوا لهم للحال التي هم فيها ، ثم انطلقوا بهم حتى وقفوا عند باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله. قال عبد الله بن إبراهيم الجعفري : فحدثتنا خديجة بنت عمر بن علي : أنهم لما أوقفوا عند باب المسجد - الباب الذي يقال له : باب جبرئيل - أطلع عليهم أبو عبد الله عليه السلام - وعامة ردائه مطروح بالأرض - ثم أطلع من باب المسجد ، فقال : « لعنكم الله يا معاشر الأنصار - ثلاثا - ما على هذا عاهدتم رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولا بايعتموه ، أما والله إن كنت حريصا ، ولكني غلبت ، وليس للقضاء مدفع ». ثم قام وأخذ إحدى نعليه ، فأدخلها رجله ، والأخرى في يده ، وعامة ردائه يجره في الأرض ، ثم دخل بيته ، فحم عشرين ليلة لم يزل يبكي فيها الليل والنهار حتى خفنا عليه. فهذا حديث خديجة. . قال الجعفري : وحدثنا موسى بن عبد الله بن الحسن : أنه لما طلع بالقوم في المحامل ، قام أبو عبد الله عليه السلام من المسجد ، ثم أهوى إلى المحمل الذي فيه عبد الله بن الحسن يريد كلامه ، فمنع أشد المنع ، وأهوى إليه الحرسي ، فدفعه ، وقال : تنح عن هذا ؛ فإن الله سيكفيك ويكفي غيرك ، ثم دخل بهم الزقاق ، ورجع أبو عبد الله عليه السلام إلى منزله ، فلم يبلغ بهم البقيع حتى ابتلي الحرسي بلاء شديدا ، رمحته ناقته ، فدقت وركه ، فمات فيها ، ومضي بالقوم . فأقمنا بعد ذلك حينا ، ثم أتي محمد بن عبد الله بن حسن ، فأخبر أن أباه وعمومته قتلوا - قتلهم أبو جعفر - إلا حسن بن جعفر وطباطبا وعلي بن إبراهيم وسليمان بن داود وداود بن حسن وعبد الله بن داود. قال : فظهر محمد بن عبد الله عند ذلك ، ودعا الناس لبيعته. قال : فكنت ثالث ثلاثة بايعوه ، واستوثق الناس لبيعته ، ولم يختلف عليه قرشي ولا أنصاري ولاعربي. قال : وشاور عيسى بن زيد - وكان من ثقاته وكان على شرطه (14) - فشاوره في البعثة إلى وجوه قومه ، فقال له عيسى بن زيد : إن دعوتهم دعاء يسيرا ، لم يجيبوك ، أو تغلظ عليهم ، فخلني وإياهم ، فقال له محمد : امض إلى من أردت منهم ، فقال : ابعث إلى رئيسهم وكبيرهم - يعني أبا عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام - فإنك إذا أغلظت عليه ، علموا جميعا أنك ستمرهم على الطريق التي أمررت عليها أبا عبد الله عليه السلام. قال : فو الله ، ما لبثنا أن أتي بأبي عبد الله عليه السلام حتى أوقف بين يديه ، فقال له عيسى بن زيد : أسلم ؛ تسلم. فقال له أبو عبد الله عليه السلام : « أحدثت نبوة بعد محمد صلى الله عليه وآله؟ ». فقال له محمد : لا ، ولكن بايع ؛ تأمن على نفسك ومالك و ولدك ، ولاتكلفن حربا. فقال له أبو عبد الله عليه السلام : « ما في حرب ولاقتال ، ولقد تقدمت إلى أبيك ، وحذرته الذي حاق به ، ولكن لاينفع حذر من قدر ، يا ابن أخي ، عليك بالشباب ، ودع عنك الشيوخ ». فقال له محمد : ما أقرب ما بيني وبينك في السن! فقال له أبو عبد الله عليه السلام : « إني لم أعازك ، ولم أجئ لأتقدم عليك في الذي أنت فيه ». فقال له محمد : لاو الله ، لابد من أن تبايع . فقال له أبو عبد الله عليه السلام : « ما في يا ابن أخي طلب ولاحرب ، وإني لأريد الخروج إلى البادية ، فيصدني ذلك ، ويثقل علي حتى تكلمني في ذلك الأهل غير مرة ، ولايمنعني منه إلا الضعف ، والله والرحم أن تدبر عنا ، ونشقى بك ».فقال له : يا أبا عبد الله ، قد والله مات أبو الدوانيق يعني أبا جعفر . فقال له أبو عبد الله عليه السلام : « وما تصنع بي وقد مات؟ ». قال : أريد الجمال بك. قال : « ما إلى ما تريد سبيل ، لاو الله ، ما مات أبو الدوانيق إلا أن يكون مات موت النوم ». قال : والله ، لتبايعني طائعا أو مكرها ، ولاتحمد في بيعتك ، فأبى عليه إباء شديدا ، وأمر به إلى الحبس. فقال له عيسى بن زيد : أما إن طرحناه في السجن - وقد خرب السجن ، وليس عليه اليوم غلق - خفنا أن يهرب منه ، فضحك أبو عبد الله عليه السلام ، ثم قال : « لا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم ، أوتراك تسجنني؟ ». قال : نعم ، والذي أكرم محمدا صلى الله عليه وآله بالنبوة لأسجننك ، ولأشددن عليك ، فقال عيسى بن زيد : احبسوه في المخبا - وذلك دار ريطة اليوم - فقال له أبو عبد الله عليه السلام : « أما والله إني سأقول ، ثم أصدق ». فقال له عيسى بن زيد : لو تكلمت لكسرت فمك. فقال له أبو عبد الله عليه السلام : « أما والله يا أكشف يا أزرق ، لكأني بك تطلب لنفسك جحرا تدخل فيه ، وما أنت في المذكورين عند اللقاء (14) ، وإني لأظنك - إذا صفق (15) خلفك - طرت مثل الهيق (16) النافر ». فنفر . عليه محمد بانتهار : احبسه ، و شدد عليه ، واغلظ عليه. فقال له أبو عبد الله عليه السلام : « أما والله لكأني بك خارجا من سدة أشجع إلى بطن الوادي ، وقد حمل عليك فارس معلم ، في يده طرادة ، نصفها أبيض ، ونصفها أسود ، على فرس كميت أقرح ، فطعنك ، فلم يصنع فيك شيئا ، وضربت خيشوم فرسه ، فطرحته ، وحمل عليك آخر خارج من زقاق آل أبي عمار الدؤليين ، عليه غديرتان مضفورتان ، و قد خرجتا من تحت بيضته كثير شعر الشاربين ، فهو والله صاحبك ، فلا رحم الله رمته ». فقال له محمد : يا أبا عبد الله ، حسبت فأخطأت. وقام إليه السراقي بن سلخ الحوت ، فدفع في ظهره حتى أدخل السجن ، واصطفي ما كان له من مال ، وما كان لقومه ممن لم يخرج مع محمد.قال : فطلع بإسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وهو شيخ كبير ضعيف ، قد ذهبت إحدى عينيه ، وذهبت رجلاه وهو يحمل حملا ، فدعاه إلى البيعة ، فقال له : يا ابن أخي ، إني شيخ كبير ضعيف ، وأنا إلى برك وعونك أحوج. فقال له : لابد من أن تبايع. فقال له : وأي شيء تنتفع ببيعتي ؛ والله ، إني لأضيق عليك مكان اسم رجل إن كتبته. قال : لابد لك أن تفعل. وأغلظ له في القول. فقال له إسماعيل : ادع لي جعفر بن محمد ، فلعلنا نبايع جميعا. قال : فدعا جعفرا عليه السلام ، فقال له إسماعيل : جعلت فداك ، إن رأيت أن تبين له فافعل ، لعل الله يكفه عنا. قال : « قد أجمعت ألا أكلمه ، فلير في رأيه ! ». فقال إسماعيل لأبي عبد الله عليه السلام : أنشدك الله هل تذكر يوما أتيت أباك محمد بن علي عليهماالسلام وعلي حلتان صفراوان ، فأدام (14) النظر إلي ، فبكى (15) ، فقلت له : ما يبكيك؟ فقال لي : « يبكيني أنك تقتل عند كبر سنك ضياعا ، لاينتطح في دمك عنزان ». قال : فقلت : متى ذاك؟ قال : « إذا دعيت إلى الباطل فأبيته ؛ وإذا نظرت إلى الأحول مشوم قومه ينتمي من آل الحسن على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله يدعو إلى نفسه قد تسمى بغير اسمه ، فأحدث عهدك ، واكتب وصيتك ؛ فإنك مقتول في يومك أو من غد »!؟ فقال له أبو عبد الله عليه السلام : « نعم ، و هذا - ورب الكعبة - لايصوم من شهر رمضان إلا أقله ، فأستودعك الله يا أبا الحسن ، وأعظم الله أجرنا فيك ، وأحسن الخلافة على من خلفت ، و ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) ». قال : ثم احتمل إسماعيل ، ورد جعفر إلى الحبس. قال : فو الله ، ما أمسينا حتى دخل عليه بنو أخيه : بنو معاوية بن عبد الله بن جعفر ، فتوطؤوه حتى قتلوه ، وبعث محمد بن عبد الله إلى جعفر ، فخلى سبيله. قال : وأقمنا بعد ذلك حتى استهللنا شهر رمضان ، فبلغنا خروج عيسى بن موسى يريد المدينة. قال : فتقدم محمد بن عبد الله على مقدمته يزيد بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ، وكان على مقدمة عيسى بن موسى : ولد الحسن بن زيد بن الحسن بن الحسن ، وقاسم ، ومحمد بن زيد ، وعلي وإبراهيم بنو الحسن بن زيد ، فهزم يزيد بن معاوية ، وقدم عيسى بن موسى المدينة ، وصار القتال بالمدينة ، فنزل بذباب ، ودخلت علينا المسودة من خلفنا ، وخرج محمد في أصحابه حتى بلغ السوق ، فأوصلهم ، ومضى ، ثم تبعهم حتى انتهى إلى مسجد الخوامين ، فنظر إلى ما هناك فضاء ليس فيه مسود ولامبيض ، فاستقدم حتى انتهى إلى شعب فزارة ، ثم دخل هذيل ، ثم مضى إلى أشجع ، فخرج إليه الفارس - الذي قال أبو عبد الله عليه السلام - من خلفه من سكة هذيل ، فطعنه ، فلم يصنع فيه شيئا ، وحمل على الفارس ، فضرب خيشوم فرسه بالسيف ، فطعنه الفارس ، فأنفذه في الدرع ، وانثنى عليه محمد ، فضربه ، فأثخنه ، وخرج عليه حميد بن قحطبة - وهو مدبر على الفارس (14) يضربه (15) - من زقاق العماريين (16) ، فطعنه طعنة أنفذ السنان فيه ، فكسر الرمح ، وحمل على حميد ، فطعنه حميد بزج (17) الرمح ، فصرعه ، ثم نزل إليه (18) ، فضربه حتى أثخنه وقتله ، وأخذ رأسه ، ودخل الجند من كل جانب ، وأخذت (19) المدينة ، وأجلينا هربا في البلاد . قال موسى بن عبد الله : فانطلقت حتى لحقت بإبراهيم بن عبد الله ، فوجدت عيسى بن زيد مكمنا عنده ، فأخبرته بسوء تدبيره ، وخرجنا معه حتى أصيب - رحمه الله - ثم مضيت مع ابن أخي الأشتر : عبد الله بن محمد بن عبد الله بن حسن حتى أصيب بالسند ، ثم رجعت شريدا طريدا تضيق علي البلاد. فلما ضاقت علي الأرض ، واشتد بي الخوف ، ذكرت ما قال أبو عبد الله عليه السلام ، فجئت إلى المهدي - وقد حج وهو يخطب الناس في ظل الكعبة ، فما شعر إلا وأني قد قمت من تحت المنبر - فقلت : لي الأمان يا أمير المؤمنين ، وأدلك على نصيحة لك عندي؟ فقال : نعم ، ما هي؟ قلت : أدلك على موسى بن عبد الله بن حسن (14) ، فقال لي (15) : نعم ، لك الأمان ، فقلت له : أعطني ما أثق به ، فأخذت منه عهودا ومواثيق ، و وثقت لنفسي ، ثم قلت : أنا موسى بن عبد الله ، فقال لي : إذا تكرم وتحبى ، فقلت له : أقطعني إلى بعض أهل بيتك يقوم بأمري عندك ، فقال لي : انظر إلى من أردت ، فقلت : عمك العباس بن محمد ، فقال العباس : لاحاجة لي فيك ، فقلت : ولكن لي فيك الحاجة ، أسألك بحق أمير المؤمنين إلا قبلتني ، فقبلني شاء أو أبى. و قال لي المهدي : من يعرفك؟ - وحوله أصحابنا أو أكثرهم - فقلت : هذا الحسن بن زيد يعرفني ، وهذا موسى بن جعفر يعرفني ، وهذا الحسن بن عبد الله بن العباس يعرفني ، فقالوا : نعم ، يا أمير المؤمنين ، كأنه لم يغب عنا. ثم قلت للمهدي : يا أمير المؤمنين ، لقد أخبرني بهذا المقام أبو هذا الرجل - وأشرت إلى موسى بن جعفر عليه السلام - قال موسى بن عبد الله : وكذبت على جعفر كذبة ، فقلت له : وأمرني أن أقرئك السلام ، وقال : إنه إمام عدل وسخاء . قال فأمر لموسى بن جعفر بخمسة آلاف دينار ، فأمر لي منها موسى (14) بألفي (15) دينار ، و وصل عامة أصحابه و وصلني ، فأحسن صلتي ، فحيث ما ذكر ولد محمد بن علي بن الحسين ، فقولوا : صلى الله عليهم و ملائكته وحملة عرشه والكرام الكاتبون ، وخصوا أبا عبد الله بأطيب ذلك ، و جزى موسى بن جعفر عني خيرا ، فأنا والله مولاهم بعد الله. | Details | ||
كتاب الحجة | باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة | محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن الحسين بن الجارود ، عن موسى بن بكر بن داب ، عمن حدثه : عن أبي جعفر عليه السلام : أن زيد بن علي بن الحسين دخل على أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام ، ومعه كتب من أهل الكوفة يدعونه فيها إلى أنفسهم ، ويخبرونه باجتماعهم ، ويأمرونه بالخروج. فقال له أبو جعفر عليه السلام : « هذه الكتب ابتداء منهم ، أو جواب ما كتبت به إليهم ودعوتهم إليه؟ » فقال : بل ابتداء من القوم ؛ لمعرفتهم بحقنا وبقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولما يجدون في كتاب الله - عز وجل - من وجوب مودتنا وفرض طاعتنا ، ولما نحن فيه من الضيق والضنك والبلاء . فقال له أبو جعفر عليه السلام : « إن الطاعة مفروضة من الله - عز وجل - وسنة أمضاها في الأولين ، وكذلك يجريها في الآخرين ، والطاعة لواحد منا ، والمودة للجميع ، وأمر الله يجري لأوليائه بحكم موصول ، وقضاء مفصول ، وحتم مقضي ، وقدر مقدور ، وأجل مسمى لوقت معلوم ، فلا يستخفنك الذين لايوقنون ، إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا ، فلا تعجل ؛ فإن الله لايعجل لعجلة العباد ، ولاتسبقن الله ؛ فتعجزك البلية فتصرعك ». قال : فغضب زيد عند ذلك ، ثم قال : ليس الإمام منا من جلس في بيته ، وأرخى ستره ، وثبط عن الجهاد ، ولكن الإمام منا من منع حوزته ، وجاهد في سبيل الله حق جهاده ، ودفع عن رعيته ، وذب عن حريمه. قال أبو جعفر عليه السلام : « هل تعرف يا أخي من نفسك شيئا مما نسبتها إليه ؛ فتجيء عليه بشاهد من كتاب الله ، أو حجة من رسول الله صلى الله عليه وآله ، أو تضرب به مثلا؟ فإن الله - عز وجل - أحل حلالا ، وحرم حراما ، وفرض فرائض ، وضرب أمثالا ، وسن سننا ، ولم يجعل الإمام القائم بأمره في شبهة فيما فرض له من الطاعة أن يسبقه بأمر قبل محله ، أو يجاهد فيه قبل حلوله ؛ وقد قال الله - عز وجل - في الصيد : ( لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ) أفقتل الصيد أعظم ، أم قتل النفس التي حرم الله؟ وجعل لكل شيء محلا ، وقال عز وجل : ( وإذا حللتم فاصطادوا ) وقال عز وجل : ( لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ) فجعل الشهور عدة معلومة ، فجعل منها أربعة حرما ، وقال : ( فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله ) ثم قال تبارك وتعالى : ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) فجعل لذلك محلا ، وقال : ( ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله ) فجعل لكل شيء محلا ، ولكل أجل كتابا. فإن كنت على بينة من ربك ، ويقين من أمرك ، وتبيان من شأنك ، فشأنك ، وإلا فلا ترومن أمرا أنت منه في شك وشبهة ، ولاتتعاط زوال ملك لم ينقض أكله ، ولم ينقطع مداه ، ولم يبلغ الكتاب أجله ، فلو قد بلغ مداه ، وانقطع أكله ، وبلغ الكتاب أجله ، لانقطع الفصل ، وتتابع النظام ، ولأعقب الله في التابع والمتبوع الذل والصغار. أعوذ بالله من إمام ضل عن وقته ، فكان التابع فيه أعلم من المتبوع ، أتريد يا أخي أن تحيي ملة قوم قد كفروا بآيات الله ، وعصوا رسوله ، واتبعوا أهواءهم بغير هدى من الله ، وادعوا الخلافة بلا برهان من الله ولاعهد من رسوله ؟ أعيذك بالله يا أخي أن تكون غدا المصلوب بالكناسة ». ثم ارفضت عيناه ، وسالت دموعه ، ثم قال : « الله بيننا وبين من هتك سترنا ، وجحدنا حقنا ، وأفشى سرنا ، ونسبنا إلى غير جدنا ، وقال فينا ما لم نقله في أنفسنا ». | Details |