اسم الكتاب : كتاب الطلاق
اسم الباب : باب الفرق بين من طلق على غير السنة وبين المطلقة إذا خرجت وهي في عدتها أو أخرجها زوجها
عن المعصومين عليهم السلام :
من طريق الراوة :
الحديث الشريف :
الحسين بن محمد ، قال : حدثني حمدان القلانسي ، قال : قال لي عمر بن شهاب العبدي : من أين زعم أصحابك أن من طلق ثلاثا لم يقع الطلاق؟ فقلت له : زعموا أن الطلاق للكتاب والسنة ، فمن خالفهما رد إليهما. قال : فما تقول فيمن طلق على الكتاب والسنة ، فخرجت امرأته أو أخرجها ، فاعتدت في غير بيتها : تجوز عليها العدة ، أو يردها إلى بيته حتى تعتد عدة أخرى ، فإن الله ـ عز وجل ـ قال : ( لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن )؟ قال : فأجبته بجواب لم يكن عندي جوابا ، ومضيت ، فلقيت أيوب بن نوح ، فسألته عن ذلك ، وأخبرته بقول عمر ، فقال : ليس نحن أصحاب قياس ، إنما نقول بالآثار. فلقيت علي بن راشد ، فسألته عن ذلك ، وأخبرته بقول عمر ، فقال : قد قاس عليك ، وهو يلزمك إن لم يجز الطلاق إلا للكتاب ، فلا تجوز العدة إلا للكتاب . فسألت معاوية بن حكيم عن ذلك ، وأخبرته بقول عمر ، فقال معاوية : ليس العدة مثل الطلاق ، وبينهما فرق : وذلك أن الطلاق فعل المطلق ، فإذا فعل خلاف الكتاب وما أمر به ، قلنا له : ارجع إلى الكتاب ، وإلا فلا يقع الطلاق ؛ والعدة ليست فعل الرجل ، ولا فعل المرأة ، إنما هي أيام تمضي ، وحيض يحدث ، ليس من فعله ، ولا من فعلها ، إنما هو فعل الله ـ تبارك وتعالى ـ فليس يقاس فعل الله ـ عز وجل ـ بفعله وفعلها ، فإذا عصت وخالفت فقد مضت العدة ، وباءت بإثم الخلاف ، ولو كانت العدة فعلها ، لما أوقعنا عليها العدة ، كما لم يقع الطلاق إذا خالف . وقال الفضل بن شاذان في جواب أجاب به أبا عبيد في كتاب الطلاق ، ذكر أبو عبيد أن بعض أصحاب الكلام قال : إن الله ـ تبارك وتعالى ـ حين جعل الطلاق للعدة ، لم يخبرنا أن من طلق لغير العدة كان طلاقه عنه ساقطا ، ولكنه شيء تعبد به الرجال ـ كما تعبد به النساء بأن لايخرجن من بيوتهن ما دمن يعتددن ، وإنما أخبرنا في ذلك بالمعصية ، فقال : ( تلك حدود الله فلا تعتدوها ) ؛ ( ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ) » فهل المعصية في الطلاق إلا كالمعصية في خروج المعتدة من بيتها ، ألستم ترون أن الأمة مجمعة على أن المرأة المطلقة إذا خرجت من بيتها أياما أن تلك الأيام محسوبة لها في عدتها وإن كانت لله فيه عاصية ، فكذلك الطلاق في الحيض محسوب على المطلق وإن كان لله فيه عاصيا. قال الفضل بن شاذان : أما قوله : إن الله ـ عز وجل ـ لما جعل الطلاق للعدة ، لم يخبرنا أن من طلق لغير العدة كان الطلاق عنه ساقطا ، فليعلم أن مثل هذا إنما هو تعلق بالسراب ، إنما يقال لهم : إن أمر الله ـ عز وجل ـ بالشيء هو نهي عن خلافه ، وذلك أنه ـ جل ذكره ـ حيث أباح نكاح أربع نسوة ، لم يخبرنا أن أكثر من ذلك لايجوز ، وحيث جعل الكعبة قبلة ، لم يخبرنا أن قبلة غير الكعبة لاتجوز ، وحيث جعل الحج في ذي الحجة ، لم يخبرنا أن الحج في غير ذي الحجة لايجوز ، وحيث جعل الصلاة ركعة وسجدتين ، لم يخبرنا أن ركعتين وثلاث سجدات لا تجوز ، فلو أن إنسانا تزوج خمس نسوة ، لكان نكاحه الخامسة باطلا ، ولو اتخذ قبلة غير الكعبة ، لكان ضالا مخطئا غير جائز له ، وكانت صلاته غير جائزة ، ولو حج في غير ذي الحجة ، لم يكن حاجا ، وكان فعله باطلا ، ولو جعل صلاته بدل كل ركعة ركعتين وثلاث سجدات ، لكانت صلاته فاسدة ، وكان غير مصل ؛ لأن كل من تعدى ما أمر به ، ولم يطلق له ذلك ، كان فعله باطلا فاسدا غير جائز ولا مقبول ، فكذلك الأمر والحكم في الطلاق كسائر ما بينا ، والحمد لله. وأما قولهم : إن ذلك شيء تعبد به الرجال كما تعبد به النساء أن لايخرجن ما دمن يعتددن من بيوتهن ، فأخبرنا ذلك لهن بالمعصية ، وهل المعصية في الطلاق إلا كالمعصية في خروج المعتدة في عدتها؟ فلو خرجت من بيتها أياما ، لكان ذلك محسوبا لها ، فكذلك الطلاق في الحيض محسوب وإن كان لله عاصيا. فيقال لهم : إن هذه شبهة دخلت عليكم من حيث لاتعلمون ، وذلك أن الخروج والإخراج ليس من شرائط الطلاق كالعدة ؛ لأن العدة من شرائط الطلاق وذلك أنه لا يحل للمرأة أن تخرج من بيتها قبل الطلاق ، ولا بعد الطلاق ، ولا يحل للرجل أن يخرجها من بيتها قبل الطلاق ، ولا بعد الطلاق ، فالطلاق وغير الطلاق في حظر ذلك ومنعه واحد ، والعدة لاتقع إلا مع الطلاق ، ولا تجب إلا بالطلاق ، ولا يكون الطلاق لمدخول بها ولا عدة ، كما قد يكون خروجا وإخراجا بلا طلاق ولا عدة ، فليس يشبه الخروج والإخراج بالعدة والطلاق في هذا الباب. وإنما قياس الخروج والإخراج كرجل دخل دار قوم بغير إذنهم ، فصلى فيها فهو عاص في دخوله الدار ، وصلاته جائزة ؛ لأن ذلك ليس من شرائط الصلاة ؛ لأنه منهي عن ذلك ، صلى أو لم يصل. وكذلك لو أن رجلا غصب رجلا ثوبا ، أو أخذه فلبسه بغير إذنه ، فصلى فيه ، لكانت صلاته جائزة ، وكان عاصيا في لبسه ذلك الثوب ؛ لأن ذلك ليس من شرائط الصلاة ؛ لأنه منهي عن ذلك ، صلى أو لم يصل. وكذلك لو أنه لبس ثوبا غير طاهر ، أو لم يطهر نفسه ، أو لم يتوجه نحو القبلة ، لكانت صلاته فاسدة غير جائزة ، لأن ذلك من شرائط الصلاة وحدودها ، لايجب إلا للصلاة . وكذلك لو كذب في شهر رمضان وهو صائم بعد أن لايخرجه كذبه من الإيمان ، لكان عاصيا في كذبه ذلك ، وكان صومه جائزا ؛ لأنه منهي عن الكذب ، صام أو أفطر ، ولو ترك العزم على الصوم أو جامع ، لكان صومه باطلا فاسدا ؛ لأن ذلك من شرائط الصوم وحدوده ، لايجب إلا مع الصوم. وكذلك لو حج وهو عاق لوالديه ، ولم يخرج لغرمائه من حقوقهم ، لكان عاصيا في ذلك ، وكانت حجته جائزة ؛ لأنه منهي عن ذلك ، حج أو لم يحج. ولو ترك الإحرام ، أو جامع في إحرامه قبل الوقوف ، لكانت حجته فاسدة غير جائزة ؛ لأن ذلك من شرائط الحج وحدوده ، لايجب إلا مع الحج ومن أجل الحج ، فكل ما كان واجبا قبل الفرض وبعده ، فليس ذلك من شرائط الفرض ؛ لأن ذلك أتى على حده ، والفرض جائز معه ، فكل ما لم يجب إلا مع الفرض ومن أجل الفرض ، فإن ذلك من شرائطه ، لا يجوز الفرض إلا بذلك على ما بيناه ، ولكن القوم لايعرفون ، ولا يميزون ، ويريدون أن يلبسوا الحق بالباطل. فأما ترك الخروج والإخراج فواجب قبل العدة ومع العدة ، وقبل الطلاق وبعد الطلاق ، وليس هو من شرائط الطلاق ، ولا من شرائط العدة ، والعدة جائزة معه ، ولا تجب العدة إلا مع الطلاق ومن أجل الطلاق ، فهي من حدود الطلاق وشرائطه على ما مثلنا وبينا ، وهو فرق واضح والحمد لله. وبعد ، فليعلم أن معنى الخروج والإخراج ليس هو أن تخرج المرأة إلى أبيها ، أو تخرج في حاجة لها ، أو في حق بإذن زوجها مثل مأتم أو ما أشبه ذلك ، وإنما الخروج والإخراج أن تخرج مراغمة ، أو يخرجها زوجها مراغمة ، فهذا الذي نهى الله ـ عز وجل ـ عنه ، فلو أن امرأة استأذنت أن تخرج إلى أبويها ، أو تخرج إلى حق ، لم نقل إنها خرجت من بيت زوجها ، ولا يقال إن فلانا أخرج زوجته من بيتها ، إنما يقال ذلك إذا كان ذلك على الرغم والسخط ، وعلى أنها لاتريد العود إلى بيتها ، فأمسكها على ذلك ، وفيما بينا كفاية. فإن قال قائل : لها أن تخرج قبل الطلاق بإذن زوجها ، وليس لها أن تخرج بعد الطلاق وإن أذن لها زوجها ، فحكم هذا الخروج غير ذلك الخروج ، وإنما سألناك عنه في ذلك الموضع الذي يشتبه ، ولم نسألك في هذا الموضع الذي لايشتبه ، أليس قد نهيت عن العدة في غير بيتها؟ فإن هي فعلت كانت عاصية ، وكانت العدة جائزة ، فكذلك أيضا إذا طلق لغير العدة كان خاطئا ، وكان الطلاق واقعا ، وإلا فما الفرق؟ قيل له : إن فيما بينا كفاية من معنى الخروج والإخراج ما يجتزأ به عن هذا القول ؛ لأن أصحاب الأثر وأصحاب الرأي وأصحاب التشيع قد رخصوا لها في الخروج الذي ليس على السخط والرغم ، وأجمعوا على ذلك. فمن ذلك ما روى ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر أن خالته طلقت ، فأرادت الخروج إلى نخل لها تجذه ، فلقيت رجلا فنهاها ، فجاءت إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال لها : « اخرجي فجذي نخلك ؛ لعلك أن تصدقي ، أو تفعلي معروفا ». وروى الحسن ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن طاووس أن رجلا من أصحاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم سئل عن المرأة المطلقة : هل تخرج في عدتها؟ فرخص في ذلك. وابن بشير ، عن المغيرة ، عن إبراهيم أنه قال في المطلقة ثلاثا : إنها لاتخرج من بيت زوجها إلا في حق : من عيادة مريض ، أو قرابة ، أو أمر لابد منه. مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه كان يقول : لاتبيت المبتوتة والمتوفى عنها زوجها إلا في بيتها. وهذا يدل على أنه قد رخص لها في الخروج بالنهار. وقال أصحاب الرأي : لو أن مطلقة في منزل ليس معها فيه رجل تخاف فيه على نفسها أو متاعها ، كانت في سعة من النقلة ؛ وقالوا : لو كانت بالسواد ، فطلقها زوجها هناك ، فدخل عليها خوف من سلطان أو غير ذلك ، كانت في سعة من دخول المصر ؛ وقالوا : للأمة المطلقة أن تخرج في عدتها ، أو تبيت عن بيت زوجها ، وكذلك قالوا أيضا في الصبية المطلقة. قال : وهذا كله يدل على أن هذا الخروج غير الخروج الذي نهى الله ـ عز وجل ـ عنه ، وإنما الخروج الذي نهى الله ـ عز وجل ـ عنه ، هو ما قلنا أن يكون خروجها على السخط والمراغمة ، وهو الذي يجوز في اللغة أن يقال : فلانة خرجت من بيت زوجها ، وإن فلانا أخرج امرأته من بيته ، ولا يجوز أن يقال لسائر الخروج ـ الذي ذكرنا عن أصحاب الرأي والأثر والتشيع ـ : إن فلانة خرجت من بيت زوجها ، وإن فلانا أخرج امرأته من بيته ، لأن المستعمل في اللغة هذا الذي وصفنا ؛ وبالله التوفيق.