عن المعصومين عليهم السلام :
من طريق الراوة :
الحديث الشريف :
" قال الحسن بن على عليهما السلام فقلت لابي علي بن محمد عليهما السلام فهل كال الله صلى الله عليه وآله يناظرهم إذا عانتوه ويحاجهم؟ قال: بلى مرارا كثيرة منها: ما حكى الله من قولهم: (وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الاسواق لولا انزل إليه ملك) إلى قوله(رجلا مسحورا). (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم). (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا - إلى قوله - كتابا نقرؤه) ثم قيل له في آخر ذلك: لو كنت نبيا كموسى لنزلت علينا الصاعقة في مسألتنا إليك، لان مسألتنا أشد من مسألة قوم موسى لموسى. قال: وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان قاعدا ذات يوم بمكة بفناء الكعبة إذ اجتمع جماعة من رؤساء قريش منهم: الوليد بن المغيرة المخزومي، وأبوالبختري بن هشام وأبوجهل بن هشام، والعاص بن وائل السهمي، وعبدالله بن أبي امية المخزومي، وكان معهم جمع ممن يليهم كثير، ورسول الله صلى الله عليه وآله في نفر من أصحابه يقرأ عليهم كتاب الله ويؤدي إليهم عن الله أمره ونهيه. فقال المشركون بعضهم لبعض: لقد استفحل أمر محمد، وعظم خطبه فتعالوا نبدأ بتقريعه وتبكيته وتوبيخه، والاحتجاج عليه، وإبطال ماجاء به ليهون خطبه على أصحابه، ويصغر قدره عندهم، فلعله ينزع عما هو فيه من غيه وباطله وتمرده وطغيانه، فان انتهى وإلا عاملناه بالسيف الباتر. قال أبوجهل: فمن ذا الذي يلي كلامه ومجادلته؟ قال عبدالله بن أبي امية المخزومي: أنا إلى ذلك، أفما ترضاني له قرنا حسيبا، ومجادلا كفيا؟ قال أبوجهل: بلى. فأتوه بأجمعهم، فابتدأ عبدالله بن أبي امية المخزومي فقال: يا محمد، لقد أدعيت دعوى عظيمة، وقلت مقالا هائلا، زعمت أنك رسول الله رب العالمين، وما ينبغي لرب العالمين وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسولا له ! بشر مثلنا، تأكل كما نأكل، وتمشي في الاسواق كما نمشي، فهذا ملك الروم، وهذا ملك الفرس لا يبعثان رسولا إلا كثير المال، عظيم الحال، له قصور ودور وبساتين وفساطيط وخيام وعبيد وخدام، ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم أجمعين، فهم عبيده، ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك ونشاهده، بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبيا لكان إنما يبعث إلينا ملكا، لا بشرا مثلنا، ما أنت يا محمد إلا مسحورا، ولست بنبي. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هل بقي من كلامك شئ؟ قال: بلى، لو أراد الله أن يبعث رسولا لبعث أجل من فيما بيننا مالا، وأحسنه حالا، فهلا نزل هذا القرآن - الذي تزعم أن الله أنزله عليك، وابتعثك به رسولا - على رجل من القريتين عظيم: إما الوليد بن المغيرة بمكة، وإما عروة بن مسعود الثقفي بالطائف. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هل بقي من كلامك شئ يا عبدالله؟ قال: بلى، لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا بمكة هذه، فانها ذات حجارة وعرة وجبال، تكسح أرضها وتحفرها، وتجري فيها العيون، فاننا إلى ذلك محتاجون، أو تكون لك جنة من نخيل وعنب، فتأكل منها وتطعمنا، فتفجر الانهار خلالها - خلال تلك النخيل والاعناب - تفجيرا، أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا، فانك قلت لنا:(وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم ولعلنا نقول ذلك. ثم قال: ولن نؤمن لك أو تأتي بالله والملائكة قبيلا، تأتي به وبهم وهم لنا مقابلون أو يكون لك بيت من زخرف تعطينا منه، وتغنيا به فلعلنا نطغى، فانك قلت لنا:(كلا إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى). ثم قال: أو ترقى في السماء - أي تصعد في السماء - ولن نؤمن لرقيك - لصعودك - حتى تنزل علينا كتابا نقرأه: من الله العزيز الحكيم إلى عبدالله بن أبي امية المخزومي ومن معه بأن آمنوا بمحمد بن عبدالله بن عبدالمطلب، فانه رسولي وصدقوه في مقاله فانه من عندي. ثم لا أدري يا محمد إذا فعلت هذا كله اؤمن بك أو لا اؤمن بك، بل لو رفعتنا إلى السماء، وفتحت أبوابها وأدخلتناها لقلنا: إنما سكرت أبصارنا وسحرتنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عبدالله أبقي شئ من كلامك؟ قال: يا محمد أو ليس فيما أوردته عليك كفاية وبلاغ؟ مابقي شئ فقل ما بدا لك وافصح عن نفسك إن كانت لك حجة، وأتنا بما سألناك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: اللهم أنت السامع لكل صوت، والعالم بكل شئ تعلم ماقاله عبادك. فأنزل الله عليه: يا محمد(وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الاسواق - إلى قوله - رجلا مسحورا). ثم قال الله تعالى:(انظر كيف ضربوا لك الامثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا). ثم قال الله: يا محمد(تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الانهار ويجعل لك قصورا). وأنزل عليه: يا محمد(فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك) الآية. وأنزل عليه: يا محمد(وقالوا لولا انزل عليه ملك. ولو أنزلنا ملكا لقضي الامر - إلى قوله - وللبسنا عليهم ما يلبسون). فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عبدالله أما ما ذكرت من أني آكل الطعام كما تأكلون، وزعمت أنه لا يجوز لاجل هذه أن أكون لله رسولا، فانما الامر لله يفعل مايشاء ويحكم ما يريد، وهو محمود، ليس لك ولا لاحد الاعتراض عليه بلم وكيف. ألا ترى أن الله تعالى كيف أفقر بعضا وأغنى بعضا، وأعز بعضا، وأذل بعضا وأصح بعضا وأسقم بعضا، وشرف بعضا ووضع بعضا، وكلهم ممن يأكل الطعام. ثم ليس للفقراء أن يقولوا: لم أفقرتنا وأغنيتهم؟ ولا للوضعاء أن يقولوا: لم وضعتنا وشرفتهم؟ ولا للزمنى والضعفاء أن يقولوا: لم أزمنتنا وأضعفتنا وصححتهم؟ ولا للاذلاء أن يقولوا: لم أذللتنا وأعززتهم؟ ولا لقبائح الصور أن يقولوا: لم قبحتنا وجملتهم؟ بل إن قالوا ذلك كانوا على ربهم رادين، وله في أحكامه منازعين، وبه كافرين، ولكان جوابه لهم: إني أنا الملك، الخافض الرافع، المغني المفقر، المعز المذل، المصحح المسقم وأنتم العبيد ليس لكم إلا التسليم لي، والانقياد لحكمي، فان سلمتم كنتم عبادا مؤمنين، وإن أبيتم كنتم بي كافرين، وبعقوباتي من الهالكين. ثم أنزل الله تعالى عليه: يا محمد(قل إنما أنا بشر مثلكم) يعني آكل الطعام(يوحى إلي أنما الهكم إله واحد) يعني قل لهم: أنا في البشرية مثلكم، ولكن ربي خصني بالنبوة دونكم، كما يخص بعض البشر بالغناء والصحة والجمال دون بعض من البشر، فلا تنكرواأن يخصني أيضا بالنبوة. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وأما قولك: "" إن هذا ملك الروم، وملك الفرس لا يبعثان رسولا إلا كثير المال، عظيم الحال، له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام، ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم فهم عبيده "" فان الله له التدبير والحكم لا يفعل على ظنك وحسبانك، ولا باقتراحك، بل يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد وهو محمود ياعبدالله إنما بعث الله نبيه ليعلم الناس دينهم، ويدعوهم إلى ربهم، ويكد نفسه في ذلك آناء الليل وأطراف النهار، فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها وعبيد وخدم يسترونه عن الناس أليس كانت الرسالة تضيع والامور تتباطأ ما؟ أو ترى الملوك إذا احتجبوا كيف يجرى الفساد والقبائح من حيث لا يعلمون به ولا يشعرون؟ يا عبدالله وإنما بعثني الله ولا مال لي ليعرفكم قدرته وقوته، وأنه هو الناصر لرسوله، لا تقدرون على قتله ولا منعه من رسالته، فهذا أبين في قدرته وفي عجزكم وسوف يظفرني الله بكم فاوسعكم قتلا وأسرا، ثم يظفرني الله ببلادكم، و يستولي عليها المؤمنون من دونكم، ودون من يوافقكم على دينكم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وأما قولك لي: "" ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك ونشاهده، بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبيا لكان إنما يبعث ملكا لا بشرا مثلنا "" فالملك لا تشاهده حواسكم، لانه من جنس هذا الهواء، لا عيان منه، ولو شاهدتموه - بأن يزاد في قوى أبصاركم - لقلتم: ليس هذا ملكا، بل هذا بشر، لانه إنما كان يظهر لكم بصورة البشر الذي قد ألفتموه لتفهموا عنه مقاله، وتعرفوا به خطابه ومراده، فكيف كنتم تعلمون صدق الملك وأن مايقوله حق؟ بل إنما بعث الله بشرا، وأظهر على يده المعجزات التي ليست في طبائع البشر الذين قد علمتم ضمائر قلوبهم، فتعلمون بعجزكم عما جاء به أنه معجزة وأن ذلك شهادة من الله تعالى بالصدق له، ولو ظهر لكم ملك وظهر على يده ما يعجز عنه البشر، لم يكن في ذلك ما يدلكم أن ذلك ليس في طبائع سائر أجناسه من الملائكة حتى يصير ذلك معجزا. ألا ترون أن الطيور التي تطير ليس ذلك منها بمعجز، لان لها أجناسا يقع منها مثل طيرانها، ولو أن آدميا طار كطيرانها كان ذلك معجزا، فالله عزوجل سهل عليكم الامر، وجعله بحيث تقوم عليكم حجته، وأنتم تقترحون عمل الصعب الذي لا حجة فيه. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وأما قولك: "" ما أنت إلا رجلا مسحورا "" فكيف أكون كذلك، وقد تعلمون أني في صحة التمييز والعقل فوقكم؟ فهل جربتم علي منذ نشأت إلى أن استكملت أربعين سنة جريرة أو زلة أو كذبة أو خيانة أو خطأ من القول، أو سفها من الرأي؟ أتظنون أن رجلا يعتصم طول هذه المدة بحول نفسه وقوتها أو بحول الله وقوته؟ وذلك ما قال الله تعالى:(انظر كيف ضربوا لك الامثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا) إلى أن يثبتوا عليك عمى بحجة أكثر من دعاويهم الباطلة التي تبين عليك تحصيل بطلانها. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وأما قولك: لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم: الوليد بن المغيرة بمكة أو عروة بالطائف، فان الله تعالى ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظمه أنت، ولا خطر له عنده كما له عندك، بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقى كافرا به، مخالفا له شربة ماء، وليس قسمة رحمة الله إليك، بل الله هو القاسم للرحمات، والفاعل لما يشاء في عبيده وإمائه، وليس هو عزوجل ممن يخاف أحدا كما تخافه أنت لماله وحاله، فتعرفه بالنبوة لذلك، ولا ممن يطمع في أحد في ماله أو في حاله كما تطمع، فتخصه بالنبوة لذلك، ولا ممن يحب أحدا محبة الهوى كما تحب، فتقدم من لا يستحق التقديم. وإنما معاملته بالعدل، فلا يؤثر بأفضل مراتب الدين وجلاله إلا الافضل في طاعته والاجد في خدمته وكذلك لايؤخر في مراتب الدين وجلاله إلا أشدهم تباطؤا عن طاعته، وإذا كان هذا صفته لم ينظر إلى مال ولا إلى حال بل هذا المال والحال من تفضله، وليس لاحد من عباده عليه ضربة لازب. فلا يقال: إذا تفضل بالمال على عبده فلابد من أن يتفضل عليه بالنبوة أيضا لانه ليس لاحد إكراهه، على خلاف مراده ولا إلزامه تفضلا، لانه تفضل قبله بنعمه. ألا ترى يا عبدالله كيف أغنى واحدا وقبح صورته؟ وكيف حسن صورة واحد وأفقره؟ وكيف شرف واحدا وأفقره؟ وكيف أغنى واحدا ووضعه؟ ثم ليس لهذا الغني أن يقول: وهلا اضيف إلى يساري جمال فلان؟ ولا للجميل أن يقول: هلا اضيف إلى جمالي مال فلان؟ ولا للشريف أن يقول: هلا اضيف إلى شرفي مال فلان؟ ولا للوضيع أن يقول: "" هلا اضيف إلى ضعتي شرف فلان؟ ولكن الحكم لله، يقسم كيف يشاء ويفعل كما يشاء، وهو حكيم في أفعاله، محمود في أعماله وذلك قوله تعالى:(وقالوا لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم. قال الله تعالى:(أهم يقسمون رحمت ربك - يا محمد؟ - نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) فأحوجنا بعضا إلى بعض، أحوجنا: هذا إلى مال ذلك وأحوج ذاك إلى سلعة هذا، وهذا إلى خدمته، فترى أجل الملوك وأغنى الاغنياء محتاجا إلى أفقر الفقراء في ضرب من الضروب: إما سلعة معه ليست معه، وإما خدمة يصلح لها لا يتهيأ لذلك الملك أن يستغني إلا به، وإما باب من العلوم والحكم، فهو فقير إلى أن يستفيدها من هذا الفقير، فهذا الفقير يحتاج إلى مال ذلك الملك الغني، وذلك الملك يحتاج إلى علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته، ثم ليس للفقير أن يقول: هلا: اجتمع إلى رأيي وعلمي وما أتصرف فيه من فنون الحكم مال هذا الملك الغني؟ ولا للملك أن يقول هلا اجتمع إلى ملكي علم هذا الفقير. ثم قال:(ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا). ثم قال: يا محمد(ورحمت ربك خير مما يجمعون) يجمع هؤلاء من أموال الدنيا. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وأما قولك: "" لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا "" إلى آخر ماقلته، فانك اقترحت على محمد رسول الله أشياء: منها ما لو جاءك به لم يكن برهانا لنبوته، ورسول الله يرتفع عن أن يغتنم جهل الجاهلين، ويحتج عليهم بما لا حجة فيه. ومنها ما لو جاءك به لكان معه هلاكك، وإنما يؤتي بالحجج والبراهين ليلزم عباد الله الايمان بها، لا ليهلكوا بها، فانما اقنرحت هلاكك، ورب العالمين أرحم بعباده، وأعلم بمصالحهم من أن يهلكهم كما يقترحون. ومنها المحال الذي لا يصح ولا يجوز كونه، ورسول الله رب العالمين يعرفك ذلك، ويقطع معاذيرك، ويضيق عليك سبيل مخالفته، ويلجئك بحجج الله إلى تصديقه حتى لا يكون لك عنه محيد ولا محيص. ومنها ما قد اعترفت على نفسك أنك فيه معاند متمرد، لا تقبل حجة ولا تصغي إلى برهان، ومن كان كذلك فدواؤه عقاب النار النازل من سمائه أو في جحيمه أو بسيوف أوليائه. وأما قولك يا عبدالله: "" لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا بمكة فأنها ذات حجارة وصخور وجبال، تكسح أرضها وتحفرها، وتجري فيها العيون فاننا إلى ذلك محتاجون "" فانك سألت هذا وأنت جاهل بدلائل الله تعالى. يا عبدالله أرأيت لو فعلت هذا، كنت من أجل هذا نبيا؟ أرأيت الطائف التى لك فيها بساتين؟ أما كان هناك مواضع فاسدة صعبة أصلحتها وذللتها وكسحتها وأجريت فيها عيونا استنبطتها؟ قال: بلى. قال: وهل لك في هذا نظراء؟ قال: بلى. أفصرت بذلك أنت وهم أنبياء؟ قال: لا. قال: فكذلك لا يصير هذا حجة لمحمد لو فعله على نبوته، فما هو إلا كقولك: لن نؤمن لك حتى تقوم وتمشي على الارض أو حتى تأكل الطعام كما يأكل الناس. واما قولك يا عبدالله: "" أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمنا وتفجر الانهار خلالها تفجيرا "" أو ليس لاصحابك ولك جنات من نخيل وعنب بالطائف تأكلون وتطعمون منها، وتفجرون الانهار خلالها تفجيرا؟ أفصرتم أنبياء بهذا؟ قال: لا. قال: فما بال اقتراحكم على رسول الله أشياء، لو كانت كما تقترحون لما دلت على صدقه، بل لو تعاطاها لدل تعاطيه إياها على كذبه، لانه حينئذ يحتح بما لا حجة فيه، ويختدع الضعفاء عن عقولهم وأديانهم ورسول رب العالمين يجل ويرتفع عن هذا. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عبدالله واما قولك: "" أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا، فأنك قلت: وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم "" فان في سقوط السماء عليكم هلاككم وموتكم. فانما تريد بهذا من رسول الله أن يهلكك، ورسول رب العالمين أرحم بك من ذلك ولا يهلكك، ولكنه يقيم عليك حجج الله، وليس حجج الله لنبيه وحده على حسب اقتراح عباده. لان العباد جهال بما يجوز من الصلاح، وبما لا يجوز منه، وبالفساد وقد يختلف اقتراحهم ويتضاد حتى يستحيل وقوعه. إذ لو كانت إقتراحاتهم واقعة لجاز أن تقترح أنت أن تسقط السماء عليكم، ويقترح غيرك أن لا تسقط عليكم السماء بل أن ترفع الارض إلى السماء، وتقع السماء عليها، وكان ذلك يتضاد، ويتنافى أو يستحيل وقوعه والله لا يجري تدبيره على ما يلزم به المحال. ثم قال الله رسول الله صلى الله عليه وآله: وهل رأيت يا عبدالله طبيبا كان دواؤه للمرضى على حسب اقتراحاتهم، وانما يفعل بهم ما يعلم صلاحهم فيه، أحبه العليل أو كرهه، فأنتم المرضى والله طبيبكم، فان انقدتم لدوائه شفاكم، وإن تمردتم عليه أسقمكم، وبعد، فمتى رأيت يا عبدالله مدعي حق قبل رجل أوجب عليه حاكم من حكامهم - فيما مضى - بينة على دعواه على حسب اقتراح المدعى عليه؟ إذن ما كان يثبت لاحد على أحد دعوى ولا حق، ولا كان بين ظالم من مظلوم ولا صادق من كاذب فرق. ثم قال: يا عبدالله واما قولك: "" أو تاتى بالله والملائكة قبيلا يقابلوننا ونعاينهم "" فان هذا من المحال الذي لا خفاء به، إن ربنا عزوجل ليس كالمخلوقين يجئ ويذهب، ويتحرك ويقابل شيئا حتى يؤتى به، فقد سألتم بهذا المحال، وإنما هذا الذي دعوت إليه صفة أصنامكم الضعيفة المنقوصة التي لا تسمع ولا تبصر وتعلم ولا تغني عنكم شيئا ولا عن أحد. يا عبدالله أو ليس لك ضياع وجنان بالطائف وعقار بمكة وقوام عليها؟ قال: بلى. قال: أفتشاهد جميع أحوالها بنفسك أو بسفراء بينك وبين معامليك؟ قال: بسفرائي. قال: أرأيت لو قال معاملوك وأكرتك وخدمك لسفرائك: لا نصدقكم في هذه السفارة إلا أن تأتونا بعبدالله بن أبي امية لنشاهد فنسمع ماتقولون عنه شفاها. كنت تسوغهم هذا، أو كان يجوز لهم عندك ذلك؟ قال: لا. قال: فما الذي يجب على سفرائك؟ أليس أن يأتوهم عنك بعلامة صحيحة تدلهم على صدقهم، فيجب عليهم أن يصدقوهم؟ قال: بلى. قال: يا عبدالله أرأيت سفيرك لو أنه لما سمع منهم هذا، عاد إليك وقال: قم معي فانهم قد اقترحوا علي مجيئك، أليس يكون هذا لك مخالفا، وتقول له: إنما أنت رسولا لا مشير ولا آمر؟ قال: بلى. قال: فكيف صرت تقترح على رسول رب العالمين ما لا تسوغ لاكرتك ومعامليك أن يقترحوه على رسولك إليهم؟ وكيف أردت من رسول رب العالمين أن يستذم إلى ربه، بأن يأمر عليه وينهى، وأنت لا تسوغ مثل هذا لرسولك إلى أكرتك وقوامك؟ هذه حجة قاطعة لابطال جميع ما ذكرته في كل ما اقترحته يا عبدالله. واما قولك يا عبدالله: "" أو يكون لك بيت من زخرف "" وهو الذهب، أما بلغك أن لعزيز مصر بيوتا من زخرف؟ قال: بلى. قال: أفصار بذلك نبيا؟ قال: لا. قال: فكذلك لا يوجب ذلك لمحمد - لو كان له - نبوة، ومحمد لا يغتنم جهلك بحجج الله. واما قولك يا عبدالله: "" أو ترقى في السماء "". ثم قلت: "" ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه "" يا عبدالله ! الصعود إلى السماء أصعب من النزول عنها، وإذا اعترفت على نفسك بأنك لا تؤمن إذا صعدت فكذلك حكم النزول. ثم قلت: "" حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه، ومن بعد ذلك لا أدري اومن بك أولا اؤمن بك "" فأنت يا عبدالله مقر بأنك تعاند حجة الله عليك، فلا دواء لك إلا تأديبه لك على يد أوليائه من البشر، أو ملائكته: الزبانية، وقد أنزل الله تعالى علي حكمة جامعة لبطلان كل ما اقترحته. فقال تعالى:(قل - يا محمد - سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا) ما أبعد ربي عن أن يفعل الاشياء على قدر ما يقترحه الجهال بما يجوز وبما لا يجوز وهل كنت إلا بشرا رسولا، لا يلزمني إلا إقامة حجة الله التي أعطاني، وليس لي أن آمر على ربي ولا أنهى ولا اشير، فأكون كالرسول الذي بعثه ملك إلى قوم من مخالفيه فرجع إليه يأمره أن يفعل بهم ما اقترحوه عليه. فقال ابوجهل: يا محمد هاهنا واحدة، ألست زعمت أن قوم موسى احترقوا بالصاعقة لما سألوه أن يريهم الله جهرة؟ قال: بلى. قال: فلو كنت نبيا لاحترقنا نحن أيضا، فقد سألنا أشد مما سأل قوم موسى عليه السلام لانهم بزعمك قالوا: "" أرنا الله جهرة "" ونحن قلنا: "" لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلا نعاينهم "". "