اسم الكتاب : كتاب الجهاد
اسم الباب : باب من يجب عليه الجهاد ومن لا يجب
عن المعصومين عليهم السلام :
من طريق الراوة :
الحديث الشريف :
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بكر بن صالح ، عن القاسم بن بريد ، عن أبي عمرو الزبيري : عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قلت له : أخبرني عن الدعاء إلى الله والجهاد في سبيله : أهو لقوم لايحل إلا لهم ، ولا يقوم به إلا من كان منهم ، أم هو مباح لكل من وحد الله عز وجل ، وآمن برسوله صلى الله عليه وآله ، ومن كان كذا فله أن يدعو إلى الله عز وجل ، وإلى طاعته ، وأن يجاهد في سبيله ؟ فقال : « ذلك لقوم لايحل إلا لهم ، ولا يقوم بذلك إلا من كان منهم ». قلت : من أولئك؟ قال : « من قام بشرائط الله - عز وجل - في القتال والجهاد على المجاهدين ، فهو المأذون له في الدعاء إلى الله عز وجل ، ومن لم يكن قائما بشرائط الله - عز وجل - في الجهاد على المجاهدين ، فليس بمأذون له في الجهاد ولا الدعاء إلى الله ، حتى يحكم في نفسه ما أخذ الله عليه من شرائط الجهاد ». قلت : فبين لي يرحمك الله. قال : « إن الله - تبارك وتعالى - أخبر في كتابه الدعاء إليه ، و وصف الدعاة إليه ، فجعل ذلك لهم درجات يعرف بعضها بعضا ، ويستدل ببعضها على بعض ، فأخبر أنه - تبارك وتعالى - أول من دعا إلى نفسه ، ودعا إلى طاعته واتباع أمره ، فبدأ بنفسه ، فقال : ( والله يدعوا إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) ثم ثنى برسوله ، فقال : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) يعني بالقرآن ، ولم يكن داعيا إلى الله - عز وجل - من خالف أمر الله ، ويدعو إليه بغير ما أمر في كتابه ، والذي أمر أن لايدعى إلا به ، وقال في نبيه صلى الله عليه وآله : ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ) يقول : تدعو ، ثم ثلث بالدعاء إليه بكتابه أيضا ، فقال تبارك وتعالى : ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) أي يدعو ( ويبشر المؤمنين ) ثم ذكر من أذن له في الدعاء إليه بعده وبعد رسوله في كتابه ، فقال : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) ثم أخبر عن هذه الأمة ، وممن هي ، وأنها من ذرية إبراهيم ، ومن ذرية إسماعيل من سكان الحرم ممن لم يعبدوا غير الله قط ، الذين وجبت لهم الدعوة ، دعوة إبراهيم وإسماعيل من أهل المسجد ، الذين أخبر عنهم في كتابه أنه أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، الذين وصفناهم قبل هذا في صفة أمة محمد صلى الله عليه وآله ، الذين عناهم الله - تبارك وتعالى - في قوله : ( أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ) يعني أول من اتبعه على الإيمان به ، والتصديق له وبما جاء به من عند الله - عز وجل - من الأمة التي بعث فيها ومنها وإليها قبل الخلق ممن لم يشرك بالله قط ، ولم يلبس إيمانه بظلم وهو الشرك. ثم ذكر أتباع نبيه صلى الله عليه وآله وأتباع هذه الأمة التي وصفها في كتابه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وجعلها داعية إليه ، وأذن لها في الدعاء إليه ، فقال : ( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ) ثم وصف أتباع نبيه صلى الله عليه وآله من المؤمنين ، فقال عز وجل : ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل ) وقال : ( يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ) يعني أولئك المؤمنين ، وقال : ( قد أفلح المؤمنون ) ثم حلاهم و وصفهم كي لايطمع في اللحاق بهم إلا من كان منهم ، فقال فيما حلاهم به و وصفهم : ( الذين هم في صلاتهم خاشعون . والذين هم عن اللغو معرضون ) إلى قوله : ( أولئك هم الوارثون . الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ) وقال في صفتهم وحليتهم أيضا : ( الذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما . يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا ) ثم أخبر أنه ( اشترى من ) هؤلاء ( المؤمنين ) ومن كان على مثل صفتهم ( أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة و الإنجيل و القرآن ) ثم ذكر وفاءهم له بعهده ومبايعته ، فقال : ( و من أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ) . فلما نزلت هذه الآية : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ) قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله ، فقال : يا نبي الله ، أرأيتك : الرجل يأخذ سيفه ، فيقاتل حتى يقتل إلا أنه يقترف من هذه المحارم ، أشهيد هو؟ فأنزل الله - عز وجل - على رسوله : ( التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين ) ففسر النبي صلى الله عليه وآله المجاهدين من المؤمنين الذين هذه صفتهم وحليتهم بالشهادة والجنة ، وقال : ( التائبون ) من الذنوب ( العابدون ) : الذين لايعبدون إلا الله ، ولا يشركون به شيئا ( الحامدون ) : الذين يحمدون الله على كل حال في الشدة والرخاء ( السائحون ) وهم الصائمون ( الراكعون الساجدون ) : الذين يواظبون على الصلوات الخمس ، والحافظون لها والمحافظون عليها بركوعها وسجودها ، وفي الخشوع فيها وفي أوقاتها ( الآمرون بالمعروف ) بعد ذلك ، والعاملون به ( و الناهون عن المنكر ) و المنتهون عنه ، قال : فبشر من قتل وهو قائم بهذه الشروط بالشهادة والجنة. ثم أخبر - تبارك وتعالى - أنه لم يأمر بالقتال إلا أصحاب هذه الشروط ، فقال عز وجل : ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير . الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ) و ذلك أن جميع ما بين السماء والأرض لله - عز وجل - ولرسوله ولأتباعهم من المؤمنين من أهل هذه الصفة ، فما كان من الدنيا في أيدي المشركين والكفار والظلمة والفجار من أهل الخلاف لرسول الله صلى الله عليه وآله ، والمولي عن طاعتهما مما كان في أيديهم ظلموا فيه المؤمنين من أهل هذه الصفات وغلبوهم عليه مما أفاء الله على رسوله ، فهو حقهم أفاء الله عليهم ، ورده إليهم . و إنما معنى الفيء كل ما صار إلى المشركين ، ثم رجع مما كان قد غلب عليه أو فيه ، فما رجع إلى مكانه من قول أو فعل ، فقد فاء ؛ مثل قول الله عز وجل : ( للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤ فإن الله غفور رحيم ) أي رجعوا ، ثم قال : ( وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم ) وقال : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ) أي ترجع ( فإن فاءت ) أي رجعت ( فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ) يعني بقوله : ( تفيء ) ترجع. فذلك الدليل على أن الفيء كل راجع إلى مكان قد كان عليه أو فيه ، ويقال للشمس إذا زالت : قد فاءت الشمس حين يفيء الفيء عند رجوع الشمس إلى زوالها ، وكذلك ما أفاء الله على المؤمنين من الكفار ، فإنما هي حقوق المؤمنين رجعت إليهم بعد ظلم الكفار إياهم ، فذلك قوله : ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ) ما كان المؤمنون أحق به منهم ، وإنما أذن للمؤمنين الذين قاموا بشرائط الإيمان التي وصفناها ، وذلك أنه لايكون مأذونا له في القتال حتى يكون مظلوما ، ولا يكون مظلوما حتى يكون مؤمنا ، ولا يكون مؤمنا حتى يكون قائما بشرائط الإيمان التي اشترط الله - عز وجل - على المؤمنين والمجاهدين ، فإذا تكاملت فيه شرائط الله عز وجل ، كان مؤمنا ، وإذا كان مؤمنا ، كان مظلوما ، وإذا كان مظلوما ، كان مأذونا له في الجهاد ؛ لقوله عز وجل : ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ) ، وإن لم يكن مستكملا لشرائط الإيمان ، فهو ظالم ممن يبغي ويجب جهاده حتى يتوب ، وليس مثله مأذونا له في الجهاد والدعاء إلى الله عز وجل ؛ لأنه ليس من المؤمنين المظلومين الذين أذن لهم في القرآن في القتال ، فلما نزلت هذه الآية : ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ) في المهاجرين الذين أخرجهم أهل مكة من ديارهم وأموالهم ، أحل لهم جهادهم بظلمهم إياهم ، وأذن لهم في القتال ». فقلت : فهذه نزلت في المهاجرين بظلم مشركي أهل مكة لهم ، فما بالهم في قتالهم كسرى وقيصر ومن دونهم من مشركي قبائل العرب؟ فقال : « لو كان إنما أذن لهم في قتال من ظلمهم من أهل مكة فقط ، لم يكن لهم إلى قتال جموع كسرى وقيصر وغير أهل مكة من قبائل العرب سبيل ؛ لأن الذين ظلموهم غيرهم ، وإنما أذن لهم في قتال من ظلمهم من أهل مكة ؛ لإخراجهم إياهم من ديارهم وأموالهم بغير حق ؛ ولو كانت الآية إنما عنت المهاجرين الذين ظلمهم أهل مكة ، كانت الآية مرتفعة الفرض عمن بعدهم إذا لم يبق من الظالمين والمظلومين أحد ، وكان فرضها مرفوعا عن الناس بعدهم إذا لم يبق من الظالمين والمظلومين أحد. وليس كما ظننت ، ولا كما ذكرت ، ولكن المهاجرين ظلموا من جهتين : ظلمهم أهل مكة بإخراجهم من ديارهم وأموالهم ، فقاتلوهم بإذن الله لهم في ذلك ، وظلمهم كسرى وقيصر ومن كان دونهم من قبائل العرب والعجم بما كان في أيديهم مما كان المؤمنون أحق به منهم ، فقد قاتلوهم بإذن الله - عز وجل - لهم في ذلك . وبحجة هذه الآية يقاتل مؤمنو كل زمان ، وإنما أذن الله - عز وجل - للمؤمنين الذين قاموا بما وصف الله - عز وجل - من الشرائط التي شرطها الله على المؤمنين في الإيمان والجهاد ، ومن كان قائما بتلك الشرائط ، فهو مؤمن ، وهو مظلوم ، ومأذون له في الجهاد بذلك المعنى ؛ ومن كان على خلاف ذلك ، فهو ظالم ، وليس من المظلومين ، وليس بمأذون له في القتال ، ولا بالنهي عن المنكر والأمر بالمعروف ؛ لأنه ليس من أهل ذلك ، ولا مأذون له في الدعاء إلى الله عز وجل ؛ لأنه ليس يجاهد مثله ، وأمر بدعائه إلى الله . ولا يكون مجاهدا من قد أمر المؤمنون بجهاده ، وحظر الجهاد عليه ومنعه منه ؛ و لا يكون داعيا إلى الله - عز وجل - من أمر بدعاء مثله إلى التوبة والحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ ولا يأمر بالمعروف من قد أمر أن يؤمر به ، ولا ينهى عن المنكر من قد أمر أن ينهى عنه. فمن كانت قد تمت فيه شرائط الله - عز وجل - التي وصف بها أهلها من أصحاب النبي صلى الله عليه وآلهوسلم وهو مظلوم ، فهو مأذون له في الجهاد كما أذن لهم في الجهاد ؛ لأن حكم الله - عز وجل - في الأولين والآخرين وفرائضه عليهم سواء ، إلا من علة ، أو حادث يكون. والأولون والآخرون أيضا في منع الحوادث شركاء ، والفرائض عليهم واحدة ، يسأل الآخرون عن أداء الفرائض عما يسأل عنه الأولون ، ويحاسبون عما به يحاسبون . و من لم يكن على صفة من أذن الله له في الجهاد من المؤمنين ، فليس من أهل الجهاد ، وليس بمأذون له فيه حتى يفيء بما شرط الله - عز وجل - عليه ، فإذا تكاملت فيه شرائط الله - عز وجل - على المؤمنين والمجاهدين ، فهو من المأذونين لهم في الجهاد. فليتق الله - عز وجل - عبد ، ولا يغتر بالأماني التي نهى الله - عز وجل - عنها من هذه الأحاديث الكاذبة على الله التي يكذبها القرآن ، ويتبرأ منها ومن حملتها ورواتها ، ولا يقدم على الله - عز وجل - بشبهة لايعذر بها ؛ فإنه ليس وراء المتعرض للقتل في سبيل الله منزلة يؤتى الله من قبلها ، وهي غاية الأعمال في عظم قدرها ، فليحكم امرؤ لنفسه ، وليرها كتاب الله - عز وجل - ويعرضها عليه ؛ فإنه لا أحد أعرف بالمرء من نفسه ، فإن وجدها قائمة بما شرط الله عليه في الجهاد ، فليقدم على الجهاد ، وإن علم تقصيرا ، فليصلحها وليقمها على ما فرض الله عليها من الجهاد ، ثم ليقدم بها وهي طاهرة مطهرة من كل دنس يحول بينها وبين جهادها. ولسنا نقول لمن أراد الجهاد وهو على خلاف ما وصفنا من شرائط الله - عز وجل - على المؤمنين والمجاهدين : لاتجاهدوا ، ولكن نقول : قد علمناكم ما شرط الله - عز وجل - على أهل الجهاد الذين بايعهم واشترى منهم أنفسهم وأموالهم بالجنان ، فليصلح امرؤ ما علم من نفسه من تقصير عن ذلك ، وليعرضها على شرائط الله ، فإن رأى أنه قد وفى بها وتكاملت فيه ، فإنه ممن أذن الله - عز وجل - له في الجهاد ، وإن أبى إلا أن يكون مجاهدا على ما فيه من الإصرار على المعاصي والمحارم ، والإقدام على الجهاد بالتخبيط والعمى ، والقدوم على الله - عز وجل - بالجهل والروايات الكاذبة ، فلقد لعمري جاء الأثر فيمن فعل هذا الفعل ، إن الله - عز وجل - ينصر هذا الدين بأقوام لاخلاق لهم ؛ فليتق الله - عز وجل - امرؤ ، وليحذر أن يكون منهم ، فقد بين لكم ولا عذر لكم بعد البيان في الجهل ، ولا قوة إلا بالله ، وحسبنا الله ، عليه توكلنا ، وإليه المصير ».