Details

تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام


عن المعصومين عليهم السلام :

من طريق الراوة :



الحديث الشريف :
" ولقد جاء رجل يوما إلى علي بن الحسين عليهما ‌السلام برجل يزعم أنه قاتل أبيه فاعترف، فأوجب عليه القصاص، وسأله أن يعفو عنه ليعظم الله ثوابه، فكأن نفسه لم تطب بذلك. فقال علي بن الحسين عليه ‌السلام للمدعي ولي الدم المستحق للقصاص: إن كنت تذكر لهذا الرجل عليك حقا فهب له هذه الجناية، واغفر له هذا الذنب. قال: يابن رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله له علي حق ولكن لم يبلغ به أن أعفو له عن قتل والدي. قال: فتريد ماذا؟ قال: أريد القود فان أراد لحقه علي أن أصالحه على الدية صالحته وعفوت عنه. قال علي بن الحسين عليهما ‌السلام: فماذا حقه عليك؟ قال: يابن رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله لقنني توحيد الله ونبوة رسول الله، وإمامة علي بن أبي طالب والائمة عليهم‌السلام. فقال علي بن الحسين عليهما ‌السلام: فهذا لا يفى بدم أبيك؟ ! بلى والله، هذا يفي بدماء أهل الارض كلهم من الاولين والآخرين سوى الانبياء و الائمة عليهم‌السلام إن قتلوا فانه لا يفي بدمائهم شئ، أو تقنع منه بالدية؟ قال: بلى. قال علي بن الحسين عليه ‌السلام للقاتل: أفتجعل لي ثواب تلقينك له حتى أبذل لك الدية فتنجو بها من القتل؟ قال يابن رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله أنا محتاج إليها، وأنت مستغن عنها فان ذنوبي عظيمة، وذنبي إلى هذا المقتول أيضا بيني وبينه، ولا بيني وبين وليه هذا. قال على بن الحسين عليهما ‌السلام: فتستسلم للقتل أحب إليك من نزولك عن ثواب هذا التلقين؟ قال: بلى يابن رسول الله. فقال على بن الحسين عليه ‌السلام لولي المقتول: يا عبدالله قابل بين ذنبه هذا إليك، وبين تطوله عليك، قتل أباك فحرمه لذة الدنيا، وحرمك التمتع به فيها، على أنك إن صبرت وسلمت فرفيق أبيك في الجنان، ولقنك إلايمان فأوجب لك به جنة الله الدائمة، وأنقذك من عذابه الدائم، فاحسانه إليك أضعاف أضعاف جنايته عليك فاما أن تعفو عنه جزاء‌ا على إحسانه إليك؟ ! لاحدثكما بحديث من فضل رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله خير لكما من الدنيا بما فيها، وإما أن تأبى أن تعفو عنه حتى أبذل لك الدية لتصالحه عليها، ثم أحدثه بالحديث دونك، ولما يفوتك من ذلك الحديث خير من الدنيا بما فيها لو اعتبرت به. فقال الفتى: يابن رسول الله: قد عفوت عنه بلا دية، ولا شئ إلا ابتغاء وجه الله ولمسألتك في أمره، فحدثنا يابن رسول الله بالحديث. قال على بن الحسين عليهما ‌السلام: إن رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله لما بعث إلى الناس كافة بالحق بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله باذنه وسراجا منيرا، جعلت الوفود ترد عليه، والمنازعون يكثرون لديه، فمن مريد قاصد للحق منصف متبين مايورده عليه رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله من آياته ويظهر له من معجزاته، فلا يلبث أن يصير أحب خلق الله تعالى إليه وأكرمهم عليه، ومن معاند يجحد ما يعلم ويكابره فيما يفهم، فيبوء باللعنة على اللعنة قد صوره عناده وهو من العالمين في صورة الجاهلين. فكان ممن قصد رسول الله لمحاجته ومنازعته طوائف فيهم معاندون مكابرون وفيهم منصفون متبينون متفهمون، فكان منهم سبعة نفر يهود وخمسة نصارى وأربعة صابئون وعشرة مجوس وعشرة ثنوية وعشرة براهمة وعشرة دهرية معطلة وعشرون من مشركي العرب جمعهم منزل قبل ورودهم على رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله وفي المنزل من خيار المسلمين نفر منهم: عمار بن ياسر، وخباب بن الارت، والمقداد بن الاسود، وبلال. فاجتمع أصناف الكافرين يتحدثون عن رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله وما يدعيه من الآيات، ويذكر في نفسه من المعجزات، فقال بعضهم: إن معنا في هذا المنزل نفرا من أصحابه، وهلموا بنا إليهم نسألهم عنه قبل مشاهدته، فلعلنا أن نقف من جهتهم على بعض أحواله في صدقه وكذبه، فجاء‌وا إليهم، فرحبوا بهم وقالوا: أنتم من أصحاب محمد؟ قالوا: بلى، نحن من أصحاب محمد سيد الاولين والآخرين، والمخصوص بأفضل الشفاعات في يوم الدين، ومن لو نشر الله تعالى جميع أنبيائه، فحضروه لم يلقوه إلا مستفيدين من علومه، آخذين من حكمته، ختم الله تعالى به النبيين، وتمم به المكارم، وكمل به المحاسن، فقالوا: فبما ذا أمركم محمد؟ فقالوا: أمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا، وأن نقيم الصلاة، ونؤتي الزكاة، ونصل الارحام، وننصف للانام، ولا نأتي إلى عباد الله بما لا نحب أن يأتوا به إلينا، وأن نعتقد ونعترف أن محمدا سيد الاولين والآخرين، وأن عليا عليه ‌السلام أخاه سيد الوصيين، وأن الطيبين من ذريته المخصوصين بالامامة هم الائمة على جميع المكلفين الذين أوجب الله تعالى طاعتهم وألزم متابعتهم وموالاتهم. فقالوا: يا هؤلاء هذه أمور لا تعرف إلا بحجج ظاهرة، ودلائل باهرة، وأمور بينة ليس لاحد أن يلزمها أحدا بلا أمارة تدل عليها، ولا علامة صحيحة تهدي إليها، أفرأيتم له آيات بهرتكم، وعلامات ألزمتكم؟ قالوا: بلى والله، لقد رأينا ما لامحيص عنه، ولا معدل ولا ملجأ، ولا منجا لجاحده من عذاب الله، ولا موئل فعلمنا أنه المخصوص برسالات الله المؤيد بآيات الله، المشرف بما اختصه الله به من علم الله، قالوا: فما الذي رأيتموه؟ قال عمار بن ياسر: أما الذي رأيته أنا، فاني قصدته وأنا فيه شاك، فقلت: يا محمد لا سبيل إلى التصديق بك مع استيلاء الشك فيك على قلبي، فهل من دلالة؟ قال: بلى. قلت: ما هي؟ قال: إذا رجعت إلى منزلك فاسأل عني ما لقيت من الاحجار والاشجار تصدقني برسالتي، وتشهد عندك بنبوتي. فرجعت فما من حجر لقيته، ولا شجر رأيته إلا ناديته: يا أيها الحجر، يا أيها الشجر، إن محمدا يدعي شهادتك بنبوته، وتصديقك له برسالته، فبماذا تشهد له؟ فنطق الحجر والشجر: أشهد أن محمدا صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله رسول ربنا. هذا آخر ما وجد من هذا التفسير في هذا الموضع، ونرجو من الله أن يرزقنا تمام هذا التفسير، وجملة ذلك الكتاب الكبير سيما هذا الحديث الشريف المشتمل على المعجزات الظاهرة والآيات الباهرة الشاهدة على حقية نبوة البشير النذير والسراج المنير، عليه وعلى آله صلوات الله الملك الكبير. بسم الله الرحمن الرحيم شئ آخر مما وقع إلينا من هذا التفسير من موضع آخر من هذه السورة أيضا وهو آخر تفسير قوله تعالى: "" ليس عليكم جناح ان تبتغوا فضلا من ربكم "" الاية: 198. "


   Back to List