اسم الكتاب : كتاب الحيض
اسم الباب : باب جامع في الحائض والمستحاضة
عن المعصومين عليهم السلام :
من طريق الراوة :
الحديث الشريف :
علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن غير واحد : سألوا أبا عبد الله عليه السلام عن الحائض والسنة في وقته؟ فقال : « إن رسول الله صلى الله عليه وآله سن في الحائض ثلاث سنن ، بين فيها كل مشكل لمن سمعها وفهمها حتى لايدع لأحد مقالا فيه بالرأي : أما إحدى السنن ، فالحائض التي لها أيام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها ، ثم استحاضت واستمر بها الدم وهي في ذلك تعرف أيامها ومبلغ عددها ؛ فإن امرأة - يقال لها : فاطمة بنت أبي حبيش - استحاضت ، فاستمر بها الدم ، فأتت أم سلمة ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن ذلك ، فقال : تدع الصلاة قدر أقرائها ، أو قدر حيضها ، وقال : إنما هو عرق ، وأمرها أن تغتسل ، وتستثفر بثوب ، وتصلي ». قال أبو عبد الله عليه السلام : « هذه سنة النبي صلى الله عليه وآله في التي تعرف أيام أقرائها ، لم تختلط عليها ، ألاترى أنه لم يسألها : كم يوم هي؟ ولم يقل : إذا زادت على كذا يوما ، فأنت مستحاضة؟ وإنما سن لها أياما معلومة ما كانت من قليل أو كثير بعد أن تعرفها ، وكذلك أفتى أبي عليه السلام - وسئل عن المستحاضة - فقال : إنما ذلك عرق غابر ، أو ركضة من الشيطان ، فلتدع الصلاة أيام أقرائها ، ثم تغتسل ، وتتوضأ لكل صلاة ». قيل : وإن سال؟ قال : « وإن سال مثل المثعب ». قال أبو عبد الله عليه السلام : « هذا تفسير حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وهو موافق له ، فهذه سنة التي تعرف أيام أقرائها ، لا وقت لها إلا أيامها ، قلت أو كثرت. وأما سنة التي قد كانت لها أيام متقدمة ، ثم اختلط عليها من طول الدم ، فزادت ونقصت حتى أغفلت عددها وموضعها من الشهر ، فإن سنتها غير ذلك ، وذلك أن فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبي صلى الله عليه وآله ، فقالت : إني أستحاض ، فلا أطهر ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله : ليس ذلك بحيض ، إنما هو عرق ، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ، وصلي ، وكانت تغتسل في كلصلاة ، وكانت تجلس في مركن لأختها ، وكانت صفرة الدم تعلو الماء ». قال أبو عبد الله عليه السلام : « أما تسمع رسول الله صلى الله عليه وآله أمر هذه بغير ما أمر به تلك؟ ألا تراه لم يقل لها : دعي الصلاة أيام أقرائك ، ولكن قال لها : إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي؟ فهذا يبين أن هذه امرأة قد اختلط عليها أيامها ، لم تعرف عددها ولاوقتها ، أ لاتسمعها تقول : إني أستحاض فلا أطهر ؟ وكان أبي يقول : إنها استحيضت سبع سنين ، ففي أقل من هذا تكون الريبة والاختلاط ، فلهذا احتاجت إلى أن تعرف إقبال الدم من إدباره ، وتغير لونه من السواد إلى غيره ، وذلك أن دم الحيض أسود يعرف ، ولو كانت تعرف أيامها ، ما احتاجت إلى معرفة لون الدم ؛ لأن السنة في الحيض أن تكون الصفرة والكدرة فما فوقها في أيام الحيض إذا عرفت حيضا كله إن كان الدم أسود ، أو غير ذلك.فهذا يبين لك أن قليل الدم وكثيره أيام الحيض حيض كله إذا كانت الأيام معلومة ، فإذا جهلت الأيام وعددها ، احتاجت إلى النظر حينئذ إلى إقبال الدم وإدباره ، وتغير لونه ، ثم تدع الصلاة على قدر ذلك ، ولا أرى النبي صلى الله عليه وآله قال : اجلسي كذا وكذا يوما ، فما زادت فأنت مستحاضة ، كما لم يأمر الأولى بذلك ، وكذلك أبي عليه السلام أفتى في مثل هذا ؛ وذاك أن امرأة من أهلنا استحاضت ، فسألت أبي عليه السلام عن ذلك ، فقال : إذا رأيت الدم البحراني فدعي الصلاة ، وإذا رأيت الطهر - ولو ساعة من نهار - فاغتسلي وصلي ». قال أبو عبد الله عليه السلام : « وأرى جواب أبي عليه السلام هاهنا غير جوابه في المستحاضة الأولى ، ألاترى أنه قال : تدع الصلاة أيام أقرائها؟ لأنه نظر إلى عدد الأيام ، وقال هاهنا : إذا رأت الدم البحراني فلتدع الصلاة ، وأمر هاهنا أن تنظر إلى الدم إذا أقبل وأدبر وتغير. وقوله : « البحراني » شبه معنى قول النبي صلى الله عليه وآله : إن دم الحيض أسود يعرف ، وإنما سماه أبي بحرانيا لكثرته ولونه ، فهذه سنة النبي صلى الله عليه وآله في التي اختلط عليها أيامها حتى لاتعرفها ، وإنما تعرفها بالدم ما كان من قليل الأيام وكثيره ». قال : « وأما السنة الثالثة ، فهي التي ليس لها أيام متقدمة ، ولم تر الدم قط ، ورأت أول ما أدركت ، واستمر بها ، فإن سنة هذه غير سنة الأولى والثانية ، وذلك أن امرأة - يقال لها : حمنة بنت جحش - أتت رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقالت : إني استحضت حيضة شديدة؟ فقال لها : احتشي كرسفا ، فقالت : إنه أشد من ذلك ؛ إني أثجه ثجا ؟ فقال :..تلجمي وتحيضي في كل شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة ، ثم اغتسلي غسلا ، وصومي ثلاثة وعشرين يوما ، أو أربعة وعشرين ، واغتسلي للفجر غسلا ، وأخري الظهر ، وعجلي العصر ، واغتسلي غسلا ، وأخري المغرب ، وعجلي العشاء ، واغتسلي غسلا ». قال أبو عبد الله عليه السلام : « فأراه قد سن في هذه غير ما سن في الأولى والثانية ، وذلك لأن أمرها مخالف لأمر تينك ، أ لا ترى أن أيامها لو كانت أقل من سبع ، وكانت خمسا أو أقل من ذلك ، ما قال لها : تحيضي سبعا ، فيكون قد أمرها بترك الصلاة أياما وهي مستحاضة غير حائض ، وكذلك لو كان حيضها أكثر من سبع ،وكانت أيامها عشرا أو أكثر ، لم يأمرها بالصلاة وهي حائض ». ثم مما يزيد هذا بيانا قوله عليه السلام لها : « تحيضي » وليس يكون التحيض إلا للمرأة التي تريد أن تكلف ما تعمل الحائض ، ألاتراه لم يقل لها : أياما معلومة تحيضي أيام حيضك؟ ومما يبين هذا قوله لها : « في علم الله » لأنه قد كان لها وإن كانت الأشياء كلها في علم الله تعالى ، وهذا بين واضح أن هذه لم تكن لها أيام قبل ذلك قط ، وهذه سنة التي استمر بها الدم أول ما تراه ، أقصى وقتها سبع ، وأقصى طهرها ثلاث وعشرون ، حتى يصير لها أياما معلومة ، فتنتقل إليها ، فجميع حالات المستحاضة تدور على هذه السنن الثلاث لاتكاد أبدا تخلو من واحدةمنهن إن كانت لها أيام معلومة ، من قليل أو كثير ، فهي على أيامها وخلقها الذي جرت عليه ، ليس فيه عدد معلوم موقت غير أيامها ، فإن اختلطت الأيام عليها ، وتقدمت وتأخرت ، وتغير عليها الدم ألوانا ، فسنتها إقبال الدم وإدباره وتغير حالاته ، وإن لم تكن لها أيام قبل ذلك ، واستحاضت أول ما رأت ، فوقتها سبع ، وطهرها ثلاث وعشرون ، فإن استمر بها الدم أشهرا ، فعلت في كل شهر كما قال لها ، فإن انقطع الدم في أقل من سبع ، أو أكثر من سبع فإنها تغتسل ساعة ترى الطهر وتصلي ، فلا تزال كذلك حتى تنظر ما يكون في الشهر الثاني ، فإن انقطع الدم لوقته في الشهر الأول سواء ، حتى توالى عليها حيضتان أو ثلاث ، فقد علم الآن أن ذلك قد صار لها وقتا وخلقا معروفا تعمل عليه ، وتدع ما سواه ، وتكون سنتها فيما تستقبل ، إن استحاضت قد صارت سنة إلى أن تجلس (19) أقراءها ، وإنماجعل الوقت أن توالى عليها حيضتان أو ثلاث ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وآله للتي تعرف أيامها : « دعي الصلاة أيام أقرائك » فعلمنا أنه لم يجعل القرء الواحد سنة لها ، فيقول : دعي الصلاة أيام قرئك ، ولكن سن لها الأقراء ، وأدناه حيضتان فصاعدا ، وإن اختلط عليها أيامها ، وزادت ونقصت حتى لا تقف منها على حد ، ولامن الدم على لون ، عملت بإقبال الدم وإدباره ، وليس لها سنة غير هذا ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وآله : « إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغتسلي » ولقوله : « إن دم الحيض أسود يعرف » كقول أبي عليه السلام : « إذا رأيت الدم البحراني » فإن لم يكن الأمر كذلك ، ولكن الدم أطبق عليها ، فلم تزل الاستحاضة دارة ، وكان الدم على لون واحد ، وحالة واحدة ، فسنتها السبع والثلاث والعشرون ؛ لأن قصتها كقصة حمنة (19) حين قالت : إني أثجه ثجا ». (20)