عن المعصومين عليهم السلام :
من طريق الراوة :
الحديث الشريف :
" ولقد حدثني أبي الباقر عليه السلام، عن جدي علي بن الحسين زين العابدين عن أبيه الحسين بن علي سيد الشهداء، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين أنه اجتمع يوما عند رسول الله صلى الله عليه وآله أهل خمسة أديان: اليهود والنصارى، والدهرية، والثنوية ومشركوا العرب. فقالت اليهود: نحن نقول: عزير ابن الله، وقد جئناك يا محمد لننظر ما تقول فان تبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك. وقالت النصارى: نحن نقول، إن المسيح ابن الله اتحد به، وقد جئناك لننظر ما تقول، فان تبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك. وقالت الدهرية: نحن نقول: الاشياء لابدء لها وهي دائمة، وقد جئناك لتنظر ما تقول، فان تبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك. وقالت الثنوية: نحن نقول: إن النور والظلمة هما المدبران، وقد جئناك للنظر ماتقول، فان تبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك. وقال مشركو العرب: نحن نقول إن أوثاننا آلهة وقد جئناك للنظر ما تقول فان تبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: آمنت بالله وحده لا شريك له، وكفرت بكل معبود سواه. ثم قال لهم: إن الله تعالى بعثني كافة للناس بشيرا ونذيرا، حجة على العالمين وسيرد الله كيد من يكيد دينه في نحره. ثم قال لليهود: أجئتموني لاقبل قولكم بغير حجة؟ قالوا: لا. قال: فما الذي دعاكم إلى القول بأن عزيرا ابن الله؟ قالوا: لانه أحيا لبني إسرائيل التوراة بعد ما ذهبت، ولم يفعل به هذا إلا لانه ابنه. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فكيف صار عزير ابن الله دون موسى وهو الذي جاءهم بالتوراة ورئي منه من المعجزات ما قد علمتم؟ ولئن كان عزير ابن الله لما ظهر من إكرامه باحياء التوراة، فلقد كان موسى بالبنوة أحق وأولى، ولئن كان هذا المقدار من إكرامه لعزير يوجب أنه ابنه، فأضعاف هذه الكرامة لموسى توجب له منزلة أجل من البنوة، لانكم إن كنتم إنما تريدون بالبنوة الولادة على سبيل ما تشاهدونه في دنياكم هذه من ولادة الامهات الاولاد بوطئ آبائهم لهن، فقد كفرتم بالله وشبهتموه بخلقه، وأوجبتم فيه صفات المحدثين، ووجب عندكم أن يكون محدثا مخلوقا، وأن له خالقا صنعه وابتدعه. قالوا: لسنا نعني هذا، فان هذا كفر كما ذكرت، ولكنا نعني أنه ابنه على معنى الكرامة، وإن لم يكن هناك ولادة، كما قد يقول بعض علمائنا لمن يريد إكرامه وإبانته بالمنزلة من غيره: يا بني، وإنه ابني. لا على إثبات ولادته منه، لانه قد يقول ذلك لمن هو أجنبي لا نسب بينه وبينه وكذلك لما فعل بعزير ما فعل، كان قد اتخذه ابنا على الكرامة لا على الولادة. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فهذا ما قلته لكم: إنه إن وجب على هذا الوجه أن يكون عزير ابنه فان هذه المنزلة لموسى أولى، وإن الله تعالى يفضح كل مبطل باقراره ويقلب عليه حجته. إن ما احتججتم به يؤديكم إلى ما هو أكبر مما ذكرته لكم، لانكم قلتم: إن عظيما من عظمائكم قد يقول لاجنبي لانسب بينه وبينه: يا بني، وهذا ابني لا على طريق الولادة، فقد تجدون أيضا هذا العظيم يقول لاجنبي آخر: هذا أخي ولآخر: هذا شيخي، وأبي، ولآخر: هذا سيدي، على سبيل الاكرام، وإن من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول، فاذا يجوز عندكم أن يكون موسى أخا لله أو شيخا له أو أبا أو سيدا لانه قد زاده في الكرامة على ما لعزيز، كما أن من زاد رجلا في الاكرام فقال له: يا سيدي ويا شيخي وياعمي ويا رئيسي ويا أميري على طريق الاكرام، وإن من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول، أفيجوز عندكم أن يكون موسى أخا لله، أو شيخا، أو عما أو رئيسا، أو سيدا أو أميرا؟ لانه قد زاده في الاكرام على من قال له: يا شيخي أو يا سيدي أو يا عمي، أو يا رئيسي، أو يا أميري. قال: فبهت القوم وتحيروا وقالوا: يا محمد أجلنا نتفكر فيما قلته لنا. فقال: انظروا فيه بقلوب معتقدة للانصاف، يهدكم الله. ثم أقبل صلى الله عليه وآله على النصارى فقال لهم: وأنتم قلتم: إن القديم عزوجل اتحد بالمسيح ابنه ما الذي أردتموه بهذا القول؟ أردتم أن القديم صار محدثا لوجود هذا المحدث الذي هو عيسى؟ أو المحدث الذي هو عيسى صار قديما لوجود القديم الذي هو الله؟ أو معنى قولكم: "" إنه اتحدبه "" أنه اختصه بكرامة لم يكرم بها أحدا سواه؟ فان أردتم أن القديم تعالى صار محدثا فقد أبطلتم، لآن القديم محال أن ينقلب فيصير محدثا، وإن أردتم أن المحدث صار قديما فقد أحلتم لان المحدث أيضا محال أن يصير قديما، وإن أردتم أنه اتحد به بأن اختصه واصطفاه على سائر عباده، فقد أقررتم بحدوث عيسى، وبحدوث المعنى الذي اتحد به من أجله، لانه إذا كان عيسى محدثا وكان الله اتحد به بأن أحدث به معنى صار به أكرم الخلق عنده، فقد صار عيسى وذلك المعنى محدثين، وهذا خلاف مابدأتم تقولونه. قال: فقالت النصارى: يا محمد إن الله تعالى لما أظهر على يد عيسى من الاشياء العجيبة ما أظهر، فقد اتخذه ولد ا على جهة الكرامة. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: فقد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعنى الذي ذكرتموه. ثم أعاد صلى الله عليه وآله ذلك كله، فسكتوا إلا رجلا واحد منهم، فقال له: يا محمد أو لستم تقولون: إن إبراهيم خليل الله؟ قال: قد قلنا ذلك. فقال: فاذا قلتم ذلك فلم منعتمونا من أن نقول: إن عيسى ابن الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنهما لم يشتبها، لان قولنا: إن إبراهيم خليل الله، فانما هو مشتق من الخلة والخلة: فأما الخلة فانما معناها الفقر والفاقة، فقد كان خليلا إلى ربه فقيرا، وإليه منقطعا، وعن غيره متعففا معرضا مستغنيا، وذلك لما أريد قذفه في النار، فرمي به في المنجنيق فبعث الله تعالى جبرئيل عليه السلام وقال له: أدرك عبدي. فجاءه فلقيه في الهواء، فقال: كلفني ما بدا لك فقد بعثني الله لنصرتك. فقال: بل حسبي الله ونعم الوكيل، إني لا أسأل غيره ولا حاجة لي إلا إليه. فسماه خليله أي، فقيره ومحتاجه، والمنقطع إليه عمن سواه. وإذا جعل معنى ذلك من الخلة وهو أنه قد تخلل به معانيه، ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره كان معناه العالم به وباموره، ولا يوجب ذلك تشبيه الله بخلقه، ألا ترون أنه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله؟ وإذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله؟ وأن من يلده الرجل، وإن أهانه وأقصاه، لم يخرج عن أن يكون ولده؟ لان معنى الولادة قائم. ثم إن وجب - لانه قال الله: ابراهيم خليلي - أن تقيسوا أنتم فتقولوا: إن عيسى ابنه، وجب أيضا كذلك أن تقولوا لموسى: إنه ابنه، فان الذي معه من المعجزات لم يكن بدون ما كان مع عيسى، فقولوا إن موسى أيضا ابنه، وإنه يجوز أن تقولوا على هذا المعنى: شيخه وسيده وعمه ورئيسه وأميره كما قد ذكرته لليهود. فقال بعضهم: وفي الكتب المنزلة أن عيسى قال: أذهب إلى أبي. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فان كنتم بذلك الكتاب تعملون، فان فيه: "" أذهب إلى أبي وأبيكم "" فقولوا: إن جميع الذين خاطبهم كانوا أبناء الله، كما كان عيسى ابنه من الوجه الذي كان عيسى ابنه، ثم إن ما في هذا الكتاب يبطل عليكم هذا المعنى الذي زعمتم أن عيسى من جهة الاختصاص كان ابنا له، لانكم قلتم: إنما قلنا: إنه ابنه لانه تعالى اختصه بما لم يختص به غيره، وأنتم تعلمون أن الذي خص به عيسى لم يخص به هؤلاء القوم الذين قال لهم عيسى: "" أذهب إلى أبي وأبيكم "" فبطل أن يكون الاختصاص لعيسى، لانه قد ثبت عندكم بقول عيسى لمن لم يكن له مثل اختصاص عيسى، وأنتم إنما حكيتم لفظة عيسى وتأولتموها على غير وجهها لانه إذا قال: "" أبي وأبيكم "" فقد أراد غير ما ذهبتم إليه ونحلتموه، وما يدريكم لعله عنى: أذهب إلى آدم وإلى نوح إن الله يرفعني إليهم ويجمعني معهم، وآدم أبي وأبوكم وكذلك نوح، بل ما أراد غير هذا قال: فسكتت النصارى، وقالوا: ما رأينا كاليوم مجادلا ولا مخاصما وسننظر في أمورنا. ثم اقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على الدهرية فقال: وأنتم فما الذي دعاكم إلى القول بأن الاشياء لابدء لها وهي دائمة لم تزل، ولا تزال؟ فقالوا: لانا لا نحكم إلا بما نشاهد، ولم نجد للاشياء حدثا فحكمنا بأنها لم تزل ولم نجد لها انقضاء ولا فناء فحكمنا بأنها لا تزال. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أفوجدتم لها قدما، أم وجدتم لها بقاء أبد الآباد؟ فان قلتم: إنكم قد وجدتم ذلك أثبتم لانفسكم أنكم لم تزالوا على هيئتكم وعقولكم بلا نهاية، ولا تزالون كذلك ولئن قلتم هذا دفعتم العيان وكذبكم العالمون الذين يشاهدونكم. قالوا: بل لم نشاهد لها قدما ولا بقاء أبد الاباد. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فلم صرتم بأن تحكموا بالقدم والبقاء دائما؟ لانكم لم تشاهدوا حدوثها، وانقضاءها أولى من تارك التميز لها مثلكم، يحكم لها بالحدوث والانقضاء والانقطاع لانه لم يشاهد لها قدما ولا بقاء أبد الآباد. أو لستم تشاهدون الليل والنهار وأحدهما بعد الآخر؟ فقالوا: نعم. فقال: أترونهما لم يزالا ولا يزالان؟ فقالوا: نعم. قال: أفيجوز عندكم اجتماع الليل والنهار؟ فقالوا: لا. فقال صلى الله عليه وآله: فاذا ينقطع أحدهما عن الآخر فيسبق أحدهما، ويكون الثاني جاريا بعده. قالوا: كذلك هو. فقال: قد حكمتم بحدوث ما تقدم من ليل ونهار.لم تشاهدوهما، فلا تنكروا لله قدرة ثم قال صلى الله عليه وآله: أتقولون ما قبلكم من الليل والنهار متناه أم غير متناه؟ فان قلتم: غير متناه فكيف وصل إليكم آخر بلا نهاية لاوله؟ وإن قلتم: إنه متناه أم غير فقد كان ولا شئ منهما بقديم. قالوا: نعم. قال لهم: أقلتم أن العالم قديم ليس بمحدث وأنتم عارفون بمعنى ما أقررتم به، وبمعنى ما جحدتموه؟ قالوا: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فهذا الذي نشاهده من الاشياء بعضها إلى بعض مفتخر، لانه لا قوام للبعض الا بما يتصل به، ألا ترى أن البناء محتاجا بعض أجزائه إلى بعض والا لم يتسق، ولم يستحكم، وكذلك سائر ما ترون. وقال صلى الله عليه وآله: فاذا كان هذا المحتاج - بعضه إلى بعض لقوته وتمامه - هو القديم، فأخبروني أن لو كان محدثا كيف كان يكون؟ وماذا كانت تكون صفته؟ قال: فبهتوا وتحيروا وعلموا أنهم لا يجدون للمحدث صفة يصفونه بها الا وهي موجودة في هذا الذي زعموا أنه قديم، فوجموا وقالوا: سننظر في أمرنا. ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على الثنوية - الذين قالوا: النور والظلمة هما المدبران - فقال: وأنتم فما الذي دعاكم إلى ما قلتموه من هذا؟ فقالوا: لانا وجدنا العالم صنفين: خيرا وشرا، ووجدنا الخير ضد الشر، فأنكرنا أن يكون فاعل واحد يفعل الشئ وضده، بل لكل واحد منهما فاعل، ألا ترى أن الثلج محال أن يسخن كما أن النار محال أن تبرد، فأثبتنا لذلك صانعين قديمين: ظلمة ونورا. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: أفلستم قد وجدتم سوادا وبياضا، وحمرة وصفرة، وخضرة وزرقة؟ وكل واحدة ضد لسائرها لاستحالة اجتماع اثنين منهما في محل واحد، كما كان الحر والبرد ضدين لاستحالة اجتماعهما في محل واحد؟ قالوا: نعم. قال: فهلا أثبتم بعدد كل لون صانعا قديما ليكون فاعل كل ضد من هذه الالوان غير فاعل الضد الاخر؟ ! قال: فسكتوا. ثم قال: وكيف اختلط النور والظلمة، وهذا من طبعه الصعود، وهذه من طبعها النزول؟ أرأيتم لو أن رجلا أخذ شرفا يمشي اليه والاخر غربا أكان يجوز عندكم أن يلتقيا ماداما سائرين على وجوههما؟ قالوا: لا. قال: فوجب أن لا يختلط النور والظلمة، لذهاب كل واحد منهما في غير جهة الاخر، فكيف حدث هذا العالم من امتزاج ماهو محال أن يمتزج؟ بل هما مدبران جميعا مخلوقان، فقالوا: سننظر في امورنا. ثم أقبل على مشركي العرب فقال: وأنتم فلم عبدتم الاصنام من دون الله؟ فقالوا: نتقرب بذلك إلى الله تعالى. فقال: أو هي سامعة مطيعة لربها، عابدة له، حتى تتقربوا بتعظيمها إلى الله؟ قالوا: لا. قال: فأنتم الذين تنحتونها بأيديكم؟ قالوا: نعم. قال: فلئن تعبدكم هي - لو كان يجوز منها العبادة - أحرى من أن تعبدوها اذا لم يكن أمركم بتعظيمها من هو العارف بمصالحكم وعواقبكم والحكيم فيما يكلفكم؟ قال: فلما قال رسول الله صلى الله عليه وآله هذا اختلفوا: فقال بعضهم: ان الله قد يحل في هياكل رجال كانوا على هذه الصور التي صورناها، فصورنا هذه، نعظمها لتعظيمنا تلك الصور التي حل فيها ربنا. وقال آخرون منهم: ان هذه صور أقوام سلفوا كانوا مطيعين لله قبلنا، فمثلنا صورهم وعبدناها تعظيما لله. وقال آخرون منهم: ان الله لما خلق آدم، وأمر الملائكة بالسجود له، كنا نحن أحق بالسجود لادم من الملائكة، ففاتنا ذلك، فصورنا صورته فسجدنا لها تقربا إلى الله كما تقربت الملائكة بالسجود لادم إلى الله تعالى، وكما أمرتم بالسجود - بزعمكم - إلى جهة مكة ففعلتم، ثم نصبتم في غير ذلك البلد بأيديكم محاريب سجدتم اليها، وقصدتم الكعبة لا محاريبكم، وقصدكم في الكعبة إلى الله تعالى لا اليها. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أخطأتم الطريق وضللتم، أما أنتم - وهو صلى الله عليه وآله يخاطب الذين قالوا: ان الله يحل في هياكل رجال كانوا على هذه الصور التي صورناها، فصورنا هذه نعظمها لتعظيمنا لتلك الصور التي حل فيها ربنا - فقد وصفتم ربكم بصفة المخلوقات، أو يحل ربكم في شئ حتى يحيط به ذلك الشئ؟ فأي فرق بينه اذن وبين سائر مايحل فيه من لونه وطعمه ورائحته ولينه وخشونته وثقله وخفته؟ ولم صار(هذا المحلول) فيه محدثا وذلك قديما دون أن يكون ذلك محدثا وهذا قديما وكيف يحتاج إلى المحال من لم يزل قبل المحال وهو عزوجل لا يزال كما لم يزل؟ فاذا وصفتموه بصفة المحدثات في الحلول فقد لزمكم أن تصفوه بالزوال والحدوث. وأما ما وصفتموه بالزوال والحدوث فصفوه بالفناء، فان ذلك أجمع من صفات الحال والمحلول فيه، وجميع ذلك يغير الذات، فان(جاز أن يتغير) ذات الباري تعالى بحلوله في شئ جاز أن يتغير بأن يتحرك ويسكن ويسود ويبيض ويحمر ويصفر وتحله الصفات التى تتعاقب على الموصوف بها حتى يكون فيه جميع صفات المحدثين، ويكون محدثا - عن الله تعالى عن ذلك -. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فاذا بطل ما ظننتموه من أن الله يحل في شئ فقد فسد ما بنيتم عليه قولكم. قال: فسكت القوم، وقالوا: سننظر في أمورنا. ثم أقبل على الفريق الثاني فقال لهم: أخبرونا عنكم اذا عبدتم صور من كان يعبد الله فسجدتم لها وصليتم، فوضعتم الوجوه الكريمة على التراب - بالسجود لها - فما الذي أبقيتم لرب العالمين؟ أما علمتم أن من حق من يلزم تعظيمه وعبادته أن لايساوى به عبده؟ أرأيتم ملكا عظيما اذا ساويتموه بعبيده في التعظيم والخشوع والخضوع أيكون في ذلك وضع للكبير كما يكون زيادة في تعظيم الصغير؟ فقالوا: نعم. قال: أفلا تعلمون أنكم من حيث تعظمون الله بتعظيم صور عباده المطيعين له تزرون على رب العالمين؟ قال: فسكت القوم بعد أن قالوا: سننظر في امورنا. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله للفريق الثالث: لقد ضربتم لنا مثلا، وشبهتمونا بأنفسكم ولا سواء، وذلك أنا عباد الله مخلوقون مربوبون نأتمر له فيما أمرنا، وننزجر عما زجرنا، ونعبده من حيث يريده منا، فاذا أمرنا بوجه من الوجوه أطعناه ولم نتعد إلى غيره مما لم يأمرنا ولم يأذن لنا، لانا لا ندري لعله ان أراد منا الاول فهو يكره الثاني، وقد نهانا أن نتقدم بين يديه، فلما أمرنا أن نعبده بالتوجه إلى الكعبة أطعنا، ثم أمرنا بعبادته بالتوجه نحوها في سائر البلدان التي نكون بها فأطعنا، فلم نخرج في شئ من ذلك من اتباع أمره، والله عزوجل حيث أمر بالسجود لادم لم يأمر بالسجود لصورته التي هي غيره، فليس لكم أن تقيسوا ذلك عليه، لانكم لا تدرون لعله يكره ما تفعلون اذ لم يأمركم به. وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله أرأيتم لو أذن لكم رجل دخول داره يوما بعينه ألكم أن تدخلوها بعد ذلك بغير أمره؟ أو لكم أن تدخلوا دارا له اخرى مثلها بغير أمره؟ أو وهب لكم رجل ثوبا من ثيابه، أو عبدا من عبيده، أو دابة من دوابه، ألكم أن تأخذوا ذلك؟ قالوا: نعم. قال: فان لم تأخذوه، أخذتم آخر مثله؟ قالوا: لا، لانه لم يأذن لنا في الثاني كما أذن لنا في الاول. قال صلى الله عليه وآله: فأخبروني الله تعالى أولى بأن لا يتقدم على ملكه بغير أمره أو بعض المملوكين؟ قالوا: بل الله أولى بأن لا يتصرف في ملكه بغير أمره واذنه. قال: فلم فعلتم، ومتى أمركم أن تسجدوا لهذه الصور؟ قال: فقال القوم: سننظر في امورنا، ثم سكتوا. وقال الصادق عليه السلام: فوالذي بعثه بالحق نبيا ما أتت على جماعتهم ثلاثة أيام حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله فأسلموا، وكانوا خمسة وعشرين رجلا من كل فرقة خمسة وقالوا: ما رأينا مثل حجتك يا محمد، نشهد أنك رسول الله. "