اسم الكتاب : كتاب الحجة
اسم الباب : باب في شأن ( إنا أنزلناه فى ليلة القدر ) وتفسيرها
عن المعصومين عليهم السلام :
من طريق الراوة :
الحديث الشريف :
محمد بن أبي عبد الله ومحمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ؛ ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن الحسن بن العباس بن الحريش : عن أبي جعفر الثاني عليه السلام ، قال عليه السلام : « قال أبو عبد الله عليه السلام : بينا أبي عليه السلام يطوف بالكعبة إذا رجل معتجر قد قيض له ، فقطع عليه أسبوعه حتى أدخله إلى دار جنب الصفا ، فأرسل إلي فكنا ثلاثة ، فقال : مرحبا يا ابن رسول الله ، ثم وضع يده على رأسي ، وقال : بارك الله فيك يا أمين الله بعد آبائه. يا أبا جعفر ، إن شئت فأخبرني ، وإن شئت فأخبرتك ، وإن شئت سلني ، وإن شئت سألتك ، وإن شئت فاصدقني ، وإن شئت صدقتك ، قال : كل ذلك أشاء. قال : فإياك أن ينطق لسانك عند مسألتي بأمر تضمر لي غيره ، قال : إنما يفعل ذلك من في قلبه علمان يخالف أحدهما صاحبه ، وإن الله ـ عز وجل ـ أبى أن يكون له علم فيه اختلاف. قال : هذه مسألتي وقد فسرت طرفا منها ، أخبرني عن هذا العلم ـ الذي ليس فيه اختلاف ـ من يعلمه؟ قال : أما جملة العلم ، فعند الله جل ذكره. وأما ما لابد للعباد منه ، فعند الأوصياء. قال : ففتح الرجل عجيرته ، واستوى جالسا ، وتهلل وجهه ، وقال : هذه أردت ، ولها أتيت ، زعمت أن علم ما لا اختلاف فيه من العلم عند الأوصياء ؛ فكيف يعلمونه؟ قال : كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمه ، إلا أنهم لايرون ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرى ؛ لأنه كان نبيا وهم محدثون ؛ وأنه كان يفد إلى الله جل جلاله ، فيسمع الوحي ، وهم لايسمعون . فقال : صدقت يا ابن رسول الله ، سآتيك بمسألة صعبة : أخبرني عن هذا العلم ، ما له لايظهر كما كان يظهر مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال : فضحك أبي عليه السلام ، وقال : أبى الله أن يطلع على علمه إلا ممتحنا للإيمان به ، كما قضى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يصبر على أذى قومه ، ولايجاهدهم إلا بأمره ، فكم من اكتتام قد اكتتم به حتى قيل له : ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ) وايم الله أن لو صدع قبل ذلك لكان آمنا ، ولكنه إنما نظر في الطاعة وخاف الخلاف ، فلذلك كف ، فوددت أن عينك تكون مع مهدي هذه الأمة ، والملائكة بسيوف آل داود بين السماء والأرض تعذب أرواح الكفرة من الأموات ، وتلحق بهم أرواح أشباههم من الأحياء . ثم أخرج سيفا ، ثم قال : ها ، إن هذا منها ، قال : فقال أبي : إي والذي اصطفى محمدا على البشر. قال : فرد الرجل اعتجاره ، وقال : أنا إلياس ، ما سألتك عن أمرك وبي منه جهالة ، غير أني أحببت أن يكون هذا الحديث قوة لأصحابك ، وسأخبرك بآية أنت تعرفها ، إن خاصموا بها فلجوا . قال : فقال له أبي : إن شئت أخبرتك بها ، قال : قد شئت ، قال : إن شيعتنا إن قالوا لأهل الخلاف لنا : إن الله ـ عز وجل ـ يقول لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) إلى آخرها فهل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلم من العلم شيئا لايعلمه في تلك الليلة ، أو يأتيه به جبرئيل عليه السلام في غيرها ؟ فإنهم سيقولون : لا ، فقل لهم : فهل كان لما علم بد من أن يظهر ؟ فيقولون : لا ، فقل لهم : فهل كان فيما أظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من علم الله ـ عز ذكره ـ اختلاف؟ فإن قالوا : لا ، فقل لهم : فمن حكم بحكم الله فيه اختلاف ، فهل خالف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فيقولون : نعم ـ فإن قالوا : لا ، فقد نقضوا أول كلامهم ـ فقل لهم : ( ما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ) . فإن قالوا : من الراسخون في العلم؟ فقل : من لايختلف في علمه. فإن قالوا : فمن هو ذاك ؟ فقل : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صاحب ذلك ، فهل بلغ أو لا؟ فإن قالوا : قد بلغ ، فقل : فهل مات صلى الله عليه وآله وسلم والخليفة من بعده يعلم علما ليس فيه اختلاف؟ فإن قالوا : لا ، فقل : إن خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مؤيد ، و لايستخلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا من يحكم بحكمه ، وإلا من يكون مثله إلا النبوة ، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يستخلف في علمه أحدا ، فقد ضيع من في أصلاب الرجال ممن يكون بعده. فإن قالوا لك : فإن علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان من القرآن ، فقل : ( حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) إلى قوله : ( إنا كنا مرسلين ) . فإن قالوا لك : لايرسل الله ـ عز وجل ـ إلا إلى نبي ، فقل : هذا الأمر الحكيم ـ الذي يفرق فيه ـ هو من الملائكة والروح التي تنزل من سماء إلى سماء ، أو من سماء إلى أرض ؟ فإن قالوا : من سماء إلى سماء ، فليس في السماء أحد يرجع من طاعة إلى معصية ، فإن قالوا : من سماء إلى أرض ، وأهل الأرض أحوج الخلق إلى ذلك ، فقل : فهل لهم بد من سيد يتحاكمون إليه؟ فإن قالوا : فإن الخليفة هو حكمهم ، فقل : ( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ) إلى قوله ( خالدون ) لعمري ، ما في الأرض ولا في السماء ولي لله ـ عز ذكره ـ إلا وهو مؤيد ، ومن أيد لم يخط ؛ وما في الأرض عدو لله ـ عز ذكره ـ إلا وهو مخذول ، ومن خذل لم يصب ، كما أن الأمر لابد من تنزيله من السماء يحكم به أهل الأرض ، كذلك لابد من وال. فإن قالوا : لانعرف هذا ، فقل لهم : قولوا ما أحببتم ، أبى الله بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن يترك العباد ولاحجة عليهم. قال أبو عبد الله عليه السلام : ثم وقف ، فقال : هاهنا يا ابن رسول الله باب غامض ، أرأيت إن قالوا : حجة الله القرآن؟ قال : إذن أقول لهم : إن القرآن ليس بناطق يأمر وينهى ، ولكن للقرآن أهل يأمرون وينهون. وأقول : قد عرضت لبعض أهل الأرض مصيبة ما هي في السنة والحكم الذي ليس فيه اختلاف ، وليست في القرآن ، أبى الله ـ لعلمه بتلك الفتنة ـ أن تظهر في الأرض ، وليس في حكمه راد لها ومفرج عن أهلها. فقال : هاهنا تفلجون يا ابن رسول الله ، أشهد أن الله ـ عز ذكره ـ قد علم بما يصيب الخلق من مصيبة في الأرض ، أو في أنفسهم من الدين أو غيره ، فوضع القرآن دليلا . قال : فقال الرجل : هل تدري يا ابن رسول الله ، دليله ما هو ؟ قال أبو جعفر عليه السلام : نعم ، فيه جمل الحدود ، وتفسيرها عند الحكم ، فقال : أبى الله أن يصيب عبدا بمصيبة في دينه أو في نفسه أو ماله ليس في أرضه من حكمه قاض بالصواب في تلك المصيبة. قال : فقال الرجل : أما في هذا الباب ، فقد فلجتهم بحجة إلا أن يفتري خصمكم على الله ، فيقول : ليس لله ـ جل ذكره ـ حجة. ولكن أخبرني عن تفسير ( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ) : مما خص به علي عليه السلام ( ولا تفرحوا بما آتاكم ) قال : في أبي فلان وأصحابه ، واحدة مقدمة ، وواحدة مؤخرة ؛ لا تأسوا على ما فاتكم مما خص به علي عليه السلام ( ولا تفرحوا بما آتاكم ) من الفتنة التي عرضت لكم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقال الرجل : أشهد أنكم أصحاب الحكم الذي لا اختلاف فيه ، ثم قام الرجل وذهب ، فلم أره ».