عن المعصومين عليهم السلام :
من طريق الراوة :
الحديث الشريف :
" قال الامام عليه السلام: قال الله عزوجل:(ثم قست قلوبكم) عست وجفت ويبست من الخير والرحمة قلوبكم معاشر اليهود(من بعد ذلك) من بعد ما بينت من الآيات الباهرات في زمان موسى عليه السلام، ومن الآيات المعجزات التي شاهدتموها من محمد. (فهي كالحجارة) اليابسة لا ترشح برطوبة، ولا ينتفض منها ما ينتفع به، أي أنكم لا حق الله تعالى تؤدون، ولا من أموالكم ولا من مواشيها تتصدقون، ولا بالمعروف تتكرمون وتجودون، ولا الضيف تقرؤن، ولا مكروبا تغيثون، ولا بشئ من الانسانية تعاشرون وتعاملون. (أو أشد قسوة) إنما هي في قساوة الاحجار(أو أشد قسوة) أبهم على السامعين ولم يبين لهم، كما يقول القائل: أكلت خبزا أو لحما، وهو لا يريد به أني لا أدري ما أكلت، بل يريد به أن يبهم على السامع حتى لا يعلم ماذا أكل، وإن كان يعلم أنه قد أكل. وليس معناه: بل أشد قسوة، لان هذا استدراك غلط، وهو عزوجل يرتفع عن أن يغلط في خبر ثم يستدرك على نفسه الغلط، لانه العالم بما كان وبما يكون وبما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون، وإنما يستدرك الغلط على نفسه المخلوق المنقوص. ولا يريد به أيضا: فهي كالحجارة أو أشد أي وأشد قسوة، لان هذا تكذيب الاول بالثاني، لانه قال:(فهي كالحجارة) في الشدة لا أشد منها ولا ألين، فاذا قال بعد ذلك:(أو أشد) فقد رجع عن قوله الاول: أنها ليست بأشد، وهذا مثل أن يقول: لا يجئ من قلوبكم خير لا قليل ولا كثير. فأبهم عزوجل في الاول حيث قال:(أو أشد). وبين في الثاني أن قلوبهم أشد قسوة من الحجارة لا بقوله:(أو أشد قسوة) ولكن بقوله تعالى:(وإن من الحجارة لما يتفجر منه الانهار) أي فهي في القساوة بحيث لا يجئ منها الخير يا يهود وفي الحجارة ما يتفجر منه الانهار فيجئ بالخير والغياث لبني آدم. (وإن منها) من الحجارة(لما يشقق فيخرج منه الماء) وهو ما يقطر منه الماء فهو خير منها دون الانهار التي يتفجر من بعضها، وقلوبهم لا يتفجر منها الخيرات ولا يشقق فيخرج منها قليل من الخيرات، وإن لم يكن كثيرا. ثم قال الله تعالى:(وإن منها) يعني من الحجارة(لما يهبط من خشية الله) إذا أقسم عليها باسم الله وبأسامي أوليائه: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم صلى الله عليهم، وليس في قلوبكم شئ من هذه الخيرات. (وما الله بغافل عما تعملون) بل عالم به، يجازيكم عنه بما هو به عادل عليكم وليس بظالم لكم، يشدد حسابكم، ويؤلم عقابكم. وهذا الذى قد وصف الله تعالى به قلوبهم ههنا نحو ما قال في سورة النساء:(أم لهم نصيب من الملك فاذا لا يؤتون الناس نفيرا). وما وصف به الاحجار ههنا نحو ما وصف في قوله تعالى:(لو أنزلنا هذا القران على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله) وهذا التقريع من الله تعالى لليهود والنواصب، واليهود جمعوا الامرين واقترفوا الخطيئتين فغلظ على اليهود ما وبخهم به رسول الله صلى الله عليه وآله. فقال جماعة من رؤسائهم، وذوي الالسن والبيان منهم: يا محمد إنك تهجونا وتدعي على قلوبنا ما الله يعلم منها خلافه، إن فيها خيرا كثيرا: نصوم ونتصدق ونواسي الفقراء. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنما الخير ما اريد به وجه الله تعالى، وعمل على ما أمر الله تعالى به. فأما ما اريد به الرياء والسمعة أو معاندة رسول الله، وإظهار الغنى له والتمالك والتشرف عليه فليس بخير، بل هو الشر الخالص، ووبال على صاحبه، يعذبه الله به أشد العذاب. فقالوا له: يا محمد أنت تقول هذا، ونحن نقول: بل ما ننفقه إلا لابطال أمرك ودفع رياستك ولتفريق أصحابك عنك وهو الجهاد الاعظم، نؤمل به من الله الثواب الاجل الاجسم، وأقل أحوالنا أنا تساوينا في الدعاوى، فأي فضل لك علينا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا إخوة اليهود إن الدعاوي يتساوى فيها المحقون والمبطلون ولكن حجج الله ودلائله تفرق بينهم، فتكشف عن تمويه المبطلين، وتبين عن حقائق المحقين، ورسول الله محمد لا يغتنم جهلكم ولا يكلفكم التسليم له بغير حجة ولكن يقيم عليكم حجة الله تعالى التي لا يمكنكم دفاعها، ولا تطيقون الامتناع من موجبها ولو ذهب محمد يريكم آية من عنده لشككتم، وقلتم: إنه متكلف مصنوع محتال فيه، معمول أو متواطأ عليه، فاذا اقترحتم أنتم فأراكم ما تقترحون لم يكن لكم أن تقولوا معمول أو متواطأ عليه أو متأتي بحيلة ومقدمات، فما الذي تقترحون؟ فهذا رب العالمين قد وعدني أن يظهر لكم ما تقترحون ليقطع معاذير الكافرين منكم، ويزيد في بصائر المؤمنين منكم. قالوا: قد أنصفتنا يا محمد، فان وفيت بما وعدت من نفسك من الانصاف، وإلا فأنت أول راجع من دعواك للنبوة، وداخل في غمار الامة، ومسلم لحكم التوراة لعجزك عما نقترحه عليك، وظهور الباطل في دعواك فيما ترومه من جهتك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الصدق ينبئ عنكم لا الوعيد، اقترحوا ما تقترحون ليقطع معاذيركم فيما تسألون. "