Details

تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام


عن المعصومين عليهم السلام :

من طريق الراوة :



الحديث الشريف :
" وأما تكثير الله القليل من الطعام لمحمد صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله فان رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله كان يوما جالسا هو وأصحابه بحضرة جمع من خيار المهاجرين والانصار إذ قال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: إن شدقي يتحلب، وأجدني أشتهي حريرة مدوسة ملبقة بسمن وعسل. قال على عليه ‌السلام: وأنا أشتهي ما يشتهيه رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله. قال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله لابي الفصيل: ماذا تشتهي أنت؟ قال: خاصرة حمل مشوي. وقال لابي الشرور وأبي الدواهي:(ماذا تشتهيان أنتما)؟ قالا: صدر حمل مشوي. فقال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: أي عبد مؤمن يضيف اليوم رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله وصحبه ويطعمهم شهواتهم؟ فقال عبدالله بن ابي: هذا والله اليوم الذي نكيد فيه محمدا وصحبه ومحبيه ونقتله، ونخلص العباد والبلاد منه، وقال: يا رسول الله أنا اضيفكم، عندي شئ من بر وسمن وعسل، وعندي حمل أشوبه لكم. قال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: فافعل. فذهب عبدالله بن ابي، وأكثر السم في ذلك البر الملبق بالسمن والعسل، وفي ذلك الحمل المشوي، ثم عاد إلى رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله وقال: هلموا إلى ما اشتهيتم. فقال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: أنا ومن؟ قال ابن ابي: أنت وعلي وسلمان وأبوذر والمقداد وعمار. فأشار رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله إلى أبي الشرور وأبي الدواهي وأبي الملاهي وأبي النكث وقال صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: يابن ابي دون هؤلاء؟ ف‍ قال ابن ابي: نعم دون هؤلاء. وكره أن يكونوا معه لانهم كانوا مواطئين لابن ابي على النفاق. فقال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: لا حاجة لي في شئ استبد به دون هؤلاء، ودون المهاجرين والانصار الحاضرين لي. فقال عبدالله يا رسول الله إن لي الشئ القليل، لا يشبع أكثر من أربعة إلى خمسة. فقال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: يا عبدالله إن الله أنزل مائدة على عيسى عليه ‌السلام وبارك له في أربعة أرغفة وسميكات حتى أكل وشبع منها أربعة آلاف وسبعمائة. فقال: شأنك. ثم نادى رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: يامعشر المهاجرين والانصار هلموا إلى مائدة عبدالله بن ابي. فجاء‌وا مع رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله وهم سبعة آلاف وثمانمائة. فقال عبدالله لاصحاب له: كيف نصنع؟ هذا محمد وصحبه وإنما نريد أن نقتل محمدا ونفرا من أصحابه، ولكن إذا مات محمد وقع بأس هؤلاء بينهم، فلا يلتقي منهم اثنان في طريق. وبعث ابن ابي إلى أصحابه والمتعصبين له ليتسلحوا ويجتمعوا، وقال: ماهو إلا أن يموت محمد حتى يلقانا أصحابه، ويتهالكوا. فلما دخل رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله داره، أومأ عبدالله إلى بيت له صغير، فقال: يا رسول الله أنت وهؤلاء الاربعة يعني عليا وسلمان والمقداد وعمارا في هذا البيت، والباقون في الدار والحجرة والبستان، ويقف منهم قوم على الباب حتى يفرغ منهم أقوام ويخرجون، ثم يدخل بعدهم أقوام. فقال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: إن الذي يبارك في هذا الطعام القليل ليبارك في هذا البيت الصغير الضيق، ادخل يا علي ويا سلمان ويا مقداد ويا عمار، و ادخلوا معاشر المهاجرين والانصار. فدخلوا أجمعين وقعدوا حلقة واحدة كما يستديرون حول ترابيع الكعبة، وإذا البيت قد وسعهم أجمعين حتى أن بين كل رجلين منهم موضع رجل. فدخل عبدالله بن ابي فرأي عجبا عجيبا من سعة البيت الذي كان ضيقا، فقال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: ائتنا بما عملته.فجاء‌ه بالحريرة الملبقة بالسمن والعسل، و ب‍ الحمل المشوي. فقال ابن ابي: يا رسول الله كل أنت أولا قبلهم، ثم ليأكل صحبك هؤلاء: علي ومن معه، ثم يطعم هؤلاء. فقال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: كذلك أفعل. فوضع رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله يده على الطعام ووضع علي عليه ‌السلام يده معه. فقال ابن ابي: ألم يكن الامر على أن تأكل مع أصحابك وتفرد رسول الله؟ فقال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: يا عبدالله إن عليا أعلم بالله و ب‍ رسوله منك، إن الله ما فرق فيما مضى بين علي ومحمد، ولا يفرق فيما يأتي أيضا بينهما، إن عليا كان وأنا معه نورا واحدا، عرضنا الله عزوجل على أهل سماواته وأرضه وسائر حجبه وجنانه وهوامه وأخذ عليهم لنا العهود والمواثيق ليكونن لنا ولاوليائنا موالين ولاعدائنا معادين، ولمن نحبه محبين، ولمن نبغضه مبغضين، ما زالت إرادتنا واحدة ولا تزال، لا اريد إلا مايريد، ولا يريد إلا ما اريد يسرني ما يسره ويؤلمني ما يؤلمه فدع يا ابن ابي علي بن أبي طالب فانه أعلم بنفسه وبي منك. قال ابن ابي: نعم يا رسول الله. وأفضى إلى جد ومعتب، فقال: أردنا واحدا فصار إثنين، الآن يموتان جميعا، وتكفى شرهما، هذا لخيبتهما وسعادتنا، فلو بقي علي بعده لعله كان يجادل أصحابنا هؤلاء، و عبدالله بن ابي قد جمع جميع أصحابه ومتعصبيه حول داره ليضعوا السيف على أصحاب رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله إذ مات بالسم. ثم وضع رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله وعلي عليه ‌السلام يديهما في الحريرة الملبقة بالسمن والعسل فأكلا حتى شبعا، ثم وضع من اشتهى خاصرة الحمل، ومن اشتهى صدره(منهم فأكلا) حتى شبعا، وعبدالله ينظر ويظن أن لا يلبثهم السم، فاذاهم لا يزدادون إلا نشاطا. ثم قال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: هات الحمل. فلما جاء به، قال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله يا أبا الحسن ضع الحمل في وسط البيت. فوضعه في وسط البيت تناله أيديهم، فقال عبدالله، يا رسول الله كيف تناله أيديهم؟ ! فقال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله : إن الذي وسع هذا البيت، وعظمه حتى وسع جماعتهم وفضل عنهم، هو الذي يطيل أيديهم حتى تنال هذا الحمل، قال: فأطال الله تعالى أيديهم حتى نالت ذلك، فتناولوا منه وبارك الله في ذلك الحمل حتى وسعهم وأشبعهم وكفاهم، فاذا هو بعد أكلهم لم يبق منه إلا عظامه. فلما فرغوا منه طرح عليه رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله منديلا له، ثم قال: يا علي اطرح عليه الحريرة الملبقة بالسمن والعسل. ففعل، فأكلوا منه حتى شبعوا كلهم وأنفدوه. ثم قالوا: يا رسول الله نحتاج إلى لبن أو شراب نشربه عليه. فقال رسول الله: إن صاحبكم أكرم على الله من عيسى عليه ‌السلام، أحيا الله تعالى له الموتى، وسيفعل الله ذلك لمحمد صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله. ثم بسط منديله ومسح يديه عليه و قال:(اللهم كما باركت فيها فأطعمتنا من لحمها، فبارك فيها واسقنا من لبنها). قال: فتحركت، وبركت، وقامت، وامتلا ضرعها. فقال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: ائتوني بأزقاق وظروف وأوعية ومزادات فجاء‌وا بها فملاها، وسقاهم حتى شربوا ورووا. ثم قال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: لو لا أني أخاف أن يفتتن بها أمتي كما افتتن بنو إسرائيل بالعجل فاتخذوه ربا من دون الله تعالى لتركتها تسعى في أرض الله، وتأكل من حشائشها، ولكن اللهم أعدها عظاما كما أنشأتها. فعادت عظاما مأكولا ما عليها من اللحم شئ، وهم ينظرون. قال: فجعل أصحاب رسول الله يتذاكرون بعد ذلك توسعة الله تعالى البيت بعد ضيقه و في تكثيره الطعام ودفعه غائلة السم. فقال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: إني إذا تذكرت ذلك البيت كيف وسعه الله بعد ضيقه وفي تكثير ذلك الطعام بعد قلته، وفي ذلك السم كيف أزال الله تعالى غائلته عن محمد ومن دونه وكيف وسعه وكثره ! أذكر ما يزيده الله تعالى في منازل شيعتنا وخيراتهم في جنات عدن وفي الفردوس. إن في شيعتنا لمن يهب الله له في الجنان من الدرجات والمنازل والخيرات ما لا يكون الدنيا وخيراتها في جنبها إلا كالرملة في البادية الفضفاضة، فما هو إلا أن يرى أخا له مؤمنا فقيرا فيتواضع له ويكرمه ويعينه ويمونه ويصونه عن بذل وجهه له، حتى يرى الملائكة الموكلين بتلك المنازل والقصور و قد تضاعفت حتى صارت في الزيادة كما كان هذا الزائد في هذا البيت الصغير الذي رأيتموه فيها صار إليه من كبره وعظمه وسعته. فيقول الملائكة: يا ربنا لا طاقة لنا بالخدمة في هذه المنازل، فامددنا بأملاك يعاونوننا. فيقول الله: ماكنت لا حملكم ما لاتطيقون، فكم تريدون مددا؟ فيقولون: ألف ضعفنا. وفيهم من المؤمنين من يقول أملاكه: نستزيد مدد ألف ألف ضعفنا وأكثر من ذلك على قدر قوة إيمان صاحبهم، وزيادة إحسانه إلى أخيه المؤمن. فيمددهم الله تعالى بتلك الاملاك، وكلما لقى هذا المؤمن أخاه فبره، زاده الله في ممالكه وفي خدمه في الجنة كذلك. ثم قال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: و إذا تفكرت في الطعام المسموم الذي صبرنا عليه كيف أزال الله عنا غائلته وكثره ووسعه، ذكرت صبر شيعتنا على التقية، وعند ذلك يؤديهم الله تعالى بذلك الصبر إلى أشرف العاقبة وأكمل السعادة طالما يغتبطون في تلك الجنان بتلك الطيبات، فيقال لهم: كلوا هنيئا جزاء على تقيتكم لاعدائكم وصبركم عى أذاهم. "


   Back to List