اسم الكتاب : كتاب الروضة
اسم الباب :
عن المعصومين عليهم السلام :
من طريق الراوة :
الحديث الشريف :
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان ، عن علي بن عيسى رفعه ، قال : «إن موسى عليه السلام ناجاه الله ـ تبارك وتعالى ـ فقال له في مناجاته : يا موسى ، لايطول في الدنيا أملك ، فيقسو لذلك قلبك ، وقاسي القلب مني بعيد. يا موسى ، كن كمسرتي فيك ، فإن مسرتي أن أطاع فلا أعصى ، وأمت قلبك بالخشية ، وكن خلق الثياب ، جديد القلب ، تخفى على أهل الأرض ، وتعرف في أهل السماء ، حلس البيوت ، مصباح الليل ، واقنت بين يدي قنوت الصابرين ، وصح إلي من كثرة الذنوب صياح المذنب الهارب من عدوه ، واستعن بي على ذلك ، فإني نعم العون ، ونعم المستعان. يا موسى ، إني أنا الله فوق العباد ، والعباد دوني ، وكل لي داخرون ، فاتهم نفسك على نفسك ، ولا تأتمن ولدك على دينك إلا أن يكون ولدك مثلك يحب الصالحين. يا موسى ، اغسل واغتسل ، واقترب من عبادي الصالحين. يا موسى ، كن إمامهم في صلاتهم ، وإمامهم فيما يتشاجرون ، واحكم بينهم بما أنزلت عليك فقد أنزلته حكما بينا ، وبرهانا نيرا ، ونورا ينطق بما كان في الأولين ، وبما هو كائن في الآخرين. أوصيك يا موسى وصية الشفيق المشفق بابن البتول عيسى ابن مريم صاحب الأتان والبرنس والزيت والزيتون والمحراب ، ومن بعده بصاحب الجمل الأحمر الطيب الطاهر المطهر ، فمثله في كتابك أنه مؤمن مهيمن على الكتب كلها ، وأنه راكع ساجد راغب راهب إخوانه المساكين ، وأنصاره قوم آخرون ، ويكون في زمانه أزل وزلزال وقتل وقلة من المال ، اسمه أحمد محمد الأمين من الباقين من ثلة الأولين الماضين ، يؤمن بالكتب كلها ، ويصدق جميع المرسلين ، ويشهد بالإخلاص لجميع النبيين ، أمته مرحومة مباركة ما بقوا في الدين على حقائقه ، لهم ساعات موقتات ، يؤدون فيها الصلوات أداء العبد إلى سيده نافلته ، فبه فصدق ، ومنهاجه فاتبع ، فإنه أخوك. يا موسى ، إنه أمي ، وهو عبد صدق ، يبارك له فيما وضع يده عليه ، ويبارك عليه ، كذلك كان في علمي وكذلك خلقته ، به أفتح الساعة ، وبأمته أختم مفاتيح الدنيا ، فمر ظلمة بني إسرائيل أن لايدرسوا اسمه ، ولا يخذلوه ، وإنهم لفاعلون ، وحبه لي حسنة ، فأنا معه ، وأنا من حزبه ، وهو من حزبي ، وحزبهم الغالبون ، فتمت كلماتي لأظهرن دينه على الأديان كلها ، ولأعبدن بكل مكان ، ولأنزلن عليه قرآنا فرقانا شفاء لما في الصدور من نفث الشيطان ، فصل عليه يا ابن عمران ، فإني أصلي عليه وملائكتي. يا موسى ، أنت عبدي ، وأنا إلهك ، لاتستذل الحقير الفقير ، ولا تغبط الغني بشيء يسير ، وكن عند ذكري خاشعا ، وعند تلاوته برحمتي طامعا ، وأسمعني لذاذة التوراة بصوت خاشع حزين ، اطمئن عند ذكري ، وذكر بي من يطمئن إلي ، واعبدني ولا تشرك بي شيئا ، وتحر مسرتي ، إني أنا السيد الكبير ، إني خلقتك من نطفة من ماء مهين من طينة أخرجتها من أرض ذليلة ممشوجة ، فكانت بشرا ، فأنا صانعها خلقا ، فتبارك وجهي ، وتقدس صنعي ، ليس كمثلي شيء ، وأنا الحي الدائم الذي لا أزول . يا موسى ، كن إذا دعوتني خائفا مشفقا وجلا ، عفر وجهك لي في التراب ، واسجد لي بمكارم بدنك ، واقنت بين يدي في القيام ، وناجني حين تناجيني بخشية من قلب وجل ، واحي بتوراتي أيام الحياة ، وعلم الجهال محامدي ، وذكرهم آلائي ونعمتي ، وقل لهم : لايتمادون في غي ما هم فيه ، فإن أخذي أليم شديد. يا موسى ، إذا انقطع حبلك مني لم يتصل بحبل غيري ، فاعبدني وقم بين يدي مقام العبد الحقير ، ذم نفسك ، فهي أولى بالذم ، ولا تتطاول بكتابي على بني إسرائيل ، فكفى بهذا واعظا لقلبك ومنيرا ، وهو كلام رب العالمين جل وتعالى. يا موسى ، متى ما دعوتني ورجوتني ، فإني سأغفر لك على ما كان منك ، السماء تسبح لي وجلا ، والملائكة من مخافتي مشفقون ، والأرض تسبح لي طمعا ، وكل الخلق يسبحون لي داخرون . ثم عليك بالصلاة الصلاة ؛ فإنها مني بمكان ، ولها عندي عهد وثيق ، وألحق بها ما هو منها زكاة القربان من طيب المال والطعام ؛ فإني لا أقبل إلا الطيب يراد به وجهي ، واقرن مع ذلك صلة الأرحام ، فإني أنا الله الرحمن الرحيم ، والرحم أنا خلقتها فضلا من رحمتي ليتعاطف بها العباد ، ولها عندي سلطان في معاد الآخرة ، وأنا قاطع من قطعها ، وواصل من وصلها ، وكذلك أفعل بمن ضيع أمري. يا موسى ، أكرم السائل إذا أتاك برد جميل أو إعطاء يسير ؛ فإنه يأتيك من ليس بإنس ولا جان ، ملائكة الرحمن يبلونك كيف أنت صانع فيما أوليتك ، وكيف مواساتك فيما خولتك ، واخشع لي بالتضرع ، واهتف لي بولولة الكتاب ، واعلم أني أدعوك دعاء السيد مملوكه ليبلغ به شرف المنازل ، وذلك من فضلي عليك وعلى آبائك الأولين. يا موسى ، لاتنسني على كل حال ، ولا تفرح بكثرة المال ؛ فإن نسياني يقسي القلوب ، ومع كثرة المال كثرة الذنوب ، الأرض مطيعة ، والسماء مطيعة ، والبحار مطيعة ، وعصياني شقاء الثقلين ، وأنا الرحمن الرحيم ، رحمان كل زمان ، آتي بالشدة بعد الرخاء ، وبالرخاء بعد الشدة ، وبالملوك بعد الملوك ، وملكي دائم قائم لايزول ، ولا يخفى علي شيء في الأرض ولا في السماء ، وكيف يخفى علي ما مني مبتدؤه؟ وكيف لا يكون همك فيما عندي وإلي ترجع لامحالة؟ يا موسى ، اجعلني حرزك ، وضع عندي كنزك من الصالحات ، وخفني ولا تخف غيري ، إلي المصير. يا موسى ، ارحم من هو أسفل منك في الخلق ، ولا تحسد من هو فوقك ، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب. يا موسى ، إن ابني آدم تواضعا في منزلة لينالا بها من فضلي ورحمتي ، فقربا قربانا ، ولا أقبل إلا من المتقين ، فكان من شأنهما ما قد علمت ، فكيف تثق بالصاحب بعد الأخ والوزير؟ يا موسى ، ضع الكبر ، ودع الفخر ، واذكر أنك ساكن القبر ، فليمنعك ذلك من الشهوات. يا موسى ، عجل التوبة ، وأخر الذنب ، وتأن في المكث بين يدي في الصلاة ، ولا ترج غيري ، اتخذني جنة للشدائد ، وحصنا لملمات الأمور . يا موسى ، كيف تخشع لي خليقة لاتعرف فضلي عليها؟ وكيف تعرف فضلي عليها وهي لاتنظر فيه؟ وكيف تنظر فيه وهي لاتؤمن به؟ وكيف تؤمن به وهي لا ترجو ثوابا؟ وكيف ترجو ثوابا وهي قد قنعت بالدنيا ، واتخذتها مأوى ، وركنت إليها ركون الظالمين؟ يا موسى ، نافس في الخير أهله ، فإن الخير كاسمه ، ودع الشر لكل مفتون. يا موسى ، اجعل لسانك من وراء قلبك تسلم ، وأكثر ذكري بالليل والنهار تغنم ، ولا تتبع الخطايا فتندم ، فإن الخطايا موعدها النار . يا موسى ، أطب الكلام لأهل الترك للذنوب ، وكن لهم جليسا ، واتخذهم لغيبك إخوانا ، وجد معهم يجدون معك. يا موسى ، الموت لاقيك لامحالة ، فتزود زاد من هو على ما يتزود وارد . يا موسى ، ما أريد به وجهي فكثير قليله ، وما أريد به غيري فقليل كثيره ، وإن أصلح أيامك الذي هو أمامك ، فانظر أي يوم هو ، فأعد له الجواب ، فإنك موقوف ومسئول ، وخذ موعظتك من الدهر وأهله ، فإن الدهر طويله قصير ، وقصيره طويل ، وكل شيء فان ، فاعمل كأنك ترى ثواب عملك لكي يكون أطمع لك في الآخرة لا محالة ، فإن ما بقي من الدنيا كما ولى منها ، وكل عامل يعمل على بصيرة ومثال ، فكن مرتادا لنفسك يا ابن عمران لعلك تفوز غدا يوم السؤال ، فهنالك يخسر المبطلون. يا موسى ، ألق كفيك ذلا بين يدي كفعل العبد المستصرخ إلى سيده ، فإنك إذا فعلت ذلك رحمت وأنا أكرم القادرين. يا موسى ، سلني من فضلي ورحمتي ، فإنهما بيدي ، لايملكهما أحد غيري ، وانظر حين تسألني كيف رغبتك فيما عندي ، لكل عامل جزاء ، وقد يجزى الكفور بما سعى. يا موسى ، طب نفسا عن الدنيا ، وانطو عنها ؛ فإنها ليست لك ، ولست لها ، ما لك ولدار الظالمين إلا لعامل فيها بالخير ، فإنها له نعم الدار. يا موسى ، ما آمرك به فاسمع ، ومهما أراه فاصنع ، خذ حقائق التوراة إلى صدرك ، وتيقظ بها في ساعات الليل والنهار ، ولا تمكن أبناء الدنيا من صدرك ، فيجعلونه وكرا كوكر الطير. يا موسى ، أبناء الدنيا وأهلها فتن بعضهم لبعض ، فكل مزين له ما هو فيه ، والمؤمن من زينت له الآخرة ، فهو ينظر إليها ما يفتر ، قد حالت شهوتها بينه وبين لذة العيش ، فأدلجته بالأسحار كفعل الراكب السائق إلى غايته ، يظل كئيبا ، ويمسي حزينا ، فطوبى له لو قد كشف الغطاء ما ذا يعاين من السرور؟ يا موسى ، الدنيا نطفة ليست بثواب للمؤمن ، ولا نقمة من فاجر ، فالويل الطويل لمن باع ثواب معاده بلعقة لم تبق ، وبلعسة لم تدم ، وكذلك فكن كما أمرتك ، وكل أمري رشاد. يا موسى ، إذا رأيت الغنى مقبلا ، فقل : ذنب عجلت لي عقوبته ، وإذا رأيت الفقر مقبلا ، فقل : مرحبا بشعار الصالحين ، ولا تكن جبارا ظلوما ، ولا تكن للظالمين قرينا. يا موسى ، ما عمر وإن طال يذم آخره ، وما ضرك ما زوي عنك إذا حمدت مغبته . يا موسى ، صرخ الكتاب إليك صراخا بما أنت إليه صائر ، فكيف ترقد على هذا العيون ، أم كيف يجد قوم لذة العيش لو لا التمادي في الغفلة ، والاتباع للشقوة ، والتتابع للشهوة ، ومن دون هذا يجزع الصديقون؟ يا موسى ، مر عبادي يدعوني على ما كان بعد أن يقروا لي أني أرحم الراحمين ، مجيب المضطرين ، وأكشف السوء ، وأبدل الزمان ، وآتي بالرخاء ، وأشكر اليسير ، وأثيب الكثير ، وأغني الفقير ، وأنا الدائم العزيز القدير ، فمن لجأ إليك وانضوى إليك من الخاطئين ، فقل : أهلا وسهلا يا رحب الفناء بفناء رب العالمين ، واستغفر لهم ، وكن لهم كأحدهم ، ولا تستطل عليهم بما أنا أعطيتك فضله ، وقل لهم : فليسألوني من فضلي ورحمتي ، فإنه لايملكها أحد غيري وأنا ذو الفضل العظيم. طوبى لك يا موسى كهف الخاطئين ، وجليس المضطرين ، ومستغفر للمذنبين إنك مني بالمكان الرضي ، فادعني بالقلب النقي ، واللسان الصادق ، وكن كما أمرتك ، أطع أمري ، ولا تستطل على عبادي بما ليس منك مبتدؤه ، وتقرب إلي فإني منك قريب ، فإني لم أسألك ما يؤذيك ثقله ولا حمله ، إنما سألتك أن تدعوني فأجيبك ، وأن تسألني فأعطيك ، وأن تتقرب إلي بما مني أخذت تأويله ، وعلي تمام تنزيله. يا موسى ، انظر إلى الأرض ، فإنها عن قريب قبرك ، وارفع عينيك إلى السماء ، فإن فوقك فيها ملكا عظيما ، وابك على نفسك ما دمت في الدنيا ، وتخوف العطب والمهالك ، ولا تغرنك زينة الدنيا وزهرتها ، ولا ترض بالظلم ، ولا تكن ظالما ، فإني للظالم رصيد حتى أديل منه المظلوم . يا موسى ، إن الحسنة عشرة أضعاف ، ومن السيئة الواحدة الهلاك ، لاتشرك بي ، لايحل لك أن تشرك بي ، قارب وسدد وادع دعاء الطامع الراغب فيما عندي ، النادم على ما قدمت يداه ، فإن سواد الليل يمحوه النهار ، وكذلك السيئة تمحوها الحسنة ، وعشوة الليل تأتي على ضوء النهار ، وكذلك السيئة تأتي على الحسنة الجليلة فتسودها».