عن المعصومين عليهم السلام :
من طريق الراوة :
الحديث الشريف :
" ثم ان رسول الله صلى الله عليه وآله أمر بالرحيل في أول نصف الليل الاخير، وأمر مناديه فنادى: ألا لايسبقن رسول الله صلى الله عليه وآله أحد إلى العقبة، ولا يطأها حتى يجاوزها رسول الله صلى الله عليه وآله. ثم أمر حذيفة أن يقعد في أصل العقبة، فينظر من يمر به، ويخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وكان رسول الله صلى الله عليه وآله أمره أن يستتر بحجر. فقال حذيفة: يا رسول الله إني أتبين الشر في وجوه رؤساء عسكرك، وإني أخاف إن قعدت في أصل الجبل، وجاء منهم من أخاف أن يتقدمك إلى هناك للتدبير عليك يحس بي، فيكشف عني، فيعرفني وموضعي من نصيحتك فيتهمني ويخافني فيقتلني. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنك إذا بلغت أصل العقبة، فاقصد أكبر صخرة هناك إلى جانب أصل العقبة وقل لها: "" إن رسول الله صلى الله عليه وآله يأمرك أن تنفرجي لي حتى أدخل في جوفك، ثم يأمرك أن ينثقب فيك ثقبة أبصر منها المارين، ويدخل علي منها الروح لئلا أكون من الهالكين "" فانها تصير إلى ما تقول لها باذن الله رب العالمين. فادى حذيفة الرسالة ودخل جوف الصخرة، وجاء الاربعة والعشرون على جمالهم وبين أيديهم رجالتهم، يقول بعضهم لبعض: من رأيتموه ههنا كائنا من كان فاقتلوه، لئلا يخبروا محمدا أنهم قد رأونا ههنا فينكص محمد، ولا يصعد هذه العقبة إلا نهارا، فيبطل تدبيرنا عليه. وسمعها حذيفة، واستقصوا فلم يجدوا أحدا، وكان الله قد ستر حذيفة بالحجر عنهم فتفرقوا، فبعضهم صعد على الجبل وعدل عن الطريق المسلوك، وبعضهم وقف على سفح الجبل عن يمين وشمال، وهم يقولون، ألا ترون حين محمد كيف أغراه بأن يمنع الناس من صعود العقبة حتى يقطعها هو لنخلوا به ههنا فنمضي فيه تدبيرنا وأصحابه عنه بمعزل؟ وكل ذلك يوصله الله من قريب أو بعيد إلى اذن حذيفة ويعيه. فلما تمكن القوم على الجبل حيث أرادوا كلمت الصخرة حذيفة وقالت: إنطلق الآن إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبره بما رأيت وما سمعت. قال حذيفة: كيف أخرج عنك وإن رآني القوم قتلوني مخافة على أنفسهم من نميمتي علهيم؟ قالت الصخرة: إن الذي مكنك من جوفي، وأوصل إليك الروح من الثقبة التي أحدثها في هو الذي يوصلك إلى نبي الله وينقذك من أعداء الله. فنهض حذيفة ليخرج، وانفرجت الصخرة، فحو له الله طائرا فطار في الهواء محلقا حتى انقض بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم أعيد على صورته، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بما رأى وسمع. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أوعرفتهم بوجوههم؟ قال: يا رسول الله كانوا متلثمين وكنت أعرف أكثرهم بجمالهم، فلما فتشوا الموضع فلم يجدوا أحدا، أحدروا اللثام فرأيت وجوههم وعرفتهم بأعيانهم وأسمائهم فلان وفلان حتى عد أربعة وعشرين. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا حذيفة إذا كان الله تعالى يثبت محمدا لم يقدر هؤلاء ولا الخلق أجمعون أن يزيلوه، إن الله تعالى بالغ في محمد أمره ولو كره الكافرون. ثم قال: يا حذيفة فانهض بنا أنت وسلمان وعمار، وتوكلوا على الله، فاذا جزنا الثنية الصعبة فأذنوا للناس أو يتبعونا. فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله وهو على ناقته وحذيفة وسلمان أحدهما آخذ بخطام ناقته يقودها، والآخر خلفها يسوقها، وعمار إلى جانبها، والقوم على جمالهم ورجالتهم منبثون حوالي الثنية على تلك العقبات، وقد جعل الذين فوق الطريق حجارة في دباب فدحرجوها من فوق لينفروا الناقة برسول الله صلى الله عليه وآله، وتقع به في المهوى الذي يهول الناظر النظر إليه من بعده. فلما قربت الدباب من ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله أذن الله تعالى لها، فارتفعت ارتفاعا عظيما فجاوزت ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم سقطت في جانب المهوى، ولم يبق منها شئ إلا صار كذلك، وناقة رسول الله صلى الله عليه وآله كأنها لا تحس بشئ من تلك القعقعات التي كانت للدباب. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعمار: اصعد الجبل فاضرب بعصاك هذه وجوه رواحلهم فارم بها. ففعل ذلك عمار، فنفرت بهم، سقط بعضهم فانكسر عضده، ومنهم من انكسرت رجله ومنهم من انكسر جنبه واشتدت لذلك أوجاعهم، فلما جبرت واندملت بقيت عليهم آثار الكسر إلى أن ماتوا. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله - في حذيفة وأمير المؤمنين عليه السلام -: إنهما أعلم الناس بالمنافقين، لقعوده في أصل العقبة ومشاهدته من مر سابقا لرسول الله صلى الله عليه وآله، وكفى الله رسوله أمر من قصد له، وعاد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة، فكسى الله الذل والعار من كان قعد عنه، وألبس الخزي من كان دبر على علي عليه السلام ما دفع الله عنه. قوله عزوجل:(وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون): 88 "