عن المعصومين عليهم السلام :
من طريق الراوة :
الحديث الشريف :
" قال الامام: قال الله عزوجل ليهود المدينة: واذكروا(إذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) تضربون ببعضها هذا المقتول بين أظهركم ليقوم حيا سويا باذن الله عزوجل، ويخبركم بقاتله. وذلك حين القي القتيل بين أظهرهم، فألزم موسى عليه السلام أهل القبيلة بأمر الله تعالى أن يحلف خمسون من أماثلهم بالله القوي الشديد إليه موسى و بنى إسرائيل، مفضل محمد وآله الطيبين على البرايا أجمعين إنا ما قتلناه، ولا علمنا له قاتلا، فان حلفوا بذلك غرموا دية المقتول، وإن نكلوا نصوا على القاتل أو أقر القاتل فيقاد منه فان لم يفعلوا حبسوا في محبس ضنك إلى أن يحلفوا أو يقروا أو يشهدوا على القاتل. فقالوا: يا نبي الله أما وقت أيماننا أموالنا و لا أموالنا أيماننا؟ قال: لا، هكذا حكم الله. وكان السبب: أن إمرأة حسناء ذات جمال وخلق كامل، وفضل بارع، ونسب شريف وستر ثخين كثر خطابها، وكان لها بنو أعمام ثلاثة، فرضيت بأفضلهم علما وأثخنهم سترا، وأرادت التزويج به، فاشتد حسد ابني عمه الآخرين له غيضا، وغبطاه عليها لايثارها إياه فعمدا إلى ابن عمهما المرضي، فأخذاه إلى دعوتهما، ثم قتلاه وحملاه إلى محلة تشتمل على أكثر قبيلة في بني إسرائيل، فألقياه بين أظهرهم ليلا. فلما أصبحوا وجدوا القتيل هناك، فعرف حاله، فجاء ابنا عمه القاتلان له، فمزقا ثيابهما على أنفسهما، وحثيا التراب على رؤوسهما، واستعديا عليهم، فأحضرهم موسى عليه السلام وسألهم، فأنكروا أن يكونوا قتلوه، أو علموا قاتله. فقال: فحكم الله عزوجل على من فعل هذه الحادثه ما عرفتموه، فالتزموه. فقالوا: يا موسى أي نفع في أيماننا لنا إذا لم تدرأ عنا الغرامة الثقيلة؟ أم أي نفع في غرامتنا لنا إذا لم تدرأ عنا الايمان؟ فقال موسى عليه السلام: كل النفع في طاعة الله والايتمار لامره، والانتهاء عما نهى عنه. فقالوا: يا نبي الله غرم ثقيل ولا جناية لنا، وأيمان غليظة ولا حق في رقابنا لو أن الله عرفنا قاتله بعينه، وكفانا مؤنته، فادع لنا ربك يبين لنا هذا القاتل لتنزل به ما يستحقه من العقاب، وينكشف أمره لذوي الالباب. فقال موسى عليه السلام: إن الله عزوجل قد بين ما أحكم به في هذا، فليس لي أن أقترح عليه غير ما حكم، ولا أعترض عليه فيما أمر. ألا ترون أنه لما حرم العمل في يوم السبت، وحرم لحم الجمل لم يكن لنا أن نقترح عليه أن يغير ماحكم به علينا من ذلك، بل علينا أن نسلم له حكمه، ونلتزم ما ألزمنا، وهم بأن يحكم عليهم بالذي كان يحكم به على غيرهم في مثل حادثهم فأوحى الله عزوجل إليه: يا موسى أجبهم إلى ما اقترحوا، وسلني أن ابين لهم القاتل ليقتل، ويسلم غيره من التهمة والغرامة، فاني إنما اريد باجابتهم إلى ما اقترحوا توسعة الرزق على رجل من خيار امتك، دينه الصلاة على محمد وآله الطيبين، والتفضيل لمحمد صلى الله عليه وآله وعلي بعده على سائر البرايا، اغنية في الدنيا في هذه القضية، ليكون بعض ثوابه عن تعظيمه لمحمد وآله. فقال موسى: يا رب بين لنا قاتله. فأوحى الله تعالى إليه: قل لبني إسرائيل إن الله يبين لكم ذلك بأن يأمركم أن تذبحوا بقرة، فتضربوا ببعضها المقتول فيحيى فتسلمون لرب العالمين ذلك، وإلا فكفوا عن المسألة ; والتزموا ظاهر حكمي. فذلك ما حكى الله عزوجل:(وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم - أي سيأمركم - أن تذبحوا بقرة) إن أردتم الوقوف على القاتل، وتضربوا المقتول ببعضها ليحيى ويخبر بالقاتل(قالوا - يا موسى - أتتخذنا هزوا) و سخرية؟ تزعم أن الله يأمرنا أن نذبح بقرة، ونأخذ قطعة من ميت، ونضرب بها ميتا، فيحيى أحد الميتين بملاقات بعض الميت الآخر له، فكيف يكون هذا؟(قال - موسى - أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين) أنسب إلى الله تعالى مالم يقل لي، وأن أكون من الجاهلين، اعارض أمر الله بقياسي على ما شاهدت، دافعا لقول الله عزوجل وأمره. ثم قال موسى عليه السلام: أو ليس ماء الرجل نطفة ميتة، وماء المرأة كذلك، ميتان يلتقيان فيحدث الله تعالى من التقاء الميتين بشرا حيا سويا؟ أو ليس بذوركم التي تزرعونها في أرضيكم تتفسخ وتتعفن وهي ميتة، ثم يخرج الله منها هذه السنابل الحسنة البهيجة وهذه الاشجار الباسقة المونقة؟ فلما بهرهم موسى عليه السلام قالوا له: يا موسى(ادع لنا ربك يبين لنا ما هي) أي ما صفتها لنقف عليها. فسأل موسى ربه عزوجل، فقال:(إنها بقرة لا فارض) كبيرة(ولا بكر) صغيرة لم تغبط(عوان) وسط(بين ذلك) بين الفارض والبكر(فافعلوا ما تؤمرون) إذا امرتم به. (قالوا - يا موسى - ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها) أي لون هذه البقرة التي تريد أن تأمرنا بذبحها. قال موسى - عن الله بعد السؤال والجواب -(إنها بقرة صفراء فاقع) حسن الصفرة ليس بناقص يضرب إلى البياض، ولا بمشبع يضرب إلى السواد(لونها) هكذا فاقع(تسر - البقرة - الناظرين) إليها لبهجتها وحسنها وبريقها. (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي) ما صفتها؟ يزيد في صفتها. (قال - عن الله تعالى - إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الارض) لم تذلل لاثارة الارض ولم ترض بها(ولا تسقي الحرث) ولا هي مما تجر الدلاء، ولا تدير النواعير قد أعفيت من ذلك أجمع(مسلمة) من العيوب كلها، لا عيب فيها(لاشية فيها) لا لون فيها من غيرها. فلما سمعوا هذه الصفات قالوا: يا موسى أ فقد أمرنا ربنا بذبح بقرة هذه صفتها؟ قال: بلى. ولم يقل موسى في الابتداء(إن الله قد أمركم) لانه لو قال: إن الله أمركم لكانوا إذا قالوا: ادع لنا ربك يبين لنا ماهي وما لونها وما هي كان لا يحتاج أن يسأله - ذلك - عزوجل، ولكن كان يجيبهم هو بأن يقول: أمركم ببقرة، فأي شئ وقع عليه اسم بقرة فقد خرجتم من أمره إذا ذبحتموها. قال: فلما استقر الامر عليهم، طلبوا هذه البقرة فلم يجدوها إلا عند شاب من بني إسرائيل أراه الله عزوجل في منامه محمدا وعليا وطيبي ذريتهما، فقالا له: إنك كنت لنا وليا محبا ومفضلا، ونحن نريد أن نسوق إليك بعض جزائك في الدنيا، فاذا راموا شراء بقرتك فلا تبعها إلا بأمر امك، فان الله عزوجل يلقنها ما يغنيك به وعقبك. ففرح الغلام، وجاءه القوم يطلبون بقرته، فقالوا: بكم تبيع بقرتك هذه؟ قال: بدينارين، والخيار لامي. قالوا: قد رضينا بدينار. فسألها، فقالت: بأربعة. فأخبرهم فقالوا: نعطيك دينارين. فأخبر امه، فقالت: بثمانية فما زالوا يطلبون على النصف، مما تقول امه، ويرجع إلى امه، فتضعف الثمن حتى بلغ ثمنها ملء مسك ثور أكبر ما يكون ملؤه دنانير، فأوجب لهم البيع. ثم ذبحوها، وأخذوا قطعة وهي عجز الذنب الذي منه خلق ابن آدم، وعليه يركب إذا اعيد خلقا جديدا، فضربوه بها، وقالوا: اللهم بجاه محمد وآله الطيبين لما أحييت هذا الميت، وأنطقته ليخبرنا عن قاتله. فقام سالما سويا وقال: يا نبي الله قتلني هذان ابنا عمي، حسداني على بنت عمي فقتلاني، وألقياني في محلة هؤلاء ليأخذا ديتي منهم. فأخذ موسى عليه السلام الرجلين فقتلهما، وكان قبل أن يقوم الميت ضرب بقطعة من البقرة فلم يحي، فقالوا: يا نبي الله أين ما وعدتنا عن الله عزوجل؟ فقال موسى عليه السلام: قد صدقت، وذلك إلى الله عزوجل. فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى إني لا اخلف وعدي، ولكن ليقدموا للفتى ثمن بقرته ملء مسكها دنانير ثم احيي هذا. فجمعوا أموالهم، فوسع الله جلد الثور حتى وزن ما ملئ به جلده فبلغ خمسة آلاف ألف دينار. فقال بعض بني إسرائيل لموسى عليه السلام - وذلك بحضرة المقتول المنشور المضروب ببعض البقرة -: لا ندري أيهما أعجب: إحياء الله هذا وإنطاقه بما نطق أو اغناؤه لهذا الفتى بهذا المال العظيم ! فأوحى الله إليه: يا موسى قل لبني إسرائيل: من أحب منكم أن اطيب في الدنيا عيشه، واعظم في جناني محله، وأجعل لمحمد وآله الطيبين فيها منادمته، فليفعل كما فعل هذا الفتى، إنه كان قد سمع من موسى بن عمران عليه السلام ذكر محمد صلى الله عليه وآله وعلي وآلهما الطيبين، فكان عليهم مصليا، ولهم على جميع الخلائق من الجن والانس والملائكة مفضلا، فلذلك صرفت إليه هذا المال العظيم ليتنعم بالطيبات ويتكرم بالهبات والصلاة، ويتحبب بمعروفه إلى ذوي المودات، ويكبت بنفقاته ذوي العداوات. قال الفتى: يا نبي الله كيف أحفظ هذه الاموال؟ أم كيف أحذر من عداوة من يعاديني فيها، وحسد من يحسدني لاجلها؟ قال: قل عليها من الصلاة على محمد وآله الطيبين ما كنت تقوله قبل أن تنالها، فان الذي رزقكها بذلك القول مع صحة الاعتقاد يحفظها عليك أيضا(بهذا القول مع صحة الاعتقاد). فقالها الفتى فما رامها حاسد له ليفسدها، أو لص ليسرقها، أو غاصب ليغصبها، إلا دفعه الله عزوجل عنها بلطف من ألطافه حتى يمتنع من ظلمه اختيارا أو منعه منه بآفة أو داهية حتى يكفه عنه، فيكف أضطرارا. قال عليه السلام: فلما قال موسى عليه السلام للفتى ذلك وصار الله عزوجل له - لمقالته - حافظا، قال هذا المنشور: اللهم إني أسألك بما سألك به هذا الفتى من الصلاة على محمد وآله الطيبين والتوسل بهم أن تبقيني في الدنيا متمتعا بابنة عمي وتجزي عني أعدائي وحسادي، وترزقني فيها خيرا كثيرا طيبا. فأوحى الله إليه: يا موسى إنه كان لهذا الفتى المنشور بعد القتل ستون سنة، وقد وهبت له بمسألته وتوسله بمحمد وآله الطيبين سبعين سنة تمام مائة وثلاثين سنة صحيحة حواسه، ثابت فيها جنانه، قوية فيها شهواته، يتمتع بحلال هذه الدنيا ويعيش ولا يفارقها ولا تفارقه، فاذا حان حينه حان حينها وماتا جميعا معا فصارا إلى جناني، وكانا زوجين فيها ناعمين. ولو سألني - يا موسى - هذا الشقي القاتل بمثل ما توسل به هذا الفتى على صحة اعتقاده أن أعصمه من الحسد، وأقنعه بما رزقته - وذلك هو الملك العظيم - لفعلت. ولو سألني بذلك مع التوبة من صنعه أن لا أفضحه لما فضحته، ولصرفت هؤلاء عن اقتراح إبانة القاتل، ولاغنيت هذا الفتى من غير هذا الوجه بقدر هذا المال أوجده. ولو سألني بعد ما افتضح، وتاب إلى، وتوسل بمثل وسيلة هذا الفتى أن انسى الناس فعله - بعدما ألطف لاوليائه فيعفونه عن القصاص - لفعلت، فكان لا يعيره بفعله أحد ولا يذكره فيهم ذاكر، ولكن ذلك فضل اوتيه من أشاء، وأنا ذو الفضل العظيم وأعدل بالمنع على من أشاء، وأنا العزيز الحكيم. فلما ذبحوها قال الله تعالى:(فذبحوها وما كادوا يفعلون) فأرادوا أن لايفعلوا ذلك من عظم ثمن البقرة، ولكن اللجاج حملهم على ذلك، واتهامهم لموسى عليه السلام حدأهم عليه. قال: فضجوا إلى موسى عليه السلام وقالوا: فتقرت القبيلة ودفعت إلى التكفف وانسلخنا بلجاجنا عن قليلنا وكثيرنا فادع الله لنا بسعة الرزق. فقال موسى عليه السلام: ويحكم ما أعمى قلوبكم؟ أما سمعتم دعاء الفتى صاحب البقرة وما أورثه الله تعالى من الغنى؟ أو ما سمعتم دعاء الفتى المقتول المنشور، وما أثمر له من العمر الطويل والسعادة والتنعم والتمتع بحواسه وسائر بدنه وعقله؟ لم لا تدعون الله تعالى بمثل دعائهما، وتتوسلون إلى الله بمثل توسلهما ليسد فاقتكم، ويجبر كسركم، ويسد خلتكم؟ فقالوا: اللهم إليك التجأنا، وعلى فضلك اعتمدنا، فأزل فقرنا وسد خلتنا بجاه محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم. فأوحى الله إليه: ياموسى قل لهم: ليذهب رؤساؤهم إلى خربة بني فلان، ويكشفوا في موضع كذا - لموضع عينه - وجه أرضها قليلا، ثم يستخرجوا ماهناك، فانه عشرة آلاف ألف دينار، ليردوا على كل من دفع في ثمن هذه البقرة ما دفع، لتعود أحوالهم إلى ما كانت عليه ثم ليتقاسموا بعد ذلك مايفضل وهو خمسة آلاف ألف دينار على قدر ما دفع كل واحد منهم في هذه المحنة لتتضاعف أموالهم جزاء على توسلهم بمحمد وآله الطيبين، واعتقادهم لتفضيلهم. فذلك ما قال الله عزوجل:(وإذ قتلتم نفسا فادارءتم فيها) اختلفتم فيها وتدارأتم، ألقى بعضكم الذنب في قتل المقتول على بعض، ودرأه عن نفسه وذويه(والله مخرج) مظهر(ما كنتم تكتمون) ما كان من خبر القاتل، وماكنتم تكتمون من إرادة تكذيب موسى عليه السلام باقتراحكم عليه ما قدرتم أن ربه لا يجيبه إليه. (فقلنا اضربوه ببعضها) ببعض البقرة(كذلك يحيي الله الموتى) في الدنيا والاخرة كما أحيى الميت بملاقاة ميت آخر له. أما في الدنيا فيلاقي ماء الرجل ماء المرأة فيحيي الله الذي كان في الاصلاب والارحام حيا. وأما في الاخرة فان الله تعالى ينزل بين نفختي الصور - بعد ما ينفخ النفخة الاولى من دوين السماء الدنيا - من البحر المسجور الذي قال الله تعالى فيه(والبحر المسجور) وهي مني كمني الرجال، فيمطر ذلك على الارض فيلقى الماء المني مع الاموات البالية فينبتون من الارض ويحيون. ثم قال الله عزوجل:(ويريكم آياته) سائر آياته سوى هذه الدلالات على توحيده ونبوة موسى عليه السلام نبيه، وفضل محمد صلى الله عليه وآله على الخلائق سيد إمائه وعبيده، وتبيينه فضله وفضل آله الطيبين على سائر خلق الله أجمعين.(لعلكم تعقلون) تعتبرون و تتفكرون أن الذي يفعل هذه العجائب لا يأمر الخلق إلا بالحكمة، ولا يختار محمدا وآله إلا لانهم أفضل ذوي الالباب قوله عزوجل: "" ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة أو أشد قسوة وان من الحجارة لما يتفجر منه الانهار وان منها لما يشقق فيخرج منه الماء وان منها لما يهبط من خشية الله وماالله بغافل عما تعملون: "" 74 . "