اسم الكتاب : كتاب الحجة
اسم الباب : باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام
عن المعصومين عليهم السلام :
من طريق الراوة :
الحديث الشريف :
أحمد بن مهران وعلي بن إبراهيم جميعا ، عن محمد بن علي ، عن الحسن بن راشد ، عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم ، قال : كنت عند أبي الحسن موسى عليه السلام إذ أتاه رجل نصراني - ونحن معه بالعريض -فقال له النصراني : إني أتيتك من بلد بعيد ، وسفر شاق ، وسألت ربي منذ ثلاثين سنة أن يرشدني إلى خير الأديان ، و إلى خير العباد و أعلمهم ، وأتاني آت في النوم ، فوصف لي رجلا بعليا دمشق ، فانطلقت حتى أتيته ، فكلمته ، فقال : أنا أعلم أهل ديني ، وغيري أعلم مني ، فقلت : أرشدني إلى من هو أعلم منك ؛ فإني لا أستعظم السفر ، ولاتبعد علي الشقة ، ولقد قرأت الإنجيل كلها ومزامير داود ، وقرأت أربعة أسفار من التوراة ، وقرأت ظاهر القرآن حتى استوعبته كله ، فقال لي العالم : إن كنت تريد علم النصرانية ، فأنا أعلم العرب والعجم بها ، وإن كنت تريد علم اليهود ، فباطي بن شرحبيل السامري أعلم الناس بها اليوم ، وإن كنت تريد علمالإسلام وعلم التوراة وعلم الإنجيل و الزبور و كتاب هود ، و كل ما أنزل على نبي من الأنبياء في دهرك ودهر غيرك ، وما أنزل من السماء من خبر - فعلمه أحد أو لم يعلم به أحد - فيه تبيان كل شيء ، وشفاء للعالمين ، وروح لمن استروح إليه ، وبصيرة لمن أراد الله به خيرا ، وأنس إلى الحق فأرشدك إليه ، فأته ولو مشيا على رجليك ، فإن لم تقدر فحبوا على ركبتيك ، فإن لم تقدر فزحفا على استك ، فإن لم تقدر فعلى وجهك. فقلت : لا ، بل أنا أقدر على المسير في البدن والمال ، قال : فانطلق من فورك حتى تأتي يثرب ، فقلت : لا أعرف يثرب ، قال : فانطلق حتى تأتي مدينة النبي صلى الله عليه وآله - الذي بعث في العرب و هو النبي العربي الهاشمي - فإذا دخلتها ، فسل عن بني غنم بن مالك بن النجار وهو عند باب مسجدها ، وأظهر بزة النصرانية وحليتها ؛ فإن واليها يتشدد عليهم ، والخليفة أشد ، ثم تسأل عن بني عمرو بن مبذول و هو ببقيع الزبير ، ثم تسأل عن موسى بن جعفر ، وأين منزله؟ وأين هو؟ مسافر أم حاضر؟ فإن كان مسافرا فالحقه ؛ فإن سفره أقرب مما ضربت إليه. ثم أعلمه أن مطران عليا الغوطة - غوطة دمشق - هو الذي أرشدني إليك ، و هو يقرئك السلام كثيرا ، ويقول لك : إني لأكثر مناجاة ربي أن يجعل إسلامي على يديك. فقص هذه القصة وهو قائم معتمد على عصاه ، ثم قال : إن أذنت لي يا سيدي كفرت لك وجلست.فقال : « آذن لك أن تجلس ، ولا آذن لك أن تكفر ». فجلس ، ثم ألقى عنه برنسه ، ثم قال : جعلت فداك ، تأذن لي في الكلام؟ قال : « نعم ، ما جئت إلا له ». فقال له النصراني : اردد على صاحبي السلام ، أو ما ترد السلام؟ فقال أبو الحسن عليه السلام : « على صاحبك أن هداه الله ، فأما التسليم فذاك إذا صار في ديننا ». فقال النصراني : إني أسألك أصلحك الله؟ قال : « سل ». قال : أخبرني عن كتاب الله الذي أنزل على محمد ونطق به ؛ ثم وصفه بما وصفه به ، فقال : ( حم . والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين . فيها يفرق كل أمر حكيم ) ما تفسيرها في الباطن؟ فقال : « أما ( حم ) فهو محمد صلى الله عليه وآله و هو في كتاب هود الذي أنزل عليه و هو منقوص الحروف. وأما ( الكتاب المبين ) فهو أمير المؤمنين علي عليه السلام. وأما الليلة ، ففاطمة صلوات الله عليها. وأما قوله : ( فيها يفرق كل أمر حكيم ) يقول : يخرج منها خير كثير ، فرجل حكيم ، و رجل حكيم ، ورجل حكيم ». فقال الرجل : صف لي الأول والآخر من هؤلاء الرجال ، فقال : « إن الصفات تشتبه ، ولكن الثالث من القوم أصف لك ما يخرج من نسله ، وإنه عندكم لفي الكتب التي نزلت عليكم إن لم تغيروا وتحرفوا وتكفروا و قديما ما فعلتم ». قال له النصراني : إني لا أستر عنك ما علمت ، ولا أكذبك ، وأنت تعلم ما أقول في صدق ما أقول وكذبه ، والله لقد أعطاك الله من فضله ، وقسم عليك من نعمه ما لا يخطره الخاطرون ، ولايستره الساترون ، ولايكذب فيه من كذب ، فقولي لك في ذلك الحق ، كل ما ذكرت فهو كما ذكرت. فقال له أبو إبراهيم عليه السلام : « أعجلك أيضا خبرا لايعرفه إلا قليل ممن قرأ الكتب ، أخبرني ما اسم أم مريم؟ وأي يوم نفخت فيه مريم؟ ولكم من ساعة من النهار؟ وأي يوم وضعت مريم فيه عيسى عليه السلام؟ ولكم من ساعة من النهار؟ ». فقال النصراني : لا أدري. فقال أبو إبراهيم عليه السلام : « أما أم مريم ، فاسمها مرثا ، وهي وهيبة بالعربية. وأما اليوم الذي حملت فيه مريم ، فهو يوم الجمعة للزوال ، و هو اليوم الذي هبط فيه الروح الأمين ، و ليس للمسلمين عيد كان أولى منه ، عظمه الله تبارك وتعالى ، وعظمه محمد صلى الله عليه وآله ، فأمر أن يجعله عيدا ، فهو يوم الجمعة وأما اليوم الذي ولدت فيه مريم ، فهو يوم الثلاثاء لأربع ساعات ونصف من النهار. والنهر الذي ولدت عليه مريم عيسى عليه السلام هل تعرفه؟ » قال : لا ، قال : « هو الفرات ، وعليه شجر النخل والكرم ، وليس يساوى بالفرات شيء للكروم والنخيل . فأما اليوم الذي حجبت فيه لسانها ، ونادى قيدوس ولده وأشياعه ، فأعانوه وأخرجوا آل عمران لينظروا إلى مريم ، فقالوا لها ما قص الله عليك في كتابه ، وعلينا في كتابه ، فهل فهمته؟ » قال : نعم ، وقرأته اليوم الأحدث ، قال : « إذن لاتقوم من مجلسك حتى يهديك الله ». قال النصراني : ما كان اسم أمي بالسريانية وبالعربية؟ فقال : « كان اسم أمك بالسريانية عنقالية ، وعنقورة كان اسم جدتك لأبيك ؛ وأما اسم أمك بالعربية ، فهو مية ؛ وأما اسم أبيك ، فعبد المسيح ، وهو عبد الله بالعربية ، وليس للمسيح عبد». قال : صدقت وبررت ، فما كان اسم جدي؟ قال : « كان اسم جدك جبرئيل ، و هو عبد الرحمن سميته في مجلسي هذا ». قال : أما إنه كان مسلما؟ قال أبو إبراهيم عليه السلام : « نعم ، وقتل شهيدا ، دخلت عليه أجناد ، فقتلوه في منزله غيلة ، والأجناد من أهل الشام ». قال : فما كان اسمي قبل كنيتي؟ قال : « كان اسمك عبد الصليب ». قال : فماتسميني؟ قال : « أسميك عبد الله ». قال : فإني آمنت بالله العظيم ، وشهدت أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، فردا صمدا ، ليس كما تصفه النصارى ، وليس كما تصفه اليهود ، ولاجنس من أجناس الشرك ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق ، فأبان به لأهله ، وعمي المبطلون ، وأنه كان رسول الله إلى الناس كافة : إلى الأحمر والأسود ، كل فيه مشترك ، فأبصر من أبصر ، واهتدى من اهتدى ، وعمي المبطلون ، وضل عنهم ما كانوا يدعون ، وأشهد أن وليه نطق بحكمته ، وأن من كان قبله من الأنبياء نطقوا بالحكمة البالغة ، وتوازروا على الطاعة لله ، وفارقوا الباطل وأهله والرجس وأهله ، و هجروا سبيل الضلالة ، ونصرهم الله بالطاعة له ، وعصمهم من المعصية ، فهم لله أولياء ، وللدين أنصار ، يحثون على الخير ويأمرون به ، آمنت بالصغير منهم والكبير ، ومن ذكرت منهم ومن لم أذكر ، وآمنت بالله - تبارك وتعالى - رب العالمين. ثم قطع زناره ، وقطع صليبا كان في عنقه من ذهب ، ثم قال : مرني حتى أضع صدقتي حيث تأمرني ، فقال عليه السلام : « هاهنا أخ لك كان على مثل دينك ، و هو رجل من قومك من قيس بن ثعلبة ، و هو في نعمة كنعمتك ، فتواسيا وتجاورا ، ولست أدع أن أورد عليكما حقكما في الإسلام ». فقال : والله - أصلحك الله - إني لغني ، ولقد تركت ثلاثمائة طروق بين فرس وفرسة ، وتركت ألف بعير ، فحقك فيها أوفر من حقي ، فقال له : « أنت مولى الله ورسوله ، وأنت في حد نسبك على حالك ». فحسن إسلامه ، وتزوج امرأة من بني فهر ، وأصدقها أبو إبراهيم عليه السلام خمسين دينارا من صدقة علي بن أبي طالب عليه السلام ، وأخدمه ، وبوأه ، وأقام حتى أخرجأبو إبراهيم عليه السلام ، فمات بعد مخرجه بثمان وعشرين ليلة.