Details

تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام


عن المعصومين عليهم السلام :

من طريق الراوة :



الحديث الشريف :
" يا معشر المبتدعين هذا يوم غرة شعبان الكريم سماه ربنا شعبان لتشعب الخيرات فيه، قد فتح ربكم فيه أبواب جنانه، وعرض عليكم قصورها وخيراتها بأرخص الاثمان، وأسهل الامور فأبيتموها وعرض لكم إبليس اللعين بشعب شروره وبلاياه فأنتم دائبا تنهمكون في الغي والطغيان، وتتمسكون بشعب إبليس، وتحيدون عن شعب الخير المفتوح لكم أبوابه. هذه غرة شعبان، وشعب خيراته الصلاة، والصوم، والزكاة، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبر الوالدين والقرابات والجيران، وإصلاح ذات البين، و الصدقة على الفقراء والمساكين، تتكلفون ما قد وضع عنكم، وما قد نهيتم عن الخوض فيه من كشف سرائر الله التي من فتش عنها كان من الهالكين. أما إنكم لو وقفتم على ما قد أعده ربنا عزوجل للمطيعين من عباده في هذا اليوم، لقصرتم عما أنتم فيه، وشرعتم فيما امرتم به. قالوا: يا أمير المؤمنين وما الذي أعد الله في هذا اليوم للمطيعين له؟ فقال أمير المؤمنين عليه ‌السلام: لا أحدثكم إلا بما سمعت من رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: لقد بعث رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله جيشا ذات يوم إلى قوم من أشداء الكفار، فأبطأ عليه خبرهم، وتعلق قلبه بهم، وقال: ليت لنا من يتعرف أخبارهم، ويأتينا بأنبائهم. بينا هو قائل هذا، إذ جاء‌ه البشير بأنهم قد ظفروا بأعدائهم واستولوا عليهم وصيروهم بين قتيل وجريح وأسير، وانتهبوا أموالهم، وسبوا ذراريهم وعيالهم. فلما قرب القوم من المدينة، خرج إليهم رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله بأصحابه يتلقاهم، فلما لقيهم ورئيسهم زيد بن حارثة، وكان قد أمره عليهم - فلما رأى زيد رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله - نزل عن ناقته، وجاء إلى رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله، وقبل رجله، ثم قبل يده، فأخذه رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله وقبل رأسه. ثم نزل إلى رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله عبدالله بن رواحة فقبل يده ورجله وضمه رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله إلى نفسه. ثم نزل إليه قيس بن عاصم المنقري فقبل يده ورجله وضمه رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله إليه. ثم نزل إليه سائر الجيش ووقفوا يصلون عليه، ورد عليهم رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله خيرا ثم قال لهم: حدثوني خبركم وحالكم مع أعدائكم.وكان معهم من أسراء القوم وذراريهم وعيالاتهم وأموالهم من الذهب والفضة وصنوف الامتعة شئ عظيم. فقالوا: يا رسول الله لو علمت كيف حالنا لعظم تعجبك. فقال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: لم أكن أعلم ذلك حتى عرفنيه الآن جبرئيل عليه ‌السلام، وما كنت أعلم شيئا من كتابه ودينه أيضا حتى علمنيه ربي، قال الله عزوجل: (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ماكنت تدري ما الكتاب ولا الايمان - إلى قوله - صراط مستقيم). ولكن حدثوا بذلك إخوانكم هؤلاء المؤمنين، لا صدقكم فقد أخبرني جبرئيل بصدقكم فقالوا: يا رسول الله، إنا لما قربنا من العدو بعثنا عينا لنا ليعرف أخبارهم وعددهم لنا، فرجع إلينا يخبرنا أنهم قدر ألف رجل، وكنا ألفي رجل، وإذا القوم قد خرجوا إلى ظاهر بلدهم في ألف رجل، وتركوا في البلد ثلاثة آلاف يوهموننا أنهم ألف، وأخبرنا صاحبنا أنهم يقولون فيما بينهم: نحن ألف وهم ألفان ولسنا نطيق مكافحتهم، وليس لنا إلا التحاصن في البلد حتى تضيق صدورهم من منازلتنا، فينصرفوا عنا. فتجر أنا بذلك عليهم، وزحفنا إليهم، فدخلوا بلدهم، وأغلقوا دوننا بابه، فقعدنا ننازلهم. فلما جن علينا الليل، وصرنا إلى نصفه، فتحوا باب بلدهم، ونحن غارون نائمون ماكان فينا منتبه إلا أربعة نفر: زيد بن حارثة في جانب من جوانب عسكرنا يصلي ويقرأ القرآن. وعبدالله بن رواحة في جانب آخر يصلي ويقرأ القرآن. وقتادة بن النعمان في جانب آخر يصلي ويقرأ القرآن. وقيس بن عاصم في جانب آخر يصلي ويقرأ القرآن. فخرجوا في الليلة الظلماء الدامسة، ورشقونا بنبالهم، وكان ذلك بلدهم، وهم بطرقه ومواضعه عالمون، ونحن بها جاهلون، فقلنا فيما بيننا: دهينا وأوتينا، هذا ليل مظلم لا يمكننا أن نتقي؟؟ النبال، لانا لا نبصرها. فبينا نحن كذلك إذ رأينا ضوء‌ا خارجا من في قيس بن عاصم المنقري كالنار المشتعلة. وضوء‌ا خارجا من في قتادة بن النعمان كضوء الزهرة والمشتري، وضوء‌ا خارجا من في عبدالله بن رواحة كشعاع القمر في الليلة المظلمة. ونورا ساطعا من في زيد بن حارثة أضوء من الشمس الطالعة. وإذا تلك الانوار قد أضاء‌ت معسكرنا حتى أنه أضوء من نصف النهار، وأعداؤنا في ظلمة شديدة، فأبصرناهم وعموا عنا، ففرقنا زيد بن حارثة عليهم حتى أحطنا بهم، ونحن نبصرهم، وهم لا يبصروننا، ونحن بصراء، وهم عميان، فوضعنا عليهم السيوف فصاروا بين قتيل وجريح وأسير. ودخلنا بلدهم فاشتملنا على الذراري والعيال والاثاث والاموال، وهذه عيالاتهم وذراريهم، وهذه أموالهم، وما رأينا يا رسول الله أعجب من تلك الانوار من أفواه هؤلاء القوم، التي عادت ظلمة على أعدائنا حتى مكنا منهم. فقال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: قولوا الحمد لله رب العالمين على ما فضلكم به من شهر شعبان هذه كانت ليلة غرة شعبان، وقد انسلخ عنهم الشهر الحرام، وهذه الانوار بأعمال إخوانكم هؤلاء في غرة شعبان أسلفوا بها أنوارا في ليلتها قبل أن يقع منهم الاعمال. قالوا: يا رسول الله وما تلك الاعمال لنثابر عليها؟ قال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: أما قيس بن عاصم المنقري، فانه أمر بمعروف في يوم غرة شعبان، وقد نهى عن منكر، ودل على خير، فلذلك قدم له النور في بارحة يومه عند قراء‌ته القرآن. وأما قتادة بن النعمان، فانه قضى دينا كان عليه في يوم غرة شعبان، فلذلك أسلفه الله النور في بارحة يومه. وأما عبدالله بن رواحة، فانه كان برا بوالديه، فكثرت غنيمته في هذه الليلة فلما كان من غد، قال له أبوه: إني وأمك لك محبان، وإن امرأتك فلانة تؤذينا وتعنينا وإنا لا نأمن من أن تصاب في بعض هذه المشاهد، ولسنا نأمن أن تستشهد في بعضها، فتداخلنا هذه في أموالك، ويزداد علينا بغيها وعنتها. فقال عبدالله: ماكنت أعلم بغيها عليكم، وكراهتكما لها، ولو كنت علمت ذلك لابنتها من نفسي، ولكني قد أبنتها الآن لتأمنا ما تحذران، فما كنت بالذي أحب من تكرهان، فلذلك أسلفه الله النور الذي رأيتم. وأما زيد بن حارثة الذي كان يخرج من فيه نور أضوء من الشمس الطالعة، وهو سيد القوم وأفضلهم، فقد علم الله ما يكون منه، فاختاره وفضله على علمه بما يكون منه أنه في اليوم الذي ولي هذه الليلة التي كان فيها ظفر المؤمنين بالشمس الطالعة من فيه جاء‌ه رجل من منافقي عسكره يريد التضريب بينه وبين علي بن أبى طالب عليه ‌السلام، وإفساد ما بينهما فقال له: بخ بخ أصبحت لا نظير لك في أهل بيت رسول الله وصحابته هذا بلاؤك، وهذا الذي شاهدناه نورك. فقال له زيد: يا عبدالله اتق الله، ولا تفرط في المقال، ولا ترفعني فوق قدري، فانك لله بذلك مخالف و به كافر، وإني إن تلقيت مقالتك هذه بالقبول لكنت كذلك. يا عبدالله، ألا احدثك بما كان في أوائل الاسلام وما بعده، حتى دخل رسول الله المدينة وزوجه فاطمة عليها‌السلام، وولد له الحسن والحسين عليهما ‌السلام؟ قال: بلى. قال: إن رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله كان لي شديد المحبة حتى تبناني لذلك فكنت ادعى "" زيد بن محمد "" إلى أن ولد لعلي الحسن والحسين عليهما ‌السلام فكرهت ذلك لاجلهما، وقلت - لمن كان يدعوني -: احب أن تدعوني زيدا مولى رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله فاني أكره أن اضاهي الحسن والحسين عليهما ‌السلام، فلم يزل ذلك حتى صدق الله ظني، وأنزل على محمد صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه).يعني قلبا يحب محمدا وآله، ويعظمهم، وقلبا يعظم به غيرهم كتعظيمهم.أو قلبا يحب به أعداء‌هم، وبل من أحب أعداء‌هم فهو يبغضهم ولا يحبهم.ومن سوى بهم مواليهم فهو يبغضهم ولا يحبهم.ثم قال: (وما جعل أزواجكم اللاتي تظاهرون منهن امهاتكم وما جعل أدعياء‌كم أبناء‌كم - إلى قوله تعالى - واولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) يعني الحسن عليه ‌السلام والحسين عليه ‌السلام أولى ببنوة رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله في كتاب الله وفرضه (من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا) إحسانا وإكراما لا يبلغ لك محل الاولاد (كان ذلك في الكتاب مسطورا). فتركوا ذلك وجعلوا يقولون: زيد أخو رسول الله. فما زال الناس يقولون لي هذا وأكرهه حتى أعاد رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله المؤاخاة بينه وبين علي بن أبي طالب عليه ‌السلام. ثم قال زيد: يا عبدالله إن زيدا مولى علي بن أبي طالب عليه ‌السلام كما هو مولى رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله، فلا تجعله نظيره، ولا ترفعه فوق قدره، فتكون كالنصارى لما رفعوا عيسى عليه ‌السلام فوق قدره، فكفروا بالله العلي العظيم. قال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: فذلك فضل الله زيدا بما رأيتم، وشرفه بما شاهدتم. والذي بعثني بالحق نبيا إن الذي أعده الله لزيد في الآخرة ليصغر في جنبه ماشاهدتم في الدنيا من نوره، إنه ليأتي يوم القيامة ونوره يسير أمامه وخلفه ويمينه ويساره وفوقه وتحته، من كل جانب مسيرة ألف سنة. ‏"


   Back to List