اسم الكتاب : كتاب التوحيد
اسم الباب : باب حدوث العالم وإثبات المحدث
عن المعصومين عليهم السلام :
من طريق الراوة :
الحديث الشريف :
عنه ، عن بعض أصحابنا رفعه ، وزاد في حديث ابن أبي العوجاء حين سأله أبو عبد الله عليه السلام ، قال : عاد ابن أبي العوجاء في اليوم الثاني إلى مجلس أبي عبد الله عليه السلام ، فجلس وهو ساكت لاينطق ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : « كأنك جئت تعيد بعض ما كنا فيه ». فقال : أردت ذلك يا ابن رسول الله ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : « ما أعجب هذا! تنكر الله وتشهد أني ابن رسول الله! ». فقال : العادة تحملني على ذلك ، فقال له العالم عليه السلام : « فما يمنعك من الكلام؟ » قال : إجلالا لك ومهابة ما ينطلق لساني بين يديك ؛ فإني شاهدت العلماء ، وناظرت المتكلمين ، فما تداخلني هيبة قط مثل ما تداخلني من هيبتك ، قال : « يكون ذلك ، ولكن أفتح عليك بسؤال » وأقبل عليه ، فقال له : « أمصنوع أنت ، أو غير مصنوع؟ » فقال عبد الكريم بن أبي العوجاء : بل أنا غير مصنوع ، فقال له العالم عليه السلام : « فصف لي : لو كنت مصنوعا ، كيف كنت تكون؟ » فبقي عبد الكريم مليا لايحير جوابا ، وولع بخشبة كانت بين يديه وهو يقول : طويل عريض ، عميق قصير ، متحرك ساكن ، كل ذلك صفة خلقه ، فقال له العالم عليه السلام : « فإن كنت لم تعلم صفة الصنعة غيرها ، فاجعل نفسك مصنوعا ؛ لما تجد في نفسك مما يحدث من هذه الأمور ». فقال له عبد الكريم : سألتني عن مسألة لم يسألني عنها أحد قبلك ، ولا يسألني أحد بعدك عن مثلها ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : « هبك علمت أنك لم تسأل فيما مضى ، فما علمك أنك لاتسأل فيما بعد؟ على أنك يا عبد الكريم ، نقضت قولك ؛ لأنك تزعم أن الأشياء من الأول سواء ، فكيف قدمت وأخرت؟! ». ثم قال : « يا عبد الكريم ، أزيدك وضوحا ، أرأيت ، لو كان معك كيس فيه جواهر ، فقال لك قائل : هل في الكيس دينار؟ فنفيت كون الدينار في الكيس ، فقال لك قائل : صف لي الدينار ، وكنت غير عالم بصفته ، هل كان لك أن تنفي كون الدينار في الكيس وأنت لاتعلم؟ » قال : لا ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : « فالعالم أكبر وأطول وأعرض من الكيس ، فلعل في العالم صنعة ؛ من حيث لاتعلم صفة الصنعة من غير الصنعة ». فانقطع عبد الكريم ، وأجاب إلى الإسلام بعض أصحابه ، وبقي معه بعض. فعاد في اليوم الثالث ، فقال : أقلب السؤال؟ فقال له أبو عبد الله عليه السلام : « سل عما شئت » ، فقال : ما الدليل على حدوث الأجسام؟ فقال : « إني ما وجدت شيئا ـ صغيرا ولا كبيرا ـ إلا وإذا ضم إليه مثله ، صار أكبر ، وفي ذلك زوال وانتقال من الحالة الأولى ، ولو كان قديما ، ما زال ولا حال ؛ لأن الذي يزول ويحول يجوز أن يوجد ويبطل ، فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث ، وفي كونه في الأزل دخوله في القدم ، ولن تجتمع صفة الأزل والعدم ، والحدوث والقدم في شيء واحد ». فقال عبد الكريم : هبك علمت في جري الحالتين والزمانين ـ على ما ذكرت ـ فاستدللت بذلك على حدوثها ، فلو بقيت الأشياء على صغرها ، من أين كان لك أن تستدل على حدوثها ؟ فقال العالم عليه السلام : « إنما نتكلم على هذا العالم الموضوع ، فلو رفعناه ووضعنا عالما آخر ، كان لاشيء أدل على الحدث من رفعنا إياه ووضعنا غيره ، ولكن أجيبك من حيث قدرت أن تلزمنا ونقول : إن الأشياء لو دامت على صغرها ، لكان في الوهم أنه متى ضم شيء إلى مثله ، كان أكبر ، وفي جواز التغير عليه خروجه من القدم ، كما أن في تغيره دخوله في الحدث ، ليس لك وراءه شيء يا عبد الكريم ». فانقطع وخزي . فلما كان من العام القابل ، التقى معه في الحرم ، فقال له بعض شيعته : إن ابن أبي العوجاء قد أسلم ، فقال العالم عليه السلام : « هو أعمى من ذلك ، لايسلم » فلما بصر بالعالم عليه السلام ، قال : سيدي ومولاي ، فقال له العالم عليه السلام : « ما جاء بك إلى هذا الموضع؟ » فقال : عادة الجسد وسنة البلد ، ولننظر ما الناس فيه من الجنون ، والحلق ، ورمي الحجارة ، فقال له العالم عليه السلام : « أنت بعد على عتوك وضلالك يا عبد الكريم ». فذهب يتكلم ، فقال له عليه السلام : « لا جدال في الحج » ونفض رداءه من يده ، وقال : « إن يكن الأمر كما تقول ـ وليس كما تقول ـ نجونا ونجوت ، وإن يكن الأمر كما نقول ـ وهو كما نقول ـ نجونا وهلكت ». فأقبل عبد الكريم على من معه ، فقال : وجدت في قلبي حزازة فردوني ، فردوه ، فمات لارحمه الله .