عن المعصومين عليهم السلام :
من طريق الراوة :
الحديث الشريف :
" وإن الله عزوجل اختار من الشهور شهر رجب، وشعبان، وشهر رمضان: فشعبان أفضل الشهور إلا مما كان من شهر رمضان، فانه أفضل منه، وإن الله عزوجل ينزل في شهر رمضان من الرحمة ألف ضعف ما ينزل في سائر الشهور، ويحشر شهر رمضان في أحسن صورة، فيقيمه في القيامة على قلة لا يخفى وهو عليها على أحد ممن ضمه ذلك المحشر، ثم يأمر، فيخلع عليه من كسوة الجنة وخلعها وأنواع سندسها وثيابها، حتى يصير في العظم بحيث لا ينفذه بصر، ولا يعي علم مقداره اذن ولا يفهم كنهه قلب. ثم يقال للمنادي من بطنان العرش: ناد ! فينادي: يا معشر الخلائق أما تعرفون هذا؟ فيجيب الخلائق يقولون: بلى لبيك داعي ربنا وسعديك، أما إننا لا نعرفه. ثم يقول منادي ربنا: هذا شهر رمضان ما أكثر من سعد به منكم؟ وما أكثر من شقي به؟ ألا فليأته كل مؤمن له، معظم بطاعة الله فيه، فليأخذ حظه من هذه الخلع فتقاسموها بينكم على قدر طاعتكم الله، وجدكم. قال: فيأتيه المؤمنون الذين كانوا لله فيه مطيعين، فيأخذون من تلك الخلع على مقادير طاعتهم التي كانت في الدنيا.فمنهم من يأخذ ألف خلعة، ومنهم من يأخذ عشرة آلاف. ومنهم من يأخذ أكثر من ذلك وأقل، فيشرفهم الله تعالى بكراماته. ألا وإن أقواما يتعاطون تناول تلك الخلع، يقولون في أنفسهم: لقد كنا بالله مؤمنين وله موحدين، وبفضل هذا الشهر معترفين، فيأخذونها، ويلبسونها، فتنقلب على أبدانهم مقطعات نيران، وسرابيل قطران، يخرج على كل واحد منهم بعدد كل سلكة من تلك الثياب أفعى وعقرب وحية، وقد تناولوا من تلك الثياب أعدادا مختلفة على قدر إجرامهم: كل من كان جرمه أعظم فعدد ثيابه أكثر. فمنهم الآخذ ألف ثوب، ومنهم الآخذ عشرة آلاف ثوب، ومنهم من يأخذ أكثر من ذلك، وإنها لاثقل على أبدانهم من الجبال الرواسي على الضعيف من الرجال، ولولا ما حكم الله تعالى بأنهم لا يموتون لماتوا من أقل قليل ذلك الثقل والعذاب. ثم يخرج عليهم بعدد كل سلكة في تلك السرابيل من القطران ومقطعات النيران أفعى وحية وعقرب وأسد ونمر وكلب من سباع النار، فهذه تنهشه، وهذه تلدغه وهذا يفترسه، وهذا يمزقه وهذا يقطعه. يقولون: يا ويلنا مالنا تحولت علينا هذه الثياب، وقد كانت من سندس واستبرق وأنواع خيار ثياب الجنة تحولت علينا مقطعات النيران، وسرابيل قطران وهي على هؤلاء ثياب فاخرة ملذذة منعمة؟ ! فيقال لهم: ذلك بما كانوا يطيعون في شهر رمضان وكنتم تعصون، وكانوا يعفون وكنتم تزنون، وكانوا يخشون ربهم وكنتم تجترئون، وكانوا يتقون السرقة وكنتم تسرقون، وكانوا يتقون ظلم عباد الله وكنتم تظلمون، فتلك نتائج أفعالهم الحسنة ! وهذه نتائج أفعالكم القبيحة. فهم في الجنة خالدون لا يشيبون فيها ولا يهرمون، ولا يحولون عنها ولا يخرجون ولا يقلقون فيها ولا يغتمون، بل هم فيها مسرورون، فرحون، مبتهجون، آمنون، مطمئنون لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وأنتم في النار خالدون، تعذبون فيها وتهانون، ومن نيرانها إلى زمهريرها تنقلون، وفي حميمها تغمسون، ومن زقومها تطعمون، وبمقامعها تقمعون وبضروب عذابها تعاقبون لا أحياء أنتم فيها ولاتموتون أبد الآبدين، إلا من لحقته منكم رحمة رب العالمين، فخرج منها بشفاعة محمد أفضل النبيين بعد مس العذاب الاليم والنكال الشديد. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عباد الله فكم من سعيد بشهر شعبان في ذلك، وكم من شقي هناك، ألا انبئكم بمثل محمد وآله؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: محمد في عباد الله كشهر رمضان في الشهور، وآل محمد في عباد الله كشهر شعبان في الشهور. وعلي بن أبي طالب عليه السلام في آل محمد كأفضل أيام شعبان ولياليه، وهو ليلة النصف ويومه. وسائر المؤمنين في آل محمد كشهر رجب في شهر شعبان، هم درجات عند الله وطبقات، فأجدهم في طاعة الله أقربهم شبها بآل محمد. ألا انبئكم برجل قد جعله الله من آل محمد كأوائل أيام رجب من أوائل أيام شعبان؟: قالوا: بلى يا رسول الله. قال: هو الذي يهتز عرش الرحمن بموته، وتستبشر الملائكة في السماوات بقدومه، وتخدمه في عرصات القيامة وفى الجنان من الملائكة ألف ضعف عدد أهل الدنيا من أول الدهر إلى آخره، ولا يميته الله في هذه الدنيا حتى يشفيه من أعدائه ويشفي صاحبا له، وأخا في الله مساعدا له على تعظيم آل محمد. قالوا: ومن ذلك يا رسول الله؟. قال: ها هو مقبل عليكم غضبانا، فأسألوه عن غضبه، فان غضبه لآل محمد خصوصا لعلي بن أبي طالب عليه السلام. فطمح القوم بأعناقهم، وشخصوا بأبصارهم، ونظروا، فاذا أول طالع عليهم "" سعد بن معاذ "" وهو غضبان، فأقبل، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله قال له: يا سعد أما إن غضب الله لما غضبت له أشد، فما الذي أغضبك؟ حدثنا بما قلته في غضبك حتى احدثك بما قالته الملائكة لمن قلت له، وما قالته الملائكة لله عزوجل وأجابها الله عزوجل به. فقال سعد: بأبي أنت وامي يا رسول الله، بينا أنا جالس على بابي، وبحضرتي نفر من أصحابي الانصار، إذ تمادى رجلان من الانصار، فرأيت في أحدهما النفاق فكرهت أن أدخل بينهما مخافة أن يزداد شرهما، وأردت أن يتكافا فلم يتكافا، وتماديا في شرهما حتى تواثبا إلى أن جرد كل واحد منهما السيف على صاحبه، فأخذ هذا سيفه وتسره، وهذا سيفه وترسه وتجاولا وتضاربا، فجعل كل واحد منهما يتقي سيف صاحبه بدرقته، وكرهت أن أدخل بينهما مخافة أن تمتد إلي يد خاطئة، وقلت في نفسي: اللهم انصر أحبهما لنبيك وآله. فما زالا يتجاولان ولا يتمكن واحد منهما من الاخر إلى أن طلع علينا أخوك علي ابن أبي طالب عليه السلام فصحت بهما: هذا علي بن أبي طالب عليه السلام لم توقراه؟ فوقراه وتكافا، فهذا أخو رسول الله صلى الله عليه وآله وأفضل آل محمد.فأما أحدهما، فانه لما سمع مقالتي رمى بسيفه ودرقته من يده. وأما الاخر فلم يحفل بذلك، فتمكن لاستسلام صاحبه منه، فقطعه بسيفه قطعا أصابه بنيف وعشرين ضربة، فغضبت عليه، ووجدت من ذلك وجدا شديدا، وقلت له: يا عبدالله بئس العبد أنت لم توقر أخا رسول الله، وأثخنت بالجراح من وقره، وقد كان ذلك قرنا كفيا بدفاعك عن نفسه، وما تمكنت منه إلا بتوقيره أخا رسول الله صلى الله عليه وآله. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فما الذي صنع علي بن أبي طالب عليه السلام لما كف صاحبك وتعدى عليه الآخر؟ قال: جعل ينظر إليه وهو يضربه بسيفه، لا يقول شيئا، ولا يمنعه ثم جاز وتركهما، وإن ذلك المضروب لعله باخر رمق. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا سعد لعلك تقدر أن ذلك الباغي المتعدي ظافر إنه ما ظفر، يغنم من ظفر بظلم؟ ! إن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من دنياه، إنه لا يحصد من المر حلو، ولا من الحلو مر. وأما غضبك لذلك المظلوم على ذلك الظالم فغضب الله له أشد من ذلك وغضب الملائكة على ذلك الظالم لذلك المظلوم. وأما كف علي بن أبي طالب عليه السلام عن نصرة ذلك المظلوم، فان ذلك لما أراد الله من إظهار آيات محمد في ذلك، لا احدثك يا سعد بما قال الله وقالته الملائكة. لذلك الظالم ولذلك المظلوم ولك، حتى تأتيني بالرجل المثخن فترى فيه آيات الله المصدقة لمحمد. فقال سعد: يا رسول الله، وكيف آتي به وعنقه متعلقة بجلدة رقيقة ويده ورجله كذلك، وإن حركته تميزت أعضاؤه وتفاصلت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا سعد إن الذي ينشئ السحاب ولا شئ منه حتى يتكاثف، ويطبق أكناف السماء وآفاتها ثم يلاشيه من بعد حتى يضمحل فلا ترى منه شيئا، لقادر - إن تميزت تلك الاعضاء - أن يؤلفها من بعد، كما ألفها إذ لم تكن شيئا. قال سعد: صدقت يا رسول الله. وذهب، فجاء بالرجل، ووضعه بين يدى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو بآخر رمق فلما وضعه انفصل رأسه عن كتفه، ويده عن زنده، وفخذه عن أصله. فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله الرأس في موضعه، واليد والرجل في موضعهما، ثم تفل على الرجل، ومسح يده على مواضع جراحاته وقال: اللهم أنت المحيي للاموات، والمميت للاحياء، والقادر على ما تشاء، وعبدك هذا مثخن بهذه الجراحات لتوقيره لاخي رسول الله علي بن أبي طالب عليه السلام، اللهم فأنزل عليه شفاء من شفائك، ودواء من دوائك، وعافية من عافيتك. قال: فوالذي بعثه بالحق نبيا، إنه لما قال ذلك التأمت الاعضاء، والتصقت وتراجعت الدماء إلى عروقها، وقام قائما سويا سالما صحيحا، لا بلية به، ولا يظهر على بدنه أثر جراحة، كأنه ما اصيب بشئ ألبتة. ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على سعد وأصحابه فقال: الآن بعد ظهور آيات الله لتصديق محمد، احدثكم بما قالت الملائكة لك ولصاحبك هذا ولذلك الظالم، إنك لما قلت لهذا العبد: أحسنت في كفك عن القتال توقيرا لعلي بن أبي طالب عليه السلام أخي محمد رسول الله، كما قلت لصاحبه: أسأت في تعديك على من كف عنك توقيرا لعلي بن أبي طالب عليه السلام وقد كان لك قرنا كفيا كفوا، قالت الملائكة كلها له: بئس ما صنعت يا عدو الله وبئس العبد أنت في تعديك على من كف عن دفعك عن نفسه توقيرا لعلي بن أبي طالب عليه السلام أخي محمد رسول الله صلى الله عليه وآله. وقال الله عزوجل: بئس العبد أنت يا عبدي في تعديك على من كف عنك توقيرا لاخي محمد ثم لعنه الله من فوق العرش، وصلى عليك يا سعد في حثك على توقير علي بن أبي طالب عليه السلام وعلى صاحبك في قبوله منك. ثم قالت الملائكة: يا ربنا لو أذنت لنا لانتقمنا من هذا المتعدي. فقال الله عزوجل: يا عبادي سوف امكن سعد بن معاذ بن الانتقام منهم، وأشفي غيظه حتى ينال فيهم بغيته، وامكن هذا المظلوم من ذلك الظالم وذويه بما هو أحب إليهما من إهلاككم لهذا المتعدي، إني أعلم ما لا تعلمون. فقالت الملائكة: يا ربنا أفتأذن لنا أن ننزل إلى هذا المثخن بالجراحات من شراب الجنة وريحانها لينزل به عليه الشفاء؟ فقال الله عزوجل: سوف أجعل له أفضل من ذلك ريق محمد - ينفث منه عليه - ومسح يده عليه، فيأتيه الشفاء والعافية، يا عبادي إني أنا المالك للشفاء، والاحياء والاماتة، والاغناء، والافقار، والاسقام، والصحة، والرفع، والخفض، والاهانة والاعزاز دونكم ودون سائر خلقي. قالت الملائكة: كذلك أنت يا ربنا. فقال سعد: يا رسول الله قد اصيب أكحلي هذا، وربما ينفجر منه الدم وأخاف الموت والضعف قبل أن أشفي من بني قريظة. فمسح عليه رسول الله صلى الله عليه وآله يده فبرأ إلى أن شفا الله صدره من بني قريظة فقتلوا عن آخرهم. وغنمت أموالهم وسبيت ذراريهم، ثم انفجر كلمه ومات، وصار إلى رضوان الله عزوجل. فلما رقأ دمه من جراحاته قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا سعد سوف يشفي الله بك غيظ المؤمنين، ويزداد لك غيظ المنافقين. فلم يلبث إلا يسيرا حتى كان حكم سعد في بني قريظة لما نزلوا بحكمه وهم تسع مائة وخمسون رجلا جلدا(6). شبابا ضرابين بالسيف فقال: أرضيتم بحكمي؟ قالوا: بلى. وهم يتوهمون أنه يستبقيهم(7) لما كان بينه وبنيهم من الرحم والرضاع والصهر قال: فضعوا أسلحتكم، فوضعوها، قال: اعتزلوا، فاعتزلوا، قال: سلموا حصنكم.فسلموه. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: احكم فيهم يا سعد. فقال: قد حكمت فيهم بأن يقتل رجالهم، وتسبى نساؤهم وذراريهم وتغنم أموالهم فلما سل المسلمون سيوفهم ليضعوا - عليهم(8) قال سعد: لا اريد هكذا يا رسول الله. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كيف تريد؟ اقترح، ولا تقترح العذاب، فان الله كتب الاحسان في كل شئ حتى في القتل. قال: يا رسول الله لا أقترح العذاب إلا على واحد، وهو الذي تعدى على صاحبنا هذا، لما كف عنه توقيرا لعلي بن أبي طالب عليه السلام، ورده نفاقه إلى إخوانه من اليهود فهو منهم، يؤتى واحد واحد منهم نضربه بسيف مرهف إلا ذاك، فانه يعذب به فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا سعد، ألا من اقترح على عدوه عذابا باطلا، فقد اقترحت أنت عذابا حقا. فقال سعد للفتى: قم بسيفك هذا إلى صاحبك المتعدي عليك، فاقتص منه. قال: تقدم إليه فما زال يضربه بسيفه حتى ضربه بنيف وعشرين ضربة كما كان ضربه هو فقال: هذا عدد ما ضربني به فقد كفاني. ثم ضرب عنقه، ثم جعل الفتى يضرب أعناق قوم يبعدون عنه، ويترك قوما يقربون في المسافة منه ثم كف وقال: دونكم. فقال سعد: فأعطني السيف، فأعطاه، فلم يميز أحدا، وقتل كل من كان أقرب إليه حتى قتل عددا منهم، ثم مل ورمى بالسيف وقال: دونكم.فما زال القوم يقتلونهم حتى قتلوا عن آخرهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للفتى: ما بالك قتلت من بعد في المسافة عنك وتركت من قرب؟ فقال: يا رسول الله كنت أتنكب عن القرابات وآخذ في الاجنبي. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وقد كان فيهم من كان ليس لك بقرابة وتركته، قال: يا رسول الله كان لهم على أياد في الجاهلية، فكرهت أن أتولى قتلهم، ولهم علي تلك الايادي. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما إنك لو شفعت إلينا فيهم لشفعناك. فقال: يا رسول الله ماكنت لادرأ عذاب الله من أعدائه، وإن كنت أكره أن أتولاه بنفسي. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لسعد: وأنت فما بالك لم تميز أحدا. قال: يارسول الله عاديتهم في الله، وأبغضتهم في الله، فلا اريد مراقبة غيرك وغير محبيك، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا سعد أنت من الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم. فلما فرغ من آخرهم انفجر كلمه ومات. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هذا ولي من أولياء الله حقا، اهتز عرش الرحمن لموته ولمنزله في الجنة أفضل من الدنيا وما فيها، إلى سائر ما يكرم به فيها، حباه الله ما حباه. قوله عزوجل: "" ممن ترضون من الشهداء "" 282. "