اسم الكتاب : كتاب الحجة
اسم الباب : باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة
عن المعصومين عليهم السلام :
من طريق الراوة :
الحديث الشريف :
علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن سلام بن عبد الله ؛ ومحمد بن الحسن وعلي بن محمد ، عن سهل بن زياد ؛ وأبو علي الأشعري ، عن محمد بن حسان جميعا ، عن محمد بن علي ، عن علي بن أسباط ، عن سلام بن عبد الله الهاشمي - قال محمد بن علي : وقد سمعته منه - : عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : « بعث طلحة والزبير رجلا من عبدالقيس - يقال له : خداش - إلى أميرالمؤمنين صلوات الله عليه ، وقالا له : إنا نبعثك إلى رجل طال ما كنا نعرفه وأهل بيته بالسحر والكهانة ، وأنت أوثق من بحضرتنامن أنفسنا من أن تمتنع من ذلك ، وأن تحاجه لنا حتى تقفه على أمر معلوم ، واعلم أنه أعظم الناس دعوى ، فلا يكسرنك ذلك عنه ؛ ومن الأبواب التي يخدع الناس بها الطعام والشراب والعسل والدهن ، وأن يخالي الرجل ؛ فلا تأكل له طعاما ، ولاتشرب له شرابا ، ولاتمس له عسلا ولادهنا ، ولاتخل معه ، واحذر هذا كله منه ، وانطلق على بركة الله ، فإذا رأيته فاقرأ آية السخرة ، وتعوذ بالله من كيده وكيد الشيطان ، فإذا جلست إليه فلا تمكنه من بصرك كله ، ولاتستأنس به. ثم قل له : إن أخويك في الدين ، وابني عمك في القرابة يناشدانك القطيعة ، ويقولان لك : أما تعلم أنا تركنا الناس لك ، وخالفنا عشائرنا فيك منذ قبض الله - عز وجل - محمدا صلى الله عليه وآله ، فلما نلت أدنى منال ، ضيعت حرمتنا ، وقطعت رجاءنا ، ثم قد رأيت أفعالنا فيك ، وقدرتنا على النأي عنك ، وسعة البلاد دونك ، وأن من كان يصرفك عنا وعن صلتنا ، كان أقل لك نفعا ، وأضعف عنك دفعا منا ، وقد وضح الصبح لذي عينين ، وقد بلغنا عنك انتهاك لنا ، ودعاء علينا ، فما الذي يحملك على ذلك؟ فقد كنا نرى أنك أشجع فرسان العرب ، أتتخذ اللعن لنا دينا ، وترى أن ذلك يكسرنا عنك؟ فلما أتى خداش أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، صنع ما أمراه ، فلما نظر إليه علي عليه السلام - وهو يناجي نفسه - ضحك وقال : « هاهنا يا أخا عبد قيس » وأشار له إلى مجلس قريب منه ؛ فقال : ما أوسع المكان! أريد أن أؤدي إليك رسالة ، قال : « بل تطعم وتشرب وتحل ثيابك وتدهن ، ثم تؤدي رسالتك ، قم يا قنبر ، فأنزله ». قال : ما بي إلى شيء مما ذكرت حاجة ، قال : « فأخلو بك؟ » قال : كل سر لي علانية ، قال : « فأنشدك بالله الذي هو أقرب إليك من نفسك ، الحائل بينك وبين قلبك ، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، أتقدم إليك الزبير بما عرضت عليك؟ » قال : اللهم نعم ، قال : « لو كتمت بعد ما سألتك ، ما ارتد إليك طرفك ؛ فأنشدك الله ، هل علمك كلاما تقوله إذا أتيتني؟ » قال : اللهم نعم ، قال علي عليه السلام : « آية السخرة »؟ قال : نعم ، قال : « فاقرأها » ، فقرأها ، وجعل علي عليه السلام يكررها ، ويرددها ، ويفتح عليه إذا أخطأ ، حتى إذا قرأها سبعين مرة ، قال الرجل : ما يرى أمير المؤمنين عليه السلام أمره بترددها سبعين مرة ؟ ثم قال له : « أتجد قلبك اطمأن؟ » قال : إي والذي نفسي بيده. قال : « فما قالا لك؟ » فأخبره ، فقال : « قل لهما : كفى بمنطقكما حجة عليكما ، ولكن الله لايهدي القوم الظالمين ، زعمتما أنكما أخواي في الدين ، وابنا عمي في النسب ؛ فأما النسب فلا أنكره ، وإن كان النسب مقطوعا إلا ما وصله الله بالإسلام. وأما قولكما : إنكما أخواي في الدين ، فإن كنتما صادقين ، فقد فارقتما كتاب الله عز وجل ، وعصيتما أمره بأفعالكما في أخيكما في الدين ، وإلا فقد كذبتما وافتريتما بادعائكما أنكما أخواي في الدين. وأما مفارقتكما الناس منذ قبض الله محمدا صلى الله عليه وآله ، فإن كنتما فارقتماهم بحق ، فقد نقضتما ذلك الحق بفراقكما إياي أخيرا ، وإن فارقتماهم بباطل ، فقد وقع إثم ذلك الباطل عليكما مع الحدث الذي أحدثتما ، مع أن صفتكما بمفارقتكما الناس لم تكن إلا لطمع الدنيا زعمتما ، وذلك قولكما : « فقطعت رجاءنا » لاتعيبان بحمد الله من ديني شيئا. وأما الذي صرفني عن صلتكما ، فالذي صرفكما عن الحق ، وحملكما على خلعه من رقابكما ، كما يخلع الحرون لجامه ، وهو الله ربي لا أشرك به شيئا ، فلا تقولا : أقل نفعا وأضعف دفعا ؛ فتستحقا اسم الشرك مع النفاق. وأما قولكما : إني أشجع فرسان العرب ، وهربكما من لعني ودعائي ؛ فإن لكل موقف عملا إذا اختلفت الأسنة ، وماجت لبود الخيل ، وملأ سحراكما أجوافكما ، فثم يكفيني الله بكمال القلب ؛ وأما إذا أبيتما بأني أدعو الله ، فلا تجزعا من أن يدعو عليكما رجل ساحر من قوم سحرة زعمتما ، اللهم أقعص الزبير بشر قتلة ، واسفك دمه على ضلالة ، وعرف طلحة المذلة ، وادخر لهما في الآخرة شرا من ذلك إن كانا ظلماني ، وافتريا علي ، و كتما شهادتهما ، وعصياك وعصيا رسولك في ، قل : آمين » ، قال خداش : آمين! ثم قال خداش لنفسه : والله ، ما رأيت لحية قط أبين خطأ منك ، حامل حجة ينقض بعضها بعضا ، لم يجعل الله لها مساكا ، أنا أبرأ إلى الله منهما. قال علي عليه السلام : « ارجع إليهما ، وأعلمهما ما قلت ». قال : لاو الله حتى تسأل الله أن يردني إليك عاجلا ، وأن يوفقني لرضاه فيك ؛ ففعل ، فلم يلبث أن انصرف وقتل معه يوم الجمل ؛ رحمه الله ».