اسم الكتاب : كتاب التوحيد
اسم الباب : باب إطلاق القول بأنه شيء
عن المعصومين عليهم السلام :
من طريق الراوة :
الحديث الشريف :
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن العباس بن عمرو الفقيمي ، عن هشام بن الحكم : عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه قال للزنديق حين سأله : ما هو؟ قال : « هو شيء بخلاف الأشياء ، ارجع بقولي إلى إثبات معنى ، وأنه شيء بحقيقة الشيئية ، غير أنه لاجسم ولا صورة ، ولا يحس ولا يجس ، ولا يدرك بالحواس الخمس ، لاتدركه الأوهام ، ولا تنقصه الدهور ، ولا تغيره الأزمان ». فقال له السائل : فتقول : إنه سميع بصير؟ قال : « هو سميع ، بصير ؛ سميع بغير جارحة ، و بصير بغير آلة ، بل يسمع بنفسه ، ويبصر بنفسه ، ليس قولي : إنه سميع يسمع بنفسه ، وبصير يبصر بنفسه أنه شيء ، والنفس شيء آخر ، ولكن أردت عبارة عن نفسي ؛ إذ كنت مسؤولا ، وإفهاما لك ؛ إذ كنت سائلا ، فأقول : إنه سميع بكله ، لا أن الكل منه له بعض ، ولكني أردت إفهامك ، والتعبير عن نفسي ، وليس مرجعي في ذلك إلا إلى أنه السميع البصير ، العالم الخبير ، بلا اختلاف الذات ، ولا اختلاف المعنى ». قال له السائل : فما هو؟ قال أبو عبد الله عليه السلام : « هو الرب ، وهو المعبود ، وهو الله ، وليس قولي : « الله » إثبات هذه الحروف : ألف ولام وهاء ، ولا راء ولا باء ، ولكن ارجع إلى معنى وشيء خالق الأشياء وصانعها ، ونعت هذه الحروف وهو المعنى سمي به الله ، والرحمن ، والرحيم والعزيز ، وأشباه ذلك من أسمائه ، وهو المعبود جل وعز ». قال له السائل : فإنا لم نجد موهوما إلا مخلوقا. قال أبو عبد الله عليه السلام : « لو كان ذلك كما تقول ، لكان التوحيد عنا مرتفعا ؛ لأنا لم نكلف غير موهوم ، ولكنا نقول : كل موهوم بالحواس مدرك به تحده الحواس وتمثله ؛ فهو مخلوق [ ولابد من إثبات صانع الأشياء خارجا من الجهتين المذمومتين : إحداهما : النفي ] ؛ إذ كان النفي هو الإبطال والعدم ، والجهة الثانية : التشبيه ؛ إذ كان التشبيه هو صفة المخلوق الظاهر التركيب والتأليف ، فلم يكن بد من إثبات الصانع ؛ لوجود المصنوعين والاضطرار إليهم أنهم مصنوعون ، وأن صانعهم غيرهم ، وليس مثلهم ؛ إذ كان مثلهم شبيها بهم في ظاهر التركيب والتأليف ، وفيما يجري عليهم من حدوثهم بعد إذ لم يكونوا ، وتنقلهم من صغر إلى كبر ، وسواد إلى بياض ، وقوة إلى ضعف ، وأحوال موجودة لاحاجة بنا إلى تفسيرها ؛ لبيانها ووجودها ». قال له السائل : فقد حددته إذ أثبت وجوده. قال أبو عبد الله عليه السلام : « لم أحده ، ولكني أثبته ؛ إذ لم يكن بين النفي والإثبات منزلة ». قال له السائل : فله إنية ومائية ؟ قال : « نعم ، لايثبت الشيء إلا بإنية ومائية ». قال له السائل : فله كيفية؟ قال : « لا ؛ لأن الكيفية جهة الصفة والإحاطة ، ولكن لابد من الخروج من جهة التعطيل والتشبيه ؛ لأن من نفاه ، فقد أنكره ودفع ربوبيته وأبطله ، ومن شبهه بغيره ، فقد أثبته بصفة المخلوقين المصنوعين الذين لايستحقون الربوبية ، ولكن لابد من إثبات أن له كيفية لايستحقها غيره ، ولا يشارك فيها ، ولا يحاط بها ، ولا يعلمها غيره ». قال السائل : فيعاني الأشياء بنفسه؟ قال أبو عبد الله عليه السلام : « هو أجل من أن يعاني الأشياء بمباشرة ومعالجة ؛ لأن ذلك صفة المخلوق الذي لاتجيء الأشياء له إلا بالمباشرة والمعالجة وهو متعال ، نافذ الإرادة والمشيئة ، فعال لما يشاء » .