اسم الكتاب : كتاب الإيمان والكفر
اسم الباب : باب
عن المعصومين عليهم السلام :
من طريق الراوة :
الحديث الشريف :
علي بن محمد ، عن بعض أصحابه ، عن آدم بن إسحاق ، عن عبد الرزاق بن مهران ، عن الحسين بن ميمون ، عن محمد بن سالم : عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : « إن أناسا تكلموا في هذا القرآن بغير علم ، وذلك أن الله - تبارك وتعالى - يقول : ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله ) الآية ، فالمنسوخات من المتشابهات ، والمحكمات من الناسخات . إن الله - عز وجل - بعث نوحا إلى قومه : ( أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون ) ثم دعاهم إلى الله وحده ، وأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، ثم بعث الأنبياء على ذلك إلى أن بلغوا محمدا صلى الله عليه وآله ، فدعاهم إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا ، وقال : ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب) فبعث الأنبياء إلى قومهم بشهادة أن لا إله إلا الله ، والإقرار بما جاء به من عند الله ، فمن آمن مخلصا ومات على ذلك ، أدخله الله الجنة بذلك ، وذلك أن الله ليس بظلام للعبيد ، وذلك أن الله لم يكن يعذب عبدا حتى يغلظ عليه في القتل ، والمعاصي التي أوجب الله عليه بها النار لمن عمل بها. فلما استجاب لكل نبي من استجاب له من قومه من المؤمنين ، جعل لكل نبي منهم شرعة ومنهاجا ، والشرعة والمنهاج سبيل وسنة ، وقال الله لمحمد صلى الله عليه وآله: ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ) وأمر كل نبي بالأخذ بالسبيل والسنة ، وكان من السبيل والسنة التي أمر الله - عز وجل - بها موسى عليه السلام أن جعل عليهم السبت ، وكان من أعظم السبت ولم يستحل أن يفعل ذلك من خشية الله ، أدخله الله الجنة ، ومن استخف بحقه ، واستحل ما حرم الله عليه من العمل الذي نهاه الله عنه فيه ، أدخله الله - عز وجل - النار ، وذلك حيث استحلوا الحيتان ، واحتبسوها ، وأكلوها يوم السبت ، غضب الله عليهم من غير أن يكونوا أشركوا بالرحمن ، ولا شكوا في شيء مما جاء به موسى عليه السلام ، قال الله عز وجل : ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) . ثم بعث الله عيسى عليه السلام بشهادة أن لا إله إلا الله ، والإقرار بما جاء به من عند الله ، وجعل لهم شرعة ومنهاجا ، فهدمت السبت الذي أمروا به أن يعظموه قبل ذلك ، وعامة ما كانوا عليه من السبيل والسنة التي جاء بها موسى ، فمن لم يتبع سبيل عيسى ، أدخله الله النار وإن كان الذي جاء به النبيون جميعا أن لايشركوا بالله شيئا. ثم بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله - وهو بمكة - عشر سنين ، فلم يمت بمكة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا صلى الله عليه وآله رسول الله إلا أدخله الله الجنة بإقراره - وهو إيمان التصديق - ولم يعذب الله أحدا ممن مات - وهو متبع لمحمد صلى الله عليه وآله على ذلك - إلا من أشرك بالرحمن. وتصديق ذلك أن الله - عز وجل - أنزل عليه في سورة بني إسرائيل بمكة : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) إلى قوله تعالى : ( إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ) أدب وعظة وتعليم ونهي خفيف ، ولم يعد عليه ، ولم يتواعد على اجتراح شيء مما نهى عنه ، وأنزل نهيا عن أشياء حذر عليها ، ولم يغلظ فيها ، ولم يتواعد عليها. وقال : ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا . ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا . ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا . ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤلا . وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا . ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا . ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا . كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها . ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا) وأنزل في ( والليل إذا يغشى ) : ( فأنذرتكم نارا تلظى . لا يصلاها إلا الأشقى . الذي كذب وتولى ) فهذا مشرك. وأنزل في ( إذا السماء انشقت ) : ( وأما من أوتي كتابه وراء ظهره . فسوف يدعوا ثبورا . ويصلى سعيرا . إنه كان في أهله مسرورا . إنه ظن أن لن يحور . بلى ) فهذا مشرك. وأنزل في « تبارك » : ( كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير . قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء ) فهؤلاء مشركون. وأنزل في « الواقعة » : ( وأما إن كان من المكذبين الضالين . فنزل من حميم . وتصلية جحيم ) فهؤلاء مشركون. وأنزل في « الحاقة » : ( وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه . ولم أدر ما حسابيه . يا ليتها كانت القاضية . ما أغنى عني ماليه ) إلى قوله : ( إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ) فهذا مشرك. وأنزل في « طسم » : ( وبرزت الجحيم للغاوين . وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون . من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون . فكبكبوا فيها هم والغاوون . وجنود إبليس أجمعون) جنود إبليس ذريته من الشياطين. وقوله : ( وما أضلنا إلا المجرمون ) يعني المشركين الذين اقتدوا بهم هؤلاء ، فاتبعوهم على شركهم ، وهم قوم محمد صلى الله عليه وآله ليس فيهم من اليهود والنصارى أحد. وتصديق ذلك قول الله عز وجل : ( كذبت قبلهم قوم نوح ) ، ( كذب أصحاب الأيكة ) ، ( كذبت قوم لوط ) ليس فيهم اليهود الذين قالوا : ( عزير ابن الله) ، ولا النصارى الذين قالوا : ( المسيح ابن الله ) سيدخل الله اليهود والنصارى النار ، ويدخل كل قوم بأعمالهم. وقولهم : ( وما أضلنا إلا المجرمون ) إذ دعونا إلى سبيلهم ذلك قول الله - عز وجل - فيهم حين جمعهم إلى النار : ( قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار ) وقوله : ( كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا ) برئ بعضهم من بعض ، ولعن بعضهم بعضا ، يريد بعضهم أن يحج بعضا رجاء الفلج ، فيفلتوا من عظيم ما نزل بهم ، وليس بأوان بلوى ، ولا اختبار ، ولا قبول معذرة ، ولات حين نجاة ، والآيات وأشباههن مما نزل به بمكة ، ولا يدخل الله النار إلا مشركا. فلما أذن الله لمحمد صلى الله عليه وآله في الخروج من مكة إلى المدينة ، بنى الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصيام شهر رمضان ، وأنزل عليه الحدود وقسمة الفرائض ، وأخبره بالمعاصي التي أوجب الله عليها وبها النار لمن عمل بها. وأنزل في بيان القاتل : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ) ولا يلعن الله مؤمنا ؛ قال الله عز وجل : ( إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا . خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا ) وكيف يكون في المشيئة وقد ألحق به - حين جزاه جهنم - الغضب واللعنة ، و قد بين ذلك من الملعونون في كتابه. وأنزل في مال اليتيم من أكله ظلما : ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ) وذلك أن آكل مال اليتيم يجيء يوم القيامة والنار تلتهب في بطنه حتى يخرج لهب النار من فيه يعرفه أهل الجمع أنه آكل مال اليتيم. وأنزل في الكيل : ( ويل للمطففين ) ولم يجعل الويل لأحد حتى يسميه كافرا ؛ قال الله عز وجل : ( فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ) . وأنزل في العهد : ( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ) والخلاق النصيب ، فمن لم يكن له نصيب في الآخرة ، فبأي شيء يدخل الجنة؟ وأنزل بالمدينة : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ) فلم يسم الله الزاني مؤمنا ولا الزانية مؤمنة ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله - ليس يمتري فيه أهل العلم أنه قال - : لايزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ؛ فإنه إذا فعل ذلك ، خلع عنه الإيمان كخلع القميص. ونزل بالمدينة : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون . إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ) فبرأه الله - ما كان مقيما على الفرية - من أن يسمى بالإيمان ؛ قال الله عز وجل : ( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ) وجعله الله منافقا ؛ قال الله عز وجل : ( إن المنافقين هم الفاسقون ) وجعله الله - عز وجل - من أولياء إبليس ؛ قال : ( إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر.. ربه ) وجعله ملعونا ، فقال : ( إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم . يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ) وليست تشهد الجوارح على مؤمن ، إنما تشهد على من حقت عليه كلمة العذاب ، فأما المؤمن ، فيعطى كتابه بيمينه ؛ قال الله عز وجل : ( ( فأما من ) أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤن كتابهم ولا يظلمون فتيلا ) . وسورة النور أنزلت بعد سورة النساء ؛ وتصديق ذلك أن الله - عز وجل - أنزل عليه في سورة النساء : ( واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ) والسبيل الذي قال الله عز وجل : ( سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون . الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) ».