اسم الكتاب : كتاب الحجة
اسم الباب : باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام
عن المعصومين عليهم السلام :
من طريق الراوة :
الحديث الشريف :
علي بن إبراهيم وأحمد بن مهران جميعا ، عن محمد بن علي ، عن الحسن بن راشد ، عن يعقوب بن جعفر ، قال : كنت عند أبي إبراهيم عليه السلام وأتاه رجل من أهل نجران اليمن من الرهبان ومعه راهبة ، فاستأذن لهما الفضل بن سوار ، فقال له : « إذا كان غدا فأت بهما عند بئر أم خير » قال : فوافينا من الغد ، فوجدنا القوم قد وافوا ، فأمر بخصفة بواري ، ثم جلس وجلسوا ، فبدأت الراهبة بالمسائل ، فسألت عن مسائل كثيرة ، كل ذلك يجيبها ،وسألها أبو إبراهيم عليه السلام عن أشياء لم يكن عندها فيها شيء ، ثم أسلمت. ثم أقبل الراهب يسأله ، فكان يجيبه في كل ما يسأله ، فقال الراهب : قد كنت قويا على ديني ، وما خلفت أحدا من النصارى في الأرض يبلغ مبلغي في العلم ، ولقد سمعت برجل في الهند إذا شاء حج إلى بيت المقدس في يوم وليلة ، ثم يرجع إلى منزله بأرض الهند ، فسألت عنه بأي أرض هو؟ فقيل لي : إنه بسبذان ، وسألت الذي أخبرني ، فقال : هو علم الاسم الذي ظفر به آصف صاحب سليمان لما أتى بعرش سبا ، وهو الذي ذكره الله لكم في كتابكم ، ولنا - معشر الأديان - في كتبنا. فقال له أبو إبراهيم عليه السلام : « فكم لله من اسم لايرد؟ » فقال الراهب : الأسماء كثيرة ، فأما المحتوم منها - الذي لايرد سائله - فسبعة ، فقال له أبو الحسن عليه السلام : « فأخبرني عما تحفظ منها » قال الراهب : لا ، والله الذي أنزل التوراة على موسى ، وجعل عيسى عبرة للعالمين ، وفتنة لشكر أولي الألباب ، وجعل محمدا بركة و رحمة ، وجعل عليا عبرة وبصيرة ، وجعل الأوصياء من نسله ونسل محمد ما أدري ، ولو دريت ما احتجت فيه إلى كلامك ، ولاجئتك ولاسألتك. فقال له أبو إبراهيم عليه السلام : « عد إلى حديث الهندي ». فقال له الراهب : سمعت بهذه الأسماء ولا أدري ما بطانتها ولاشرائحها ؟ ولا أدري ما هي؟ ولاكيف هي ولابدعائها ؟ فانطلقت حتى قدمت سبذان الهند ، فسألت عن الرجل ، فقيل لي : إنه بنى ديرا في جبل ، فصار لايخرج ولايرى إلا في كل سنة مرتين ، وزعمت الهند أن الله فجر له عينا في ديره ، وزعمت الهند أنه يزرع له من غير زرع يلقيه ، ويحرث له من غير حرث يعمله ، فانتهيت إلى بابه ، فأقمت ثلاثا لا أدق الباب ، ولا أعالج الباب فلما كان اليوم الرابع ، فتح الله الباب ، وجاءت بقرة عليها حطب ، تجر ضرعها يكاد يخرج ما في ضرعها من اللبن ، فدفعت الباب ، فانفتح ، فتبعتها ودخلت ، فوجدت الرجل قائما ينظر إلى السماء فيبكي ، وينظر إلى الأرض فيبكي ، وينظر إلى الجبال فيبكي ، فقلت : سبحان الله! ما أقل ضربك في دهرنا هذا ! فقال لي : والله ، ما أنا إلا حسنة من حسنات رجل خلفته وراء ظهرك ، فقلت له : أخبرت أن عندك اسما من أسماء الله تبلغ به في كل يوم وليلة بيت المقدس ، وترجع إلى بيتك؟ فقال لي : و هل تعرف بيت المقدس؟ قلت : لا أعرف إلا بيت المقدس الذي بالشام ، قال : ليس بيت المقدس ، ولكنه البيت المقدس و هو بيت آل محمد ، فقلت له : أما ما سمعت به إلى يومي هذا ، فهو بيت المقدس ، فقال لي : تلك محاريب الأنبياء ، وإنما كان يقال لها : حظيرة المحاريب ، حتى جاءت الفترة التي كانت بين محمد وعيسى صلى الله عليهما ، وقرب البلاء من أهل الشرك ، وحلت النقمات في دور الشياطين ، فحولوا وبدلوا ونقلوا تلك الأسماء ، وهو قول الله تبارك وتعالى - البطن لآل محمد ، والظهر مثل - : ( إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكمما أنزل الله بها من سلطان ) فقلت له : إني قد ضربت إليك من بلد بعيد ، تعرضت إليك بحارا وغموما وهموما وخوفا ، وأصبحت وأمسيت مؤيسا ألا أكون ظفرت بحاجتي فقال لي : ما أرى أمك حملت بك إلا وقد حضرها ملك كريم ، ولا أعلم أن أباك حين أراد الوقوع بأمك إلا وقد اغتسل وجاءها على طهر ، ولا أزعم إلا أنه قد كان درس السفر الرابع من سهره ذلك ، فختم له بخير ، ارجع من حيث جئت ، فانطلق حتى تنزل مدينة محمد صلى الله عليه وآله - التي يقال لها : طيبة ، و قد كان اسمها في الجاهلية يثرب - ثم اعمد إلى موضع منها يقال له : البقيع ، ثم سل عن دار يقال لها : دار مروان ، فانزلها ، وأقم ثلاثا ، ثم سل عن الشيخ الأسود الذي يكون على بابها ، يعمل البواري ، وهي في بلادهم اسمها الخصف ، فالطف بالشيخ ، وقل له : بعثني إليك نزيلك الذي كان ينزل في الزاوية في البيت الذي فيه الخشيبات الأربع ، ثم سله عن فلان بن فلان الفلاني ، وسله : أين ناديه ؟ وسله : أي ساعة يمر فيها؟ فليريكاه أو يصفه لك ، فتعرفه بالصفة ، وسأصفه لك. قلت : فإذا لقيته فأصنع ما ذا؟ قال : سله عما كان ، وعما هو كائن ، وسله عن معالم دين من مضى ومن بقي. فقال له أبو إبراهيم عليه السلام : « قد نصحك صاحبك الذي لقيت ». فقال الراهب : ما اسمه جعلت فداك؟ قال : « هو متمم بن فيروز ، و هو من أبناء الفرس ، و هو ممن آمن بالله وحده لا شريك له ، و عبده بالإخلاص والإيقان ، وفر من قومه لما خافهم ، فوهب له ربه حكما ، و هداه لسبيل الرشاد ، وجعله من المتقين ، وعرف بينه وبين عباده المخلصين ، وما من سنة إلا و هو يزور فيها مكة حاجا ، ويعتمر في رأس كل شهر مرة ، ويجيء من موضعه من الهند إلى مكة فضلا من الله وعونا ؛ وكذلك يجزي الله الشاكرين ». ثم سأله الراهب عن مسائل كثيرة ، كل ذلك يجيبه فيها ، وسأل الراهب عن أشياء لم يكن عند الراهب فيها شيء ، فأخبره بها. ثم إن الراهب قال : أخبرني عن ثمانية أحرف نزلت ، فتبين في الأرض منها أربعة ، وبقي في الهواء منها أربعة ، على من نزلت تلك الأربعة التي في الهواء؟ ومن يفسرها؟ قال : « ذاك قائمنا ينزله الله عليه فيفسره ، وينزل عليه ما لم ينزل على الصديقين و الرسل والمهتدين ». ثم قال الراهب : فأخبرني عن الاثنين من تلك الأربعة الأحرف التي في الأرض ما هما ؟ قال : « أخبرك بالأربعة كلها : أما أولهن فلا إله إلا الله وحده لاشريك له باقيا ، والثانية محمد رسول الله صلى الله عليه وآله مخلصا ، والثالثة نحن أهل البيت ، والرابعة شيعتنا منا ، ونحن من رسول الله صلى الله عليه وآله و رسول الله من الله بسبب ». فقال له الراهب : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وأن ما جاء به من عند الله حق ، وأنكم صفوة الله من خلقه ، وأن شيعتكم المطهرون المستبدلون ، ولهم عاقبة الله ، و الحمد لله رب العالمين. فدعا أبو إبراهيم عليه السلام بجبة خز وقميص قوهي وطيلسان وخف وقلنسوة ،فأعطاه إياها ، وصلى الظهر ، وقال له : « اختتن » ، فقال : قد اختتنت في سابعي.