Details

تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام


عن المعصومين عليهم السلام :

من طريق الراوة :



الحديث الشريف :
" قال عليه ‌السلام: وذلك أن رسول الله لما كان بمكة أمره الله تعالى أن يتوجه نحو بيت المقدس في صلاته، ويجعل الكعبة بينه وبينها إذا أمكن، وإذا لم يتمكن استقبل بيت المقدس كيف كان. وكان رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله يفعل ذلك طول مقامه بها ثلاث عشرة سنة. فلما كان بالمدينة، وكان متعبدا باستقبال بيت المقدس استقبله وانحرف عن الكعبة سبعة عشر شهرا، وجعل قوم من مردة اليهود يقولون: والله ما درى محمد كيف صلى حتى صار يتوجه إلى قبلتنا، ويأخذ في صلاته بهدينا ونسكنا. فاشتد ذلك على رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله لما اتصل به عنهم، وكره قبلتهم وأحب الكعبة فجاء‌ه جبرئيل عليه ‌السلام فقال له رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: يا جبرئيل لوددت لو صرفني الله عن بيت المقدس إلى الكعبة، فقد تأذيت بما يتصل بي من قبل اليهود من قبلتهم. فقال جبرئيل عيه السلام: فاسأل ربك ان يحولك إليها فانه لا يردك عن طلبتك، ولا يخيبك عن بغيتك. فلما استتم دعاء‌ه صعد جبرئيل عليه ‌السلام ثم عاد من ساعته فقال: اقرأ يا محمد:(قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) الايات. فقالت اليهود عند ذلك:(ما ولاهم عن قلتهم التي كانوا عليها؟) فأجابهم الله أحسن جواب فقال:(قل لله المشرق والمغرب) وهو يملكهما وتكليفه التحول إلى جانب كتحويله لكم إلى جانب آخر(يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) وهو مصلحتهم، وتؤديهم طاعتهم إلى جنات النعيم. قال أبومحمد عليه ‌السلام: وجاء قوم من اليهود إلى رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله فقالوا: يا محمد هذه القبلة بيت المقدس قد صليت إليها أربع عشرة سنة ثم تركتها الآن أفحقا كان ماكنت عليه؟ فقد تركته إلى باطل، فان ما يخالف الحق فهو باطل. أو باطلا كان ذلك؟ فقد كنت عليه طول هذه المدة، فما يؤمننا أن تكون إلى الآن على باطل؟ فقال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: بل ذلك كان حقا، وهذا حق، يقول الله:(قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) إذا عرف صلاحكم يا أيها العباد في استقبال المشرق أمركم به، وإذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب أمركم به، وإن عرف صلاحكم في غيرهما أمركم به فلا تنكروا تدبير الله تعالى في عباده وقصده إلى مصالحكم. ثم قال لهم رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: لقد تركتم العمل يوم السبت، ثم عملتم بعده من سائر الايام، ثم تركتموه في السبت، ثم عملتم بعده، أفتركتم الحق إلى الباطل أو الباطل إلى حق؟ أو الباطل إلى باطل أو الحق إلى حق؟ قولوا كيف شئتم فهو قول محمد وجوابه لكم. قالوا: بل ترك العمل في السبت حق والعمل بعده حق. فقال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: فكذلك قبلة بيت المقدس في وقته حق، ثم قبلة الكعبة في وقته حق. فقالوا له: يا محمد أفبدا لربك فيما كان أمرك به بزعمك من الصلاة إلى بيت المقدس حين نقلك إلى الكعبة؟ فقال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: ما بدا له عن ذلك، فانه العالم بالعواقب، والقادر على المصالح، لا يستدرك على نفسه غلطا، ولا يستحدث رأيا بخلاف المتقدم، جل عن ذلك، ولا يقع أيضا عليه مانع يمنعه من مراده، وليس يبدو إلا لمن كان هذا وصفه وهو عزوجل يتعالى عن هذه الصفات علوا كبيرا. ثم قال لهم رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: أيها اليهود أخبروني عن الله، أليس يمرض ثم يصح، ويصح ثم يمرض؟ أبدا له في ذلك؟ أليس يحيي ويميت أبدا له؟ أليس يأتي بالليل في أثر النهار، والنهار في أثر الليل؟ أبدا له في كل واحد من ذلك؟ فقالوا: لا. قال: فكذلك الله تعالى تعبد نبيه محمدا بالصلاة إلى الكعبة بعد أن كان تعبده بالصلاة إلى بيت المقدس، وما بدا له في الاول. ثم قال: أليس الله يأتي بالشتاء في أثر الصيف، والصيف في أثر الشتاء؟ أبدا له في كل واحد من ذلك؟ قالوا: لا. قال: فكذلك لم يبد له في القبلة. قال، ثم قال: أليس قد ألزمكم في الشتاء أو تحترزوا من البرد بالثياب الغليظة؟ وألزمكم في الصيف أن تحترزوا من الحر؟ أفبدا له في الصيف حتى أمركم بخلاف ماكان أمركم به في الشتاء؟ قالوا: لا. فقال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: فكذلكم الله تعالى تعبدكم في وقت لصلاح يعلمه بشئ ثم بعده في وقت آخر لصلاح آخر يعلمه بشئ آخر، فاذا أطعتم الله في الحالين استحققتم ثوابه. وأنزل الله:(ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله).أي إذا توجهتم بأمره، فثم الوجه الذي تقصدون منه الله وتأملون ثوابه. ثم قال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: يا عباد الله أنتم كالمريض والله رب العالمين كالطبيب فصلاح المريض فيما يعلمه الطبيب ويدبره به، لا فيما يشتهيه المريض ويقترحه ألا فسلموا لله أمره تكونوا من الفائزين. فقيل: يابن رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله، فلم أمر بالقبلة الاولى؟ فقال: لما قال الله عزوجل:(وما جعلنا القبلة التي كنت عليها - وهي بيت المقدس - إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه) إلا لنعلم ذلك منه موجودا بعد أن علمناه سيوجد. وذلك أن هوى أهل مكة كان في الكعبة، فأراد الله أن يبين متبع محمد من مخالفه باتباع القبلة التى كرهها، ومحمد يأمر بها، ولما كان هوى أهل المدينة في بيت المقدس، أمرهم بمخالفتها والتوجه إلى الكعبة ليتبين من يوافق محمدا فيما يكرهه، فهو مصدقه وموافقه. ثم قال:(وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله) أي كان التوجه إلى بيت المقدس في ذلك الوقت كبيرة إلا على من يهدي الله، فعرف أن الله يتعبد بخلاف ما يريده المرء ليبتلي طاعته في مخالفة هواه. قوله عزوجل: "" أم تريدون أن تسئلوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالايمان فقد ضل سواء السبيل "": 108. "


   Back to List