Details

تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام


عن المعصومين عليهم السلام :

من طريق الراوة :



الحديث الشريف :
" وأما كلام الذئب له: فان رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله كان جالسا ذات يوم إذ جاء‌ه راع ترتعد فرائصه قد استفزعه العجب، فلما رآه رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله من بعيد قال لاصحابه: إن لصاحبكم هذا شأنا عجيبا. فلما وقف قال له رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: حدثنا بما أزعجك. قال الراعي: يا رسول الله أمر عجيب ! كنت في غنمي إذ جاء ذئب فحمل حملا فرميته بمقلاعي فانتزعته منه. ثم جاء إلى الجانب الايمن، فتناول منه حملا فرميته بمقلاعي فانتزعته منه ثم جاء إلى الجانب الايسر فتناول حملا فرميته، بمقلاعي فانتزعته ثم جاء إلى الجانب الآخر فتناول حملا فرميته بمقلاعي فانتزعته منه ثم جاء الخامسة هو وانثاه يريد أن يتناول حملا فأردت أن أرميه فأقعى على ذنبه وقال. أما تستحيي أن تحول بيني وبين رزق قد قسمه الله تعالى لي. أفما أحتاج أنا إلي غذاء أتغذى به؟ فقلت: ما أعجب هذا ! ذئب أعجم يكلمني ب‍ كلام الادميين. فقال لي الذئب: ألا أنبئك بما هو أعجب من كلامي لك؟ محمد رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله رسول رب العالمين بين الحرتين، يحدث الناس بأنباء ما قد سبق من الاولين ومالم يأت من الاخرين. ثم اليهود مع علمهم بصدقه، ووجودهم له في كتب رب العالمين بأنه أصدق الصادقين وأفضل الفاضلين يكذبونه ويجحدونه وهو بين الحرتين، وهو الشفاء النافع، ويحك يا راعي آمن به تأمن من عذاب الله، وأسلم له تسلم من سوء العذاب الاليم. فقلت له: والله لقد عجبت من كلامك، واستحييت من منعي لك ما تعاطيت أكله فدونك غنمي، فكل منها ماشئت لا ادافعك ولا امانعك. فقال لي الذئب: يا عبدالله احمد الله إذ كنت ممن يعتبر بآيات الله، وينقاد لامره لكن الشقي كل الشقي من يشاهد آيات محمد صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله في أخيه علي بن أبي طالب عليه ‌السلام وما يؤديه عن الله عزوجل من فضائله، ومايراه من وفور حظه من العلم الذي لا نظير له فيه، والزهد الذى لا يحاذيه أحد فيه، والشجاعة التى لا عدل له فيها ونصرته للاسلام التي لاحظ لاحد فيها مثل حظه. ثم يرى مع ذلك كله رسول الله يأمر بموالاته وموالاة أوليائه والتبري من أعدائه ويخبر أن الله تعالى لا يتقبل من أحد عملا وإن جل وعظم ممن يخالفه، ثم هو مع ذلك يخالفه، ويدفعه عن حقه ويظلمه، ويوالي أعداء‌ه، ويعادي أولياء‌ه إن هذا لاعجب من منعك إياي. قال الراعي: فقلت له: أيها الذئب أو كائن هذا؟ قال: بلى، و ما هو أعظم منه سوف يقتلونه باطلا، ويقتلون أولاده ويسبون حرمهم، و هم مع ذلك يزعمون أنهم مسلمون، فدعواهم أنهم على دين الاسلام مع صنيعهم هذا بسادة أهل الاسلام أعجب من منعك لي. لاجرم أن الله تعالى قد جعلنا معاشر الذئاب - أنا ونظرائي من المؤمنين - نمزقهم في النيران يوم فصل القضاء، وجعل في تعذيبهم شهواتنا، وفي شدائد آلامهم لذاتنا. قال الراعي: فقلت: والله لو لا هذه الغنم بعضها لي وبعضها أمانة في رقبتي لقصدت محمدا حتى أراه. فقال لي الذئب: يا عبدالله امض إلى محمد، واترك علي غنمك لارعاها لك. فقلت: كيف أثق بأمانتك؟ فقال لى: يا عبدالله إن الذي أنطقني ب‍ ما سمعت هو الذي يجعلني قويا أمينا عليها، أو لست مؤمنا بمحمد، مسلما له ما أخبر به عن الله تعالى في أخيه علي؟ فامض لشأنك فاني راعيك، والله عزوجل ثم ملائكته المقربون رعاة لي إذ كنت خادما لولي علي عليه ‌السلام.فتركت غنمي على الذئب والذئبة وجئتك يا رسول الله. فنظر رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله في وجوه القوم، وفيها ما يتهلل سرورا به وتصديقا، وفيها ما تعبس شكا فيه وتكذيبا، يسر المنافقون إلى أمثالهم: هذا قد واطأه محمد على هذا الحديث ليختدع به الضعفاء الجهال. فتبسم رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله، وقال: لئن شككتم أنتم فيه فقد تيقنته أنا وصاحبي الكائن معي في أشرف المحال من عرش الملك الجبار، والمطوف به معي في أنهار الحيوان من دار القرار، والذي هو تلوي في قيادة الاخيار، والمتردد معي في الاصلاب الزاكيات، والمتقلب معي في الارحام الطاهرات، والراكض معي في مسالك الفضل، والذي كسي ما كسيته من العلم والحلم والعقل وشقيقي الذي انفصل مني عند الخروج إلى صلب عبدالله وصلب أبي طالب، وعديلي في اقتناء المحامد والمناقب علي بن أبي طالب عليه ‌السلام آمنت به أنا والصديق الاكبر، وساقي أوليائي من نهر الكوثر آمنت به أنا والفاروق الاعظم، وناصر أوليائي السيد الاكرم آمنت به أنا، ومن جعله الله محنة لاولاد الغي و رحمة لاولاد الرشد، وجعله للموالين له أفضل العدة آمنت به أنا، ومن جعله الله لديني قواما، ولعلومي علاما، وفي الحروب مقداما وعلى أعدائي ضرغاما، أسدا قمقاما. آمنت به أنا ومن سبق الناس إلا الايمان، فتقدمهم إلى رضا الرحمن، وتفرد دونهم بقمع أهل الطغيان، وقطع بحججه وواضح بيانه معاذير أهل البهتان آمنت به أنا وعلي بن أبي طالب الذي جعله الله لي سمعا وبصرا، ويدا ومؤيدا وسندا وعضدا، لا ابالي ب‍ من خالفني إذا وافقني، ولا أحفل بمن خذلني إذا وازرني، ولا أكترث بمن ازور عني إذا ساعدني. آمنت به أنا ومن زين الله به الجنان وبمحبيه، وملا طبقات النيران بمبغضيه وشانئيه، ولم يجعل أحدا من أمتي يكافيه ولا يدانيه، لن يضرني عبوس المتعبسين منكم إذا تهلل وجهه، ولا إعراض المعرضين منكم إذا خلص لي وده. ذاك علي بن أبي طالب، الذي لو كفر الخلق كلهم من أهل السماوات والارضين لنصر الله عزوجل به وحده هذا الدين، والذي لو عاداه الخلق كلهم لبرز إليهم أجمعين، باذلا روحه في نصرة كلمة الله رب العالمين، وتسفيل كلمات إبليس اللعين. ثم قال صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: هذا الراعي لم يبعد شاهده، فهلموا بنا إلى قطيعه ننظر إلى الذئبين فان كلمانا ووجدناهما يرعيان غنمه، وإلا كنا على رأس أمرنا. فقام رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ومعه جماعة كثيرة من المهاجرين والانصار، فلما رأوا القطيع من بعيد، قال الراعي: ذلك قطيعي. فقال المنافقون: فأين الذئبان؟ فلما قربوا، رأوا الذنئبين يطوفان حول الغنم يردان عنها كل شئ يفسدها فقال لهم رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: أتحبون أن تعلموا أن الذئب ماعنى غيري بكلامه؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: احيطوا بي حتي لا يراني الذئبان، فأحاطوا به صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله، فقال للراعي: يا راعي قل للذئب: من محمد الذي ذكرته من بين هؤلاء؟ فقال الراعي للذئب ماقاله رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله. قال: فجاء الذئب إلى واحد منهم وتنحى عنه، ثم جاء إلى آخر وتنحى عنه فما زال كذلك حتى دخل وسطهم، فوصل إلى رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله هو وأنثاه، وقالا: السلام عليك يا رسول رب العالمين وسيد الخلق أجمعين. ووضعها خدودهما على التراب، ومرغاها بين يديه، وقالا: نحن كنا دعاة إليك، بعثنا إليك هذا الراعي وأخبرناه بخبرك. فنظر رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله إلى المنافقين معه فقال: ما للكافرين عن هذا محيص، ولا للمنافقين عن هذا موئل ولا معدل. ثم قال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله هذه واحدة، قد علمتم صدق الراعي فيها، أفتحبون أن تعلموا صدقه في الثانية؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: أحيطوا بعلي بن أبي طالب عليه ‌السلام. ففعلوا، ثم نادى رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: أيها الذئبان إن هذا محمد، قد أشرتما للقوم إليه وعينتما عليه، فأشيرا وعينا علي بن أبي طالب الذي ذكرتماه بما ذكرتماه. قال: فجاء الذئبان، وتخللا القوم، وجعلا يتأملان الوجوه والاقدام، فكل من تأملاه أعرضا عنه، حتى بلغا عليا عليه ‌السلام فلما تأملاه مرغا في التراب أبدانهما، ووضعا على الارض بين يديه خدودهما، وقالا: السلام عليك يا حليف الندى، ومعدن النهى، ومحل الحجى وعالما بما في الصحف الاولى و وصي المصطفى. السلام عليك يا من أسعد الله به محبيه، وأشقى بعداوته شانئيه وجعله سيد آل محمد وذويه. السلام عليك يا من لو أحبه أهل الارض كما يحبه أهل السماء لصاروا خيار الاصفياء، ويا من لو أحسن بأقل قليل من أنفق في سبيل الله ما بين العرش إلى الثرى لانقلب بأعظم الخزي والمقت من العلي الاعلى. قال: فعجب أصحاب رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله الذين كانوا معه، وقالوا: يا رسول الله ما ظننا أن لعلي هذا المحل من السباع مع محله منك. قال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: فكيف لو رأيتم محله من سائر الحيوانات المبثوثات في البر والبحر، وفي السماوات والارض، والحجب والعرش والكرسي، والله لقد رأيت من تواضع أملاك سدرة المنتهى لمثال علي المنصوب بحضرتهم - ليشيعوا بالنظر إليه بدلا من النظر إلى علي كلما اشتاقوا إليه - ما يصغر في جنبه تواضع هذين الذئبين. وكيف لا يتواضع الاملاك وغيرهم من العقلاء لعلي عليه ‌السلام؟ وهذا رب العزة قد آلى(على نفسه) قسما حقا: لا يتواضع أحد لعلى عليه ‌السلام قدر شعرة إلا رفعه الله في علو الجنان مسيرة مائة ألف سنة. وإن التواضع الذي تشاهدون، يسير قليل في جنب هذه الجلالة والرفعة اللتين عنهما تخبرون ‏"


   Back to List