Details

كتاب الكافي


اسم الكتاب : كتاب التوحيد

اسم الباب : باب جوامع التوحيد

عن المعصومين عليهم السلام :

من طريق الراوة :



الحديث الشريف :
محمد بن أبي عبد الله ومحمد بن يحيى جميعا ، رفعاه إلى أبي عبد الله عليه‌ السلام : « أن أمير المؤمنين عليه‌ السلام استنهض الناس في حرب معاوية في المرة الثانية ، فلما حشد الناس ، قام خطيبا ، فقال : الحمد لله الواحد ، الأحد ، الصمد ، المتفرد ، الذي لامن شيء كان ، ولا من شيء خلق ما كان ، قدرة بان بها من الأشياء ، وبانت الأشياء منه ، فليست له صفة تنال ، ولا حد يضرب له فيه الأمثال ، كل دون صفاته تحبير اللغات ، وضل هناك تصاريف الصفات ، وحار في ملكوته عميقات مذاهب التفكير ، وانقطع دون الرسوخ في علمه جوامع التفسير ، وحال دون غيبه المكنون حجب من الغيوب ، تاهت في أدنى أدانيها طامحات العقول في لطيفات الأمور. فتبارك الله الذي لايبلغه بعد الهمم ، ولا يناله غوص الفطن ، وتعالى الذي ليس له وقت معدود ، ولا أجل ممدود ، ولا نعت محدود ، سبحان الذي ليس له أول مبتدأ ، ولا غاية منتهى ، ولا آخر يفنى. سبحانه هو كما وصف نفسه ، والواصفون لايبلغون نعته ، و حد الأشياء كلها‌ عند خلقه ؛ إبانة لها من شبهه ، وإبانة له من شبهها ، فلم يحلل فيها ؛ فيقال : هو فيها كائن ، ولم ينأ عنها ؛ فيقال : هو منها بائن ، ولم يخل منها ؛ فيقال له : أين ، لكنه سبحانه أحاط بها علمه ، وأتقنها صنعه ، وأحصاها حفظه ، لم يعزب عنه خفيات غيوب الهواء ، ولا غوامض مكنون ظلم الدجى ، ولا ما في السماوات العلى إلى الأرضين السفلى ، لكل شيء منها حافظ ورقيب ، وكل شيء منها بشيء محيط ، والمحيط بما أحاط منها الواحد الأحد الصمد ، الذي لايغيره صروف الأزمان ، ولا يتكأده صنع شيء كان ، إنما قال لما شاء : « كن » فكان. ابتدع ما خلق بلا مثال سبق ، ولا تعب ولا نصب ، وكل صانع شيء فمن شيء صنع ، والله لامن شيء صنع ما خلق ، وكل عالم فمن بعد جهل تعلم ، والله لم يجهل ولم يتعلم ، أحاط بالأشياء علما قبل كونها ، فلم يزدد بكونها علما ، علمه بها قبل أن يكونها كعلمه بعد تكوينها ، لم يكونها لتشديد سلطان ، ولا خوف من زوال ولا نقصان ، ولا استعانة على ضد مناو ، ولا ند مكاثر ، ولا شريك مكابر ، لكن خلائق مربوبون ، وعباد داخرون . فسبحان الذي لايؤوده خلق ما ابتدأ ، ولا تدبير ما برأ ، ولا من عجز ولا من فترة بما خلق اكتفى ، علم ما خلق ، وخلق ما علم ، لابالتفكير في علم حادث أصاب ما خلق ، ولا شبهة دخلت عليه فيما لم يخلق ، لكن قضاء مبرم ، وعلم محكم ، وأمر متقن. توحد بالربوبية ، وخص نفسه بالوحدانية ، واستخلص بالمجد والثناء ، وتفرد بالتوحيد والمجد والسناء ، وتوحد بالتحميد ، وتمجد بالتمجيد ، وعلا عن اتخاذ الأبناء ، وتطهر وتقدس عن ملامسة النساء ، و عز وجل عن مجاورة الشركاء ، فليس له فيما خلق ضد ، ولا له فيما ملك ند ، ولم يشركه في ملكه أحد ، الواحد الأحد الصمد ، المبيد للأبد ، والوارث للأمد ، الذي لم يزل ولا يزال وحدانيا أزليا قبل بدء الدهور ، وبعد صروف الأمور ، الذي لايبيد ولا ينفد . بذلك أصف ربي ، فلا إله إلا الله من عظيم ما أعظمه! ومن جليل ما أجله! ومن عزيز ما أعزه! وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا » . وهذه الخطبة من مشهورات خطبه عليه‌ السلام حتى لقد ابتذلها العامة ، وهي كافية لمن طلب علم التوحيد إذا تدبرها وفهم ما فيها ، فلو اجتمع ألسنة الجن والإنس ـ ليس فيها لسان نبي ـ على أن يبينوا التوحيد بمثل ما أتى به ـ بأبي وأمي ـ ما قدروا عليه ، ولو لا إبانته عليه‌ السلام ، ما علم الناس كيف يسلكون سبيل التوحيد. ألاترون إلى قوله : « لا من شيء كان ، ولا من شيء خلق ما كان » فنفى بقوله : « لا من شيء كان » معنى الحدوث ، وكيف أوقع على ما أحدثه صفة الخلق والاختراع بلا أصل ولا مثال ؛ نفيا لقول من قال : إن الأشياء كلها محدثة ، بعضها من بعض ؛ وإبطالا لقول الثنوية الذين زعموا أنه لايحدث شيئا إلا من أصل ، ولا يدبر إلا باحتذاء مثال ، فدفع عليه‌ السلام بقوله : « لا من شيء خلق ما كان » جميع حجج الثنوية وشبههم ؛ لأن أكثر ما يعتمد الثنوية في حدوث العالم أن يقولوا : لايخلو من أن يكون الخالق خلق الأشياء من شيء ، أو من لاشيء ، فقولهم : « من شيء » خطأ ، وقولهم : « من لا شيء » مناقضة وإحالة ؛ لأن « من » توجب شيئا ، و « لا شيء » تنفيه ، فأخرج أمير المؤمنين عليه‌ السلام هذه اللفظة على أبلغ الألفاظ وأصحها ، فقال عليه‌ السلام : « لا من شيء خلق ما كان » فنفى « من » ؛ إذ كانت توجب شيئا ، ونفى الشيء ؛ إذ كان كل شيء مخلوقا محدثا ، لامن أصل أحدثه الخالق كما قالت الثنوية : إنه خلق من أصل قديم ، فلا يكون تدبير إلا باحتذاء مثال . ثم قوله عليه‌ السلام : « ليست له صفة تنال ، ولا حد يضرب له فيه الأمثال ، كل دون صفاته تحبير اللغات » فنفى عليه‌ السلام أقاويل المشبهة حين شبهوه بالسبيكة والبلورة ، وغير ذلك من أقاويلهم من الطول والاستواء ، وقولهم : « متى ما لم تعقد القلوب منه على كيفية ، ولم ترجع إلى إثبات هيئة ، لم تعقل شيئا ، فلم تثبت صانعا » ففسر أمير المؤمنين عليه‌ السلام أنه واحد بلا كيفية ، وأن القلوب تعرفه بلا تصوير ولا إحاطة. ثم قوله عليه‌ السلام : « الذي لايبلغه بعد الهمم ، ولا يناله غوص الفطن ، وتعالى الذي ليس له وقت معدود ، ولا أجل ممدود ، ولا نعت محدود ». ثم قوله عليه‌ السلام : « لم يحلل في الأشياء ؛ فيقال : هو فيها كائن ، ولم ينأ عنها ؛ فيقال : هو منها بائن » فنفى عليه‌ السلام بهاتين الكلمتين صفة الأعراض والأجسام ؛ لأن من صفة الأجسام التباعد والمباينة ، ومن صفة الأعراض الكون في الأجسام بالحلول على غير مماسة ومباينة الأجسام على تراخي المسافة. ثم قال عليه‌ السلام : « لكن أحاط بها علمه ، وأتقنها صنعه » أي هو في الأشياء بالإحاطة والتدبير ، و على غير ملامسة .


   Back to List