عن المعصومين عليهم السلام :
من طريق الراوة :
الحديث الشريف :
" قال عليه السلام: وذلك أن المسلمين لما أصابهم يوم احد من المحن ماأصابهم لقي قوم من اليهود - بعده بأيام - عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان فقالوا لهما: ألم تريا ما أصابكم يوم احد؟ إنما يحرب كأحد طلاب ملك الدنيا، حربه سجالا، فتارة له وتارة عليه، فارجعوا عن دينه. فأما حذيفة فقال: لعنكم الله لا اقاعدكم ولا أسمع كلامكم أخاف على نفسي وديني وأفر بهما منكم. وقام عنهم يسعى. وأما عمار بن ياسر، فلم يقم عنهم ولكن قال لهم: معاشر اليهود إن محمدا وعد أصحابه الظفر يوم بدر إن صبروا فصبروا وظفروا، ووعدهم الظفر يوم احد أيضا إن صبروا، ففشلوا وخالفوا، فلذلك أصابهم ما أصابهم، ولو أنهم أطاعوا وصبروا ولم يخالفوا لما غلبوا. فقالت له اليهود: يا عمار وإذا أطعت أنت غلب محمد سادات قريش مع دقة ساقيك؟ فقال عمار: نعم، والله الذي لا إله إلا هو باعثه بالحق نبيا، لقد وعدني محمد من الفضل والحكمة ما عرفنيه من نبوته، وفهمنيه من فضل أخيه ووصيه وصفيه وخير من يخلفه بعده، والتسليم لذريته الطيبين المنتجبين، وأمرني بالدعاء بهم عند شدائدي ومهماتي وحاجاتي، ووعدني أنه لا يأمرني بشئ فاعتقدت فيه طاعته إلا بلغته حتى لو أمرني بحط السماء إلى الارض، أو رفع الارضين إلى السماوات لقوى عليه ربي بدني بساقي هاتين الدقيقتين. فقالت اليهود: كلا والله يا عمار، محمد أقل عند الله من ذلك، وأنت أوضع عند الله وعند محمد من ذلك،(لا ولا حجرا فيها أربعون منا). فقام عمار عنهم وقال: لقد أبلغتكم حجة ربي ونصحت لكم، ولكنكم للنصيحة كارهون، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له رسول الله: يا عمار قد وصل إلي خبركما، أما حذيفة فانه فر بدينه من الشيطان وأوليائه فهو من عباد الله الصالحين. وأما أنت يا عمار فانك قد ناضلت عن دين الله، ونصحت لمحمد رسول الله، فأنت من المجاهدين في سبيل الله، الفاضلين. فبينا رسول الله صلى الله عليه وآله وعمار يتحادثان إذ حضرت اليهود الذين كانوا كلموه فقالوا: يا محمد هاه صاحبك يزعم أنك إن أمرته برفع الارض إلى السماء أو حط السماء إلى الارض، فاعتقد طاعتك وعزم على الائتمار لك، لاعانه الله عليه، ونحن نقتصر منك ومنه على ما هو دون ذلك، إن كنت نبيا فقد قنعنا أن يحمل عمار - مع دقة ساقيه - هذا الحجر. وكان الحجر مطروحا بين يدي النبي صلى الله عليه وآله بظاهر المدينة يجتمع عليه مائتا رجل ليحركوه فلا يمكنهم. فقالوا له: يا محمد إن رام احتماله لم يحركه، ولو حمل في ذلك على نفسه لانكسرت ساقاه، وتهدم جسمه. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تحتقروا ساقيه، فانهما أثقل في ميزان حسناته من ثور وثبير وحراء وأبي قبيس، بل من الارض كلها وما عليها، وإن الله قد خفف بالصلاة على محمد وآله الطيبين ماهو أثقل من هذه الصخرة، خفف العرش على كواهل ثمانية من الملائكة بعد أن كان لا يطيقه معهم العدد الكثير، والجم الغفير. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عمار اعتقد طاعتي وقل: اللهم بجاه محمد وآله الطيبين قوني ليسهل الله لك ما أمرك به كما سهل على كالب بن يوحنا عبور البحر على متن الماء وهو على فرسه يركض عليه لسؤاله الله بجاهنا أهل البيت. فقالها عمار، واعتقدها، فحمل الصخرة فوق رأسه، وقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، والذي بعثك بالحق نبيا لهي أخف في يدي من خلالة أمسكها بها ! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: حلق بها في الهواء، فستبلغ بها قلة ذلك الجبل، - وأشار إلى جبل بعيد على قدر فرسخ - فرمى بها عمار، وتحلقت في الهواء حتى انحطت على ذروة ذلك الجبل. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لليهود: أو رأيتم؟ قالوا: بلى. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عمار قم إلى ذروة الجبل فستجد هناك صخرة أضعاف ما كانت، فاحتملها وأعدها إلى حضرتي. فخطا عمار خطوة وطويت له الارض، ووضع قدمه في الخطوة الثانية على ذروة الجبل، وتناول الصخرة المتضاعفة وعاد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله بالخطوة الثالثة. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعمار: اضرب بها الارض ضربة شديدة. فتهاربت اليهود وخافوا، فضرب بها عمار على الارض، فتفتت حتى صارت كالهباء المنثور وتلاشت. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: آمنوا أيها اليهود فقد شاهدتم آيات الله. فآمن بعضهم، وغلب الشقاء على بعضهم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أتدرون معاشر المسلمين ما مثل هذه الصخرة؟ فقالوا: لا يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: والذي بعثني بالحق نبيا إن رجلا من شيعتنا تكون له ذنوب وخطايا أعظم من جبال الارض، و من الارض كلها والسماء بأضعاف كثيرة فما هو إلا أن يتوب، ويجدد على نفسه ولايتنا أهل البيت إلا كان قد ضرب بذنوبه الارض أشد من ضرب عمار هذه الصخرة بالارض، وإن رجلا تكون له طاعات كالسماوات والارضين والجبال والبحار، فما هو إلا أن يكفر بولايتنا أهل البيت حتى يكون ضرب بها الارض أشد من ضرب عمار لهذه الصخرة بالارض، وتتلاشى وتتفتت كتفتت هذه الصخرة، فيرد الآخرة ولا يجد حسنة، وذنوبه أضعاف الجبال والارض والسماء فيشدد حسابه ويدوم عذابه. قال: فلما رأى عمار بنفسه تلك القوة التي جلد بها على الارض تلك الصخرة فتفتت، أخذته أريحية وقال: أفتأذن لي يا رسول الله أن اجالد هؤلاء اليهود فأقتلهم أجمعين بما اعطيته من هذه القوة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عمار إن الله تعالى يقول:(فاعفوا واصفحوا حتى يأتى الله بأمره) بعذابه، ويأتي بفتح مكة وسائر ما وعد. "