Details

تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام


عن المعصومين عليهم السلام :

من طريق الراوة :



الحديث الشريف :
" فقال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: ما أشخصك عن مركزك؟ قال: بلغني عن الناس كذا وكذا. فقال له: "" أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي "". فانصرف علي عليه ‌السلام إلى موضعه، فدبروا عليه أن يقتلوه، وتقدموا في أن يحفروا له في طريقه حفيرة طويلة قدر خمسين ذراعا، ثم غطوها بحصر رقاق ونثروا فوقها يسيرا من التراب، بقدر ما غطوا وجوه الحصر، وكان ذلك على طريق علي عليه ‌السلام الذى لابد له من سلوكه ليقع هو ودابته في الحفيرة التي قد عمقوها، وكان ما حوالي المحفور أرض ذات حجارة، ودبروا على أنه إذا وقع مع دابته في ذلك المكان كبسوه بالاحجار حتى يقتلوه. فلما بلغ على عليه ‌السلام قرب المكان لوى فرسه عنقه، وأطاله الله فبلغت جحفلته اذنه وقال: يا أمير المؤمنين قد حفر ههنا ودبر عليك الحتف - وأنت أعلم - لا تمر فيه. فقال له علي عليه ‌السلام: "" جزاك الله من ناصح خيرا، كما تدبر بتدبيري فان الله عزوجل لا يخليك من صنعه الجميل "".وسار حتى شارف المكان فتوقف الفرس خوفا من المرور على المكان. فقال علي عليه ‌السلام: سر باذن الله تعالى سالما سويا، عجيبا شأنك، بديعا أمرك. فتبادرت الدابة، فاذا الله عزوجل قد متن الارض وصلبها ولام حفرها وجعلها كسائر الارض. فلما جاوزها علي عليه ‌السلام لوى الفرس عنقه، ووضع جحفلته على اذنه، ثم قال: ما أكرمك على رب العالمين، جوزك على هذا المكان الخاوي؟ ! فقال أمير المؤمنين عليه ‌السلام: جازاك الله بهذه السلامة عن تلك النصيحة التي نصحتني. ثم قلب وجه الدابة إلى ما يلي كفلها والقوم معه بعضهم كان أمامه، وبعضهم خلفه، وقال: اكشفوا عن هذا المكان. فكشفوا عنه فاذا هو خاو، ولا يسير عليه أحد إلا وقع في الحفيرة، فأظهر القوم الفزع، والتعجبب مما رأوا. فقال على عليه ‌السلام للقوم: أتدرون من عمل هذا؟ قالوا: لا ندري. قال عليه ‌السلام: لكن فرسي هذا يدري. ثم قال: يا أيها الفرس كيف هذا؟ ومن دبر هذا؟ فقال الفرس: يا أمير المؤمنين إذا كان الله عزوجل يبرم ما يروم جهال الخلق نقضه أو كان ينقض ما يروم جهال الخلق إبرامه، فالله هو الغالب والخلق هم المغلوبون فعل هذا يا أمير المؤمنين فلان وفلان وفلان إلى أن ذكر العشرة بمواطاة من أربعة وعشرين، هم مع رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله في طريقه. ثم دبروا - هم - على أن يقتلوا رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله على العقبة والله عزوجل من وراء حياطة رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله، وولي الله لا يغلبه الكافرون. فأشار بعض أصحاب أمير المؤمنين عليه ‌السلام بأن يكاتب رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله بذلك ويبعث رسولا مسرعا، فقال أمير المؤمنين عليه ‌السلام: إن رسول الله إلى محمد رسوله الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله أسرع وكتابه إليه أسبق، فلا يهمنكم هذا. فلما قرب رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله من العقبة التي بازائها فضائح المنافقين والكافرين نزل دون العقبة، ثم جمعهم فقال لهم: هذا جبرئيل الوحي الامين يخبرني: "" إن عليا دبر عليه كذا وكذا، فدفع الله عزوجل عنه بألطافه وعجائب معجزاته بكذا وكذا، إنه صلب الارض تحت حافر دابته وأرجل أصحابه، ثم انقلب على ذلك الموضع علي عليه ‌السلام وكشف عنه، فرأيت الحفيرة ثم إن الله عزوجل لامها كما كانت لكرامته عليه، وأنه قيل له: كاتب بهذا وأرسل إلى رسول الله، فقال علي: رسول الله إلى رسول الله أسرع، وكتابه إليه أسبق "". ولم يخبرهم رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله بما قال علي عليه ‌السلام على باب المدينة: إن من مع رسول الله سيكيدونه ويدفع الله عزوجل عنه. فلما سمع الاربعة والعشرون أصحاب العقبة ما قاله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله في أمر علي عليه ‌السلام قال بعضهم لبعض: ما أمهر محمدا بالمخرقة، إن فيجا مسرعا أتاه، أو طيرا من المدينة من بعض أهله وقع عليه !؟ إن عليا قتل بحيلة كذا وكذا وهو الذى واطأنا عليه أصحابنا فهو الآن لما بلغه كتم الخبر، وقلبه إلى ضده، يريد أن يسكن من معه، لئلا يمدوا أيديهم على، وهيهات والله ما لبث عليا بالمدينة إلا حينه ولا أخرج محمدا إلى هاهنا إلا حينه وقد هلك علي وهو ههنا هالك لا محالة، ولكن تعالوا حتى نذهب إليه ونظهر له السرور بأمر علي ليكون أسكن لقلبه إلينا، إلى أن نمضي فيه تدبيرنا. فحضروه وهنؤوه على سلامة علي من الورطة التي رامها أعداؤه. اشارة إلى أن محبى على عليه ‌السلام أفضل من الملائكة ثم قالوا له: يا رسول الله أخبرنا عن علي أهو أفضل أم ملائكة الله المقربون؟ فقال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: وهل شرفت الملائكة إلا بحبها لمحمد وعلي وقبولها لولايتهما؟ إنه لا أحد من محبي على عليه ‌السلام وقد نظف قلبه من قذر الغش والدغل والغل ونجاسات الذنوب إلا كان أطهر وأفضل من الملائكة. وهل أمر الله الملائكة بالسجود لآدم إلا لما كانوا قد وضعوه في نفوسهم؟ إنه لا يصير في الدنيا خلق بعدهم إذا رفعوا عنها إلا وهم - يعنون أنفسهم - أفضل منه في الدين فضلا، وأعلم بالله وبنبيه علما. فأراد الله أن يعرفهم أنهم قد أخطأوا في ظنونهم واعتقاداتهم، فخلق آدم وعلمه الاسماء كلها، ثم عرضها عليهم، فعجزوا عن معرفتها، فأمر آدم أن ينبئهم بها، وعرفهم فضله في العلم عليهم. ثم أخرج من صلب آدم ذريته منهم الانبياء والرسل والخيار من عباد الله أفضلهم محمد، ثم آل محمد، ومن الخيار الفاضلين منهم أصحاب محمد وخيار امة محمد. وعرف الملائكة بذلك أنهم أفضل من الملائكة(إذا احتملوا) ما حملوه من الاثقال وقاسوا ما هم فيه من تعرض أعوان الشياطين ومجاهدة النفوس، واحتمال أذى ثقل العيال، والاجتهاد في طلب الحلال، ومعاناة مخاطرة الخوف من الاعداء - من لصوص مخوفين، ومن سلاطين جورة قاهرين - وصعوبة المسالك في المضائق والمخاوف، والاجزاع والجبال والتلال لتحصيل أقوات الانفس والعيال من الطيب الحلال. عرفهم الله عزوجل أن خيار المؤمنين يحتملون هذه البلايا، ويتخلصون منها ويحاربون الشياطين ويهزمونهم، ويجاهدون أنفسهم بدفعها عن شهواتها، ويغلبونها مع ما ركب فيهم من شهوة الفحولة وحب اللباس والطعام والعز والرئاسة، والفخر والخيلاء، ومقاساة العناء والبلاء من إبليس - لعنه الله - وعفاريته، وخواطرهم وإغوائهم واستهوائهم، ودفع ما يكابدونه من ألم الصبر على سماع الطعن من أعداء الله، وسماع الملاهي، والشتم لاولياء الله، ومع ما يقاسونه في أسفارهم لطلب أقواتهم والهرب من أعداء دينهم، والطلب لمن يأملون معاملته من مخالفيهم في دينهم. قال الله عزوجل: يا ملائكتي وأنتم من جميع ذلك بمعزل: لا شهوات الفحولة تزعجكم، ولا شهوة الطعام تحقركم ولا الخوف من أعداء دينكم ودنياكم ينخب في قلوبكم: ولا لابليس في ملكوت سماواتي وأرضي شغل على إغواء ملائكتي الذين قد عصمتهم منهم. يا ملائكتي فمن أطاعني منهم وسلم دينه من هذه الآفات والنكبات فقد احتمل في جنب محبتى ما لم تحتملوه، واكتسب من القربات ما لم تكتسبوه. فلما عرف الله ملائكته فضل خيار امة محمد صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله وشيعة علي عليه ‌السلام وخلفائه عليهم، واحتمالهم في جنب محبة ربهم ما لا تحتمله الملائكة أبان بني آدم الخيار المتقين بالفضل عليهم. ثم قال الله فلذلك فاسجدوا لآدم لما كان مشتملا على أنوار هذه الخلائق الافضلين. ‏"


   Back to List