Details

كتاب الكافي


اسم الكتاب : كتاب الروضة

اسم الباب :

عن المعصومين عليهم السلام :

من طريق الراوة :



الحديث الشريف :
حدثني محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ؛ وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن غالب الأسدي ، عن أبيه ، عن سعيد بن المسيب ، قال : كان علي بن الحسين عليهما‌السلام يعظ الناس ، ويزهدهم في الدنيا ، ويرغبهم في أعمال الآخرة بهذا الكلام في كل جمعة في مسجد رسول الله صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله ، وحفظ عنه وكتب ، كان يقول : «أيها الناس ، اتقوا الله ، واعلموا أنكم إليه ترجعون ، فتجد كل نفس ما عملت في هذه الدنيا من خير محضرا ، وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ، ويحذركم الله نفسه ، ويحك يا ابن آدم الغافل وليس بمغفول عنه. ابن آدم ، إن أجلك أسرع شيء إليك ، قد أقبل نحوك حثيثا يطلبك ، ويوشك أن يدركك ، وكأن قد أوفيت أجلك ، وقبض الملك روحك ، وصرت إلى قبرك وحيدا ، فرد إليك فيه روحك ، واقتحم عليك فيه ملكان ناكر ونكير لمساءلتك وشديد امتحانك. ألا وإن أول ما يسألانك عن ربك الذي كنت تعبده ، وعن نبيك الذي أرسل إليك ، وعن دينك الذي كنت تدين به ، وعن كتابك الذي كنت تتلوه ، وعن إمامك الذي كنت تتولاه ، ثم عن عمرك فيما أفنيته ، ومالك من أين اكتسبته وفيما أنفقته ، فخذ حذرك ، وانظر لنفسك ، وأعد الجواب قبل الامتحان والمساءلة والاختبار ، فإن تك مؤمنا عارفا بدينك ، متبعا للصادقين ، مواليا لأولياء الله ، لقاك الله حجتك ، وأنطق لسانك بالصواب ، وأحسنت الجواب ، وبشرت بالرضوان والجنة من الله عزوجل ، واستقبلتك الملائكة بالروح والريحان ، وإن لم تكن كذلك تلجلج لسانك ، ودحضت حجتك ، وعييت عن الجواب ، وبشرت بالنار ، واستقبلتك ملائكة العذاب بنزل من حميم ، وتصلية جحيم . واعلم يا ابن آدم ، أن من وراء هذا أعظم وأفظع وأوجع للقلوب يوم القيامة ، ذلك يوم مجموع له الناس ، وذلك يوم مشهود يجمع الله ـ عزوجل ـ فيه الأولين والآخرين ، ذلك يوم ينفخ في الصور ، وتبعثر فيه القبور ، وذلك يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ، وذلك يوم لاتقال فيه عثرة ، ولا يؤخذ من أحد فدية ، ولا تقبل من أحد معذرة ، ولا لأحد فيه مستقبل توبة ، ليس إلا الجزاء بالحسنات والجزاء بالسيئات ، فمن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير وجده ، ومن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من شر وجده. فاحذروا أيها الناس من الذنوب والمعاصي ما قد نهاكم الله عنها ، وحذركموها في كتابه الصادق ، والبيان الناطق ، ولا تأمنوا مكر الله وتحذيره وتهديده عند ما يدعوكم الشيطان اللعين إليه من عاجل الشهوات واللذات في هذه الدنيا ، فإن الله ـ عزوجل ـ يقول : (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) . وأشعروا قلوبكم خوف الله ، وتذكروا ما قد وعدكم الله في مرجعكم إليه من حسن ثوابه كما قد خوفكم من شديد العقاب ، فإنه من خاف شيئا حذره ، ومن حذر شيئا تركه ، ولا تكونوا من الغافلين المائلين إلى زهرة الدنيا الذين مكروا السيئات ، فإن الله يقول في محكم كتابه : (أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين أو يأخذهم على تخوف) . فاحذروا ما حذركم الله بما فعل بالظلمة في كتابه ، ولا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما تواعد به القوم الظالمين في الكتاب ، والله لقد وعظكم الله في كتابه بغيركم ، فإن السعيد من وعظ بغيره ، ولقد أسمعكم الله في كتابه ما قد فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم حيث قال : (وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة) وإنما عنى بالقرية أهلها حيث يقول : (وأنشأنا بعدها قوما آخرين) فقال عزوجل : (فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون) ؛ يعني يهربون ، قال : (لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسئلون) فلما أتاهم العذاب (قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين) . وايم الله إن هذه عظة لكم وتخويف إن اتعظتم وخفتم. ثم رجع القول من الله في الكتاب على أهل المعاصي والذنوب ، فقال عزوجل : (ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين). فإن قلتم أيها الناس : إن الله ـ عزوجل ـ إنما عنى بهذا أهل الشرك ، فكيف ذلك وهو يقول : (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين). اعلموا عباد الله ، أن أهل الشرك لاينصب لهم الموازين ، ولا ينشر لهم الدواوين ، وإنما يحشرون إلى جهنم زمرا ، وإنما نصب الموازين ونشر الدواوين لأهل الإسلام. فاتقوا الله عباد الله ، واعلموا أن الله ـ عزوجل ـ لم يحب زهرة الدنيا وعاجلها لأحد من أوليائه ، ولم يرغبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها ، وإنما خلق الدنيا وخلق أهلها ليبلوهم فيها أيهم أحسن عملا لآخرته ، وايم الله لقد ضرب لكم فيه الأمثال ، وصرف الآيات لقوم يعقلون ، ولا قوة إلا بالله. فازهدوا فيما زهدكم الله ـ عزوجل ـ فيه من عاجل الحياة الدنيا ، فإن الله ـ عزوجل ـ يقول ـ وقوله الحق ـ : (إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) . فكونوا عباد الله من القوم الذين يتفكرون ولاتركنوا إلى الدنيا ، فإن الله ـ عز وجل ـ قال لمحمد صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله : (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) ولا تركنوا إلى زهرة الدنيا وما فيها ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان ، فإنها دار بلغة ومنزل قلعة ودار عمل ، فتزودوا الأعمال الصالحة فيها قبل تفرق أيامها ، وقبل الإذن من الله في خرابها ، فكان قد أخربها الذي عمرها أول مرة وابتدأها وهو ولي ميراثها ، فأسأل الله العون لنا ولكم على تزود التقوى والزهد فيها ، جعلنا الله وإياكم من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا الراغبين لآجل ثواب الآخرة ، فإنما نحن به وله ، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته». حديث الشيخ مع الباقر عليه‌ السلام


   Back to List